الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في المعرض الشخصي الأول لعلي كريم جبار

بواسطة azzaman

قراءة في المعرض الشخصي الأول لعلي كريم جبار

صرخة اللون ضد الطغيان بوحدة بصرية واضحة

علي الدليمي

 

يشكل الفن التشكيلي في العراق، لا سيما في العقود الأخيرة، وسيلة للتعبير عن الوجدان الجمعي، والذاكرة الجمعية المليئة بالتحولات السياسية. والاجتماعية، والماسي الإنســــــانية. وفي هذا السياق، يأتي المعرض الشخصي الأول للفنان الشاب علي كريم جبار بعنوان «الدكتاتورية» والذي احتضنه كاليري سلام عمر مؤخرا، ، ليكرس هذا الدور، ويتصدى من خلال لوحاته لتجربة العراق الأليمة مع الاستبداد، في توظيف واع لقوة الصورة واللون كأدوات نقد ومقاومة.

وتبنى التجربة التشكيلية لعلي كريم جبار على قاعدة مضمون مركزي واضح، وهو الدكتاتورية كحالة سياسية واجتماعية ونفسية. يعيد الفنان استحضار تاريخ العراق الحديث من خلال خمسة عشر عملاً فنياً، تتفاوت من حيث الحجم، ولكن تتقاطع من حيث الثيمة، لتخلق وحدة فكرية وبصرية واضحة.

يمثل هذا التركيز الموضوعي ما يمكن وصفه بـ « الالتزام الفني»، إذ لا يكتفي الفنان بمجرد محاكاة جمالية للواقع، بل ينخرط في عملية تفكيك وتحليل للذاكرة العراقية الجمعية، ويعيد تقديمها برؤية معاصرة، تتجاوز مجرد التوثيق إلى المساءلة البصرية للأنظمة القمعية وآثارها النفسية والاجتماعية.

وتميزت أعمال جبار بقدر واضح من الخصوصية الأسلوبية، ما يدل على وعي تشكيلي متقدم رغم حداثة تجربته اشتغل الفنان على عناصر اللون والخط والكتلة، ليس بوصفها مكونات صورية فحسب، بل كوسائط تعبير نفسي ودرامي بدت الألوان في كثير من اللوحات مشبعة بالحزن، مشوشة، قائمة أحياناً، وهو ما يعكس اضطراب النفس الجمعية تحت وطأة القمع.

الخطوط من جانب آخر، جاءت متكسرة أو متداخلة، ما يشي بحالة اللايقين والخوف والاختناق ولا يمكن إغفال البعد التعبيري في تكوينات الكتلة، التي شكلت جسداً بصرياً يعكس المعاناة، سواء عبر وجوه مشوهة، أو أجساد مسجونة، أو رموز للسلطة والضحية في آن واحد.

ورغم وجود تأثيرات واضحة لبعض رواد الفن العراقي، فإن جبار حافظ على مساحة ذاتية في المعالجة، عبر من خلالها عن صوته الخاص، وهو ما يعكس نضجاً فنياً مبكراً، وبداية لتكوين ما يمكن تسميته بـ «بصمة جبار الفنية».

تأثير نفسي ومعنوي

لا تقف تجربة علي جبار عند حدود العرض البصري، بل تتعداها إلى تحقيق أثر وجداني واضح في المتلقي. إذ تعمل اللوحات كمرأة للذات العراقية المجروحة تضع المتلقي في حالة من التأمل وربما المواجهة مع ما تم نسيانه أو قمعه في الذاكرة. وهذا ما يجعل من هذا المعرض أكثر من حدث فني بل فعلاً نقدياً مشحوناً بالأسئلة الوجودية والأخلاقية:

هل يمكن للفن أن يداوي الجرح؟ وهل يستطيع أن يكون وسيلة لرفض الطغيان؟ وهل يستطيع أن يكون وسيلة لرفض الطغيان؟

بمقاربة هذه التساؤلات، يمكن القول إن المعرض يتعامل مع الفن بوصفه وسيلة مقاومة روحية، لا تنشد الترف البصري، بل التغيير الرمزي والوجداني.

وفي ضوء ما قدمه جبار في معرضه «الدكتاتورية»، يمكن اعتباره امتداداً فنياً للجيل الجديد من الفنانين العراقيين الذين لا يكتفون بتكرار المدارس السابقة، بل يطورون لغتهم الخاصة، في ظــل واقع متغير سياسياً واجتماعياً.

المعرض لا يشكل فقط وثيقة فنية ضد الاستبداد، بل أيضاً دعوة لإعادة تعريف دور الفنان بوصفه شاهداً وفاعلاً في المجتمع. كما أنه يسهم في إثراء المشهد التشكيلي العراقي، الذي بات بأمس الحاجة إلى تجارب شابة تتجاوز التقليدية، وتتفاعل بصدق مع هموم الوطن والإنسان.

يمثل معرض «الدكتاتورية» للفنان علي تجربة فنية متكاملة من حيث الفكرة والأسلوب والتأثير. ورغم كونه المعرض الشخصي الأول للفنان إلا أنه جاء محملاً برؤية فكرية ونفسية ناضجة، تجعلنا نتطلع إلى مستقبله الفني بثقة.

إن هذا المعرض لا يكتفي بعرض لوحات، بل يقدم مشروعاً بصرياً يفتح الح وينطق المسكوت عنه، واضعاً الفن في موقعه الطبيعي كقوة مقاومة. ووسيلة للتفكيــــر، ومجال للتأمـــــــل العميق في قضايا الحرية والعدالة، والإنسان.

*الفنان علي ، مواليد بغداد عام 1998. دبلوم رسم معهد الفنون الجميلة/ 2019. بكالوريوس رسم/ كلية الفنون الجميلة/ عام 2013. شارك في عدة معارض داخل العراق، منذ عام 2008. حاز جائزة عشتار للشباب عام 2023.كما أعلنت دائرة الفنون في وزارة الثقافة والسياحة والأثار، عن فوز الفنان الشاب علي كريم جبار بالجائزة الأولى في مسابقة معرض الفنانين الشباب الذي أقيم مؤخراً.


مشاهدات 78
أضيف 2025/10/29 - 1:09 AM
آخر تحديث 2025/10/29 - 3:59 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 19618 الكلي 12159473
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير