الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أبو بكر الشبلي يترك القصور ويسكن التصوّف

بواسطة azzaman

أبو بكر الشبلي يترك القصور ويسكن التصوّف

بغداد – الزمان

علي قاعة حسين علي محفوظ أقام المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي ، بالتعاون مع ملتقى التصوف البغدادي ، ندوة فكرية أدبية في رحاب التصوف بعنوان ( أبو بكر الشبلي .. إشراق العرفان وبلاغة الوجد) ، أدارها السيد طالب عيسى.

 قدمت فيها الدكتورة نظلة الجبوري لمحة عن تأسيس الملتقى عام 2017 ، من خلال إقامة ندوات عن سير المتصوفة والطرق الصوفية في بغداد. وتناولت أهمية التصوف في المسيرة الدينية وثقافتها وأفكارها. وشرحت مصطلحات (السُكْر) و (الشطح) و ( الترنح) التي ترد في أدبيات التصوف ، وان لها معاني خاصة بها يعرفها من له إلمام بلغة المتصوفة. وأن السكر الصوفي هو سمو في المعرفة والقرب من الذات الإلهية.

ادب المتصوفة

وألقى محافظ بغداد الأسبق صلاح عبد الرزاق كلمة قال فيها

أن بعض المستشرقين قد تناولوا سير وأدب المتصوفة مثل الفرنسي لويس ماسينيون الذي كتب عن المنصور الحلاج ، وشرح ديوانه. وكتبت المستشرقة الألماني أنا ماري شيميل عن التصوف الإسلامي في العراق وإيران وتركيا.

وقال أنه في كتابه (السردية البغدادية التراثية) خصص باباً عن سيرة سبعة من متصوفة بغداد ، وأنه زار مراقدهم ووصفها وصورها

وتناول في كلمته تاريخ الشبلي وقال: هو أبو بكر الشبلي البغدادي المعروف بالشِّبلي الصالح المشهور الخراساني الأصل السامرائي المولد والبغدادي المنشأ ، كان جليل القدر مالكي المذهب ، وصحب الشيخ أبا القاسم الجنيد والحسين الحلاج.

العصر العباسي

اسمه دُلَف بن جَحْدَر وقيل جعفر بن يونس. ولد في قرية شّبلية من توابع أشروسنه من ضمن بلاد ما وراء النهر . وهو إيراني ، ويقال أنه تركي الأصل . ولد عام ( 247 هـ / 861 م) ، وتوفي في عام ( 334 هـ / 945 م).

ونشأ الشبلي في العصر العباسي الثاني بعد انتقال العاصمة العباسية من بغداد إلى سامراء التي تبعد 125 كم شمال بغداد بعد أن ضج أهالي بغداد من كثرة وسلوك الجنود الأتراك الذين استعان بهم الخليفة لتدعيم حكمه. أنشأها الخليفة المعتصم بالله سنة ( 221 هـ / 835 م) ونقل إليها دواوين الدولة ومعسكرات الجند ، وبنى قصوراً لأسرته وأمراء الجيش.

تشير المصادر إلى أن الشبلي قد ولد في سامراء ، ونشأ مع أولاد الأمراء والوزراء ، وانخرط في وظيفة في البلاط العباسي. وحظي بالنعم الوافرة من الأمراء. ويبدو أن والده كان ذا صفة مرموقة في دار الخلافة مكنته من العيش قرب البلاط ، وهيأت لابنه دلف أن يحظى بصحبة كبار القوم. الأمر الذي جعله يحظى بمنصب الحاجب ثم يعّين أميراً على (دماوند) من توابع طبرستان.

وكان أبوه من كبار حجاب الخلافة ، وولي هو منصب حاجب المفوض بالخلافة (الوصي على العرش) الموفق بالله (229-278 هـ / 843- 891م) وكان قائد جيوش أخيه الخليفة المعتمد على الله الذي كان خليفة اسماً.

في تلك الفترة المضطربة كان الشبلي يرى المظالم في عمله والسعايات والوشايات بين الحكام بالباطل فيؤلمه ذلك، ولا يوافق هواه ونزعته الشاعرية، وأحس بقيود الوظيفة، وأراد خلعها لأنه يرى مصيره سيئا في الدنيا والآخرة إذا أستمر بالعمل مع هؤلاء المتكالبين على الدنيا، والتقى بالرجل الصالح (خير النساج) وكان من مشاهير الوعاظ في عصره، ووجهه نحو الجنيد البغدادي (215- 298 هـ/ 830- 910 م).

التقى الشبلي بالجنيد البغدادي فرحب به الجنيد وأكرمه وحبّب إليه العبادات والتصوف والانصراف عن الدنيا، وأن لا يجعلها كل همه. وكان الشبلي قد جزع من العمل أميرا عند الولاة وقرر الاستقالة من عمله. فطلب منه الجنيد أن يعود إلى وظيفته ويسترضي الناس، فرجع الشبلي لعمله واقام فيها سنة، يسترضي خلالها الناس ، ليعفوا عما قد أخطأ بحقهم، فقال لأهلها: كنت والي بلدكم فاجعلوني في حل. ثم عاد إلى بغداد، وسلك سبيل التصوف.

وظهرت على الشبلي حالات من الجذب والشطح والغيبوبة التي كان بعض المتصوفة يصطنعوها خوفاً من الحكام والولاة وصرح بجنونه مرة بعد المحنة التي حلت بصاحبه الحسين الحلاج وإعدامه سنة (309هـ، / 922م)، بقوله: أنا والحلاج شر واحد، فخلصني جنوني وأهلكه عقله.

زيارتي لمرقد الشبلي

يصفه صاحب (العقد اللامع) المتوفى عام 1930 فيقول: يقع مرقده داخل مقبرة الخيزران قريباً من جامع أبو حنيفة النعمان. وفيه مسجد صغير تُصلى فيه الصلوات في بعض الأوقات. وفيه إمام خُصّص له راتب من دائرة الأوقاف. وفي فناء هذا المسجد جُنينة صغيرة زاهية فيها أنواع الأوراد والأزهار.

في 16 كانون الثاني 2024 قمت بزيارة مرقد الشيخ أبو بكر الشبلي ، وكان معي الباحث التراثي ياسر العبيدي. دخلنا المرقد من زقاق مجاور لمقبرة الخيزران الواسعة. الدخول إلى المرقد يستلزم صعود سلم حديدي يؤدي إلى طارمة ثم باب المرقد. إذ يقع المرقد على ربوة تشرف على القبور المجاورة.

تم ترميم المرقد عام 2012 من قبل ديوان الوقف السني. البناء من الطابوق والجص . تعلو المرقد قبة مطلية باللون الأخضر ، يعلوها ميل نحاسي ، وعلم أخضر. ويحيط بالقبة سياج حديدي لمنع السقوط إلى الأسفل. توجد بالقبة عدة نوافذ للإضاءة والتهوية. وتتدلى ثريا من السقف وفوق الشباك.

شباك خشبي

في جانب من المرقد يقوم شباك خشبي بسيط الصنع ، شاهدتُ أسفله لوح رخامي كتب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الشيخ أبو بكر الشبلي رضي الله عنه). كما شاهدت لوحاً رخامياً أصغر حجماً كتب عليه (مرقد الشيخ أبو بكر الشبلي).

وتوجد ستارة من القطيفة الخضراء يُغطى بها الشباك مكتوب في أركانها : (يا علي مولا) و (يا فاطمة الزهراء) و( يا حسن مولا) و(يا حسين مولا) (هكذا كتبت) عليهم السلام. وفي الوسط كتب (الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله. أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد (اً) رسول الله ، وأشهد أن علي (اً) ولي الله ووصي رسول الله والخليفة لأمته. صلوا عليه وآله وسلموا تسليماً).

وتوجد آلات الدفوف واسعة الحجم مصنوعة من الجلد ، إضافة إلى عصا سوداء ذات مقبض ذهبي مسندة على شباك الضريح. وهي من لوازم حلقات الذكر الصوفية التي تقام في المرقد. وشاهدتُ وجود أسماء أصحاب الكساء من أهل البيت عليهم السلام وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين على أعلى الجدران.

وفي الختام أهدى الدكتور صلاح عبد الرزاق كتابه (السردية البغدادية التراثية) بجزئيه للدكتور نظلة الجبوري . وتم التقاط صورة جماعية للحاضرين من الجمهور والمشاركين في الندوة.


مشاهدات 126
أضيف 2025/11/03 - 12:38 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 7:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 668 الشهر 2187 الكلي 12363690
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير