الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فلاح حسن الخطاط.. رؤية جديدة في الفن الكرافيكي


فلاح حسن الخطاط.. رؤية جديدة في الفن الكرافيكي

رياض عبد الكريم

 

عندما نتعمق في تفاصيل فن التصميم الكرافيكي متأملين الرواد والمتخصصين في هذا الفن المهم ، نجد ان من تناول هذا الموضوع هم قلة من كتبوا او بحثوا في تفاصيله وحيثياته ، وهم أيضا قلة من تخصصوا اكاديميا او مهنيا في هذا المجال وبقي بحر التصميم هائجا امام مجاميع الشباب من امتهنوا هذا الفن لا على أساس ابداعي فكري خلاق ، وانما على أسس ركيكة خضعت في السنوات القليلة الماضية الى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي لتنهل منه الأفكار التي تمكنهم من استنساخها وتحويلها الى منتجات لكنها تخلوا او تنعدم فيها قيمة الابداع وتقزم الثقافة والمعرفة والاطلاع لينقاد العقل الإنساني متطوعا كأسير في معسكرات الذكاء الاصطناعي.

ولا يبدو أن هناك كتابًا معروفًا ومخصصًا بعنوان «البعد الرابع في التصميم الجرافيكي» باللغة العربية، ولكن مفهوم «البعد الرابع» يُستخدم في سياقات مختلفة. في التصميم الجرافيكي، يُشير إلى إضافة البعد الزمني والحركة إلى العناصر المرئية، بينما في الفيزياء، يرتبط بالبعد الزماني في سياق نظرية النسبية لأينشتاين.

لكن مبادرة الدكتور فلاح حسن الخطاط بأصدار كتابه المعنون «البعد الرابع في التصميم الالكتروني» والصادر عن داراهوار للنشر والتوزيع في بغداد ، قد فتح بابا على مصراعيها لتنفذ من خلالها الأفكار المتزنة والرصينة والتي تتجلى فيها مبادئ واسس هذا الفن المهم والتي تكونت ونضجت في عقله بعد مخاض طويل في ممارسة المهنة عمليا واكاديميا وتنوع تجربته الصحفية في التصميم والإخراج الصحفي ملما ومبدعا في التنقل بين هذه التخصاصات التي شملت البوسترات وتصاميم مميزة في اغلب الصحف والمجلات العراقية واغلفة الكتب ، مضافا الى ذلك توسعه في تنمية ثقافته واطلاعه على معظم شؤون المعرفة وبالأخص في مجال تخصص التصميم الكرافيكي وتقنيات الطباعة بكل تفاصيلها القديمة والرقمية في الوقت الحاضر .

لذلك ، لابد ان يكون هذا الكتاب هو بمثابة نقلة مهمة واضافة اهم لما كتب عن هذا الموضوع لانه ــ أي الكتاب ــ لايؤتى بثمره مالم يكن قد ارتوى من خبرة حقيقة معمقة قد اغترفت من سنوات التجربة المهنية وتسلسلها الزمني الذي منح الكاتب الكثير من اساسيات هذا العمل وشؤونه التفصيلية .

خبرات سائدة

يحدد فلاح في مقدمته للكتاب المعالجات التصميمية وفق توظيف احدث التقنيات فيقول:» هي القدرة في بناء سياقات جديدة في ضوء الفكرة التصميمية عبر التصور الذهني وجعلها تثير المتلقي ، فضلا عن فاعليتها في عملية الادراك ، ومن ثم استدعاء مضامينها بيسر لتحيل الى الفهم والتأويل فيما بعد ، فلم تعد العملية التصميمية تجميعا لعناصرواشكال معينة بحسب مهارات وتقنيات وإمكانات وخبرات مكتسبة ، على وفق السياقات السابقة السائدة لاوقات طويلة ليست ببعيدة .

نعم هذا ماقصدته في مقدمة الموضوع من خلو عقول البعض الكثير من المصممين من الأفكار الخلاقة التي تخدم وتعني او توضح معنى التصميم في تقديم المنتج بما يخلق حالة من الشد والانتباه والتفاعل من قبل المتلقي ، وهنا اشير الى سؤال هو كيف نأتي بالافكار الخلاقة ؟ والجواب هو كما اسلفت من الثقافات المتنوعة والمعارف المكتسبة ، وهذا يعني ان يكون المصمم على درجة عالية من الثقافات المتعددة الاتجاهات ومطلع على التجارب الرائدة في مجال التصميم ولديه الخبرة الكافية في التقنيات الطباعية التي بالتأكيد ستفسد العمل فكرة وتصميما اذا لم يحسن المصمم درايته ومعرفته بتلك التقنيات ، ولم يكتب فلاح كتابه هذا الا بعد ان ترك ورائه ومن زمن طويل من التجارب المهنية والمتنوعة في مجال التصميم إضافة الى دراسته الاكاديمية والعمل مع من سبقه من رواد التصميم في العراق وكبار الصحفيين الذين اضافوا لخبراته ومواهبه الكثير من الأفكار والملاحظات لتجعل منه الان احد اهم المصممين في العراق واستاذ محاضر في كلية الاعلام .ويؤكد فلاح ماذكرته أعلاه فيشير وبنوع من التأكيد الى : « ان المصمم هو المبتكر ، الذي يعمل وفق رؤاه الذاتية وامكاناته وتجربته وذوقه ، فقد شهد عصرنا الراهن تطورا سريعا ومذهلا في ميادين العلم والمعرفة والتقنيات الحديثة ، فكثرت الحاجة الوظيفية وتعددت الاذواق والوسائل والسبل واشتدت المنافسة ، لذا فأن العقل التصميمي لابد ان يكون وسط هذا الخضم مستوعبا تداخلاته في مجا تحصصه والتخصصات المجاورة له ، لايجاد الحالة الإبداعية ، ومستجيبا لوظائفها المجاورة.»هذه الرؤية التي يطرها فلاح على الرغم من بساطتها الا انها اختصرت المفهوم العميق لماهية المصمم والتصميم والتي لم تذكر او يركز عليها فيما كتب عن التصميم بالرغم من قلته ، لأن معظم ماكتب هو عبارة مناهج ومباديء اكاديمية دراسية بحته تخلو من التطرق الى التجارب المهنية في مطبخ الصحافة والاقسام الفنية التي يشغلها المجاميع من المصممين والمنفذين .وهنا اود ان اشير الى مايدعم فلاح من تأهله لتأليف هذا الكتاب هو تجربته الغنية والمترفة بالافكار والمعلومات إضافة الى ثقافاته المتنوعة وكونه خطاط بارع ومذهل وملم بكل مدارس الخط العربي عاش فترات زمنية تمتد الى اكثر من ثلاثة عقود وهو يعمل مع من سبق جيله من كبار رواد التصميم المثقفين  وذوي التجارب الغنية والثرة في مجالات التصميم والعمل الصحفي عندما كان خطاط بارعا ومذهلا وملما بكل مدارس الخط العربي ،  واذكر منهم عارف علوان ، كاتب وروائي ، جودت حسيب سياسي يساري ، فهمي القيسي فنان تشكيلي ، محمد سعيد الصكار ، كاتب وشاعرومصمم ابجدية للحروف ، بلاسم محمد ، اكاديمي ، ناظم رمزي ، خبير طباعي ومصور فوتغرافي ، واخرون ، وهؤلاء رحمهم الله جميعا قد كانوا من بناة المدرسة الأولى بمعناها الفني الذي رسخت اسم او مفردة المصمم وأطلقت مهنيا على من يقوم بهذا العمل وبألاخص بعد دخول المكائن الطباعية الحديثة آنذاك مطلع ستينات القرن العشرين ، وفلاح كان مطلع ومتابع لتجارب هؤلاء الرواد وأيضا لتجربته الغنية عندما عمل معي في مجلة افاق عربية ودار الشؤون الثقافية وهو طالب في كلية الفنون الجميلة .الكتاب يقع في 212 صفحة من القطع المتوسط وزينه غلاف جميل تميز بحداثة التصميم والتناسب والتناسق اللوني وتضمن خمسة فصول ، تمثلت بالتعرف على الرؤية الفكرية المكثفة والاستدلالية للتصور الذهني ، ووضع المرتكزات الأساسية له على وفق مراحل بناء التكوين الذهني في ضوء المراعاة الوظيفية والجمالية .تطرق الفصل الأول لموضوع الخيال والمخيلة، وبنائية التصور الذهني والابداع ، اذ يتصل التصميم بالخيال والتصور الذهني ، وفي الفصل الثاني تناول موضوع الفكرة وماهية التفكير واليات حدوثه واهداف الفكرة التصميمة ، اما الفصل الثالث فيتطرق الى اصل الفلسفة وخصائصها ، فضلا عن فلسفة الشكل والتشكيل والتصميم  ، وفي الفصل الرابع فقد تضمن دراسة الابعاد في التصميم الكرافيكي واهمية النظام والتنظيم في جماليات التصميم ، واستعراض الابعاد الثنائية والثلاثية والرباعية في التصميم ، وأخيرا فأن الفصل الخامس فيستعرض المؤلف نماذج تطبيقية محققة فيها البعد الرابع في التصميم الكرافيكي .

وفي فصله الخامس والأخير يستعرض فلاح مجموعة تطبيقات تناولت فلسفة الشكل محددا الابعاد الرباعية وانتظام الحركة في الشكل ، محللا من خلال مجموعة من التطبيقات التي شملت نماذج من التصاميم المختلفة من اغلفة الكتب والبوسترات والاعلانات الدعاية واغلفة المجلات مشيرا الى ان تراكب النص الكتابي على قاعدة التكوين الشكلي بستويات متباينة ، ويرتكز البناء التصميمي على قاعدة الهيمنة اللونية لاظهار ذلك الايهام الحركي مما يجعل الحروف بتقسيماتها المحورية في حركة دائبة عززت الانشاء الظاهري للمكون التصميمي.

فكرة مساحات

وتميز هذا الفصل بدقة التحليل الفني لمعنى ومعايير البعد الرابع في التصميم الذي اصبح مشاعا لكنه غير منتشر الا لمن تخصص بهذا الشأن وامتلك القدرة العلمية والفنية والأكاديمية ، ويكاد ان يكون فلاح هو احد هؤلاء لانه استخدم البعد الرابع في كثير من تصاميمه وبالأخص البوسترات وقد نجح في تجسيد هذا الفن المعقد والذي يحتاج الى الكثير الكثير من الثقافات والتجارب المتكررة وعمق الفكرة وتناغم اللون مع التكوين الحروفي مع الفضاءات التي غالبا ماتكون معتمدة في هذا الفن لانها تمنح الفكرة مساحات لأن يتجسد فيا البعد الرابع .الكتاب بمجمل فصوله هو دراسة منهجية دقيقة وبحث تحليلي في تفاصيل البعد الرابع المحدد بالزمكان الذي يضيف للتصميم حركة ايهامية تلمسها العين وتتحسسها المشاعر بما يضفي على التصميم قدرة كبيرة لترك الأثر الإيجابي لدى المتلقي وهو احد اهم الأساليب الحديثة في زمن الرقمنة ، وبذلك يكون فلاح احد اهم المتميزين في طرح هذا الموضوع المعقد في كتابه والذي لم يجر تناوله على الصعيدين المحلي والعربي وهذه ميزة رائعة تحسب للكتاب ولقدرات فلاح المهنية والفكرية .

 

 


مشاهدات 43
الكاتب رياض عبد الكريم
أضيف 2025/10/17 - 10:31 PM
آخر تحديث 2025/10/18 - 8:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 257 الشهر 11787 الكلي 12151642
الوقت الآن
السبت 2025/10/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير