الألقاب تفرق العوائل.. والمقابر تجمعهم
دعاء يوسف
في العراق، لم يعد اللقب مجرد شارة للتعريف أو امتداد لاسم الجد. صار عبئًا يحمله البعض أو مخرجًا يهرب به آخرون. تغيّرت الألقاب بفعل الظروف؛ هذا غيّره ليحصل على وظيفة، وذاك ليبتعد عن شبهة، وثالث ليندمج في بيئة مختلفة. النتيجة أن أبناء العمومة أنفسهم صاروا بواجهات متناقضة.
إحراجات الحياة اليومية
في المقاهي، في الدوائر، وحتى في الأعراس والمآتم، يتحاشى أبناء العم بعضهم البعض. ليس لأن بينهم خصومة شخصية، بل لأن كل واحد يحمل لقبًا يفضح أصله المختلف. يفضلون ألا يقفوا جنبًا إلى جنب أمام الناس، كي لا يأتي السؤال المحرج: “أنت شلون أصلك شيء، وابن عمك أصله شيء ثاني؟”. في العراق، صار اللقب يمزق روابط الدم قبل أن يمزق الورق.
المفارقة داخل المقابر
وإذا كان هذا المشهد مؤلمًا في الحياة، فكيف إذا امتد إلى الموت؟ في مقبرة أبو غريب ببغداد، أو أي مقبرة عائلية أخرى، ترى المشهد يتكرر. قطعة أرض يفترض أن تجمع الأخوة وأبناء العم، فإذا بها تُقسمهم ألقابًا. الشواهد بجوار بعضها، لكن الأسماء متنافرة. الأخوة يرقدون وكأنهم من بيوت متباعدة. أبناء العم جنبًا إلى جنب لكن بلا اسم مشترك يوحدهم.
هوية ضائعة
الأصل أن اللقب شجرة تنبسط جذورها لتجمع الجميع في ظلها. لكننا جعلناه سيفًا يفرّق ويجرح. صار العراقي يحرص على لقبه أكثر من صلته، يخشى المواجهة أكثر مما يخشى الفقدان. وحتى المقبرة لم تعد تصلح لتوحيد ما فرّقته الدنيا.
صرخة هوية
إذا كان الموت لا يوحدنا، وإذا كان الحياء يمنعنا من مواجهة بعضنا، فما الذي تبقى من الأصل؟ العراق بحاجة إلى مصالحة مع نفسه، مع أسمائه وألقابه، قبل أي مصالحة سياسية أو اجتماعية. نحن بحاجة أن نعيد للقب معناه كهوية تحفظ الأصل، لا كقناع نلبسه لنخفي ما نحن عليه.