لماذا أفغانستان ليست كالعراق؟

فاتح عبدالسلام

لم يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة ولايته الثانية عن العراق، وكأنه كان يضبط أعصابه بشدة متناهية لتحاشى ذكر العراق تصريحا والاكتفاء بتلميح عابر أو التجاهل الكامل.  وكأنّ هذا البلد غير موجود في أية مذكرة أو مداولة رئاسية مرت على مكتبه في البيت الأبيض.  هذا في ظاهر الاخبار طبعاً، ولكن عملياً لايزال العراق في مركز الاهتمام الأمريكي الاستراتيجي، وانّ المعادلة المرسومة لن تتأثر بقرار الانسحاب الأمريكي من قاعدتين رئيستين في (عين الأسد) وقرب مطار بغداد، ذلك انّ الانتشار الجديد يتجه الى إقليم كردستان ومناطق إقليمية أخرى ، ومن المؤكد انّ هذه الخطوات تقع تحت سقف الرؤية الامريكية المرحلية للتداعيات المحتملة في منطقة غير مستقرة وخاضعة لعقود للنفوذ الإيراني، وانّ تحريك بعض (الأحجار) بعد سقوط النظام الأسدي، يتطلب تجديد السياقات، ولكن ليس هناك تغيير كبير في الاستراتيجيات. كما انّه غير المحتمل أيضا انّ أمر القاء القبض في مركز شرطة السعدون ببغداد قد ألجم رئيس القوة الأكبر في العالم.

تجربة أفغانستان لن تتكرر بالعراق، ذلك انّ الامريكان كانوا يتفاوضون عبر دولة قطر سنوات عدة من اجل الخروج من هذا المستنقع، وكانت المفاوضات مع المقاومة التي لم تكن ممثلة بالبرلمان الافغاني ولم يكن لها وزراء وليس لها قاعدة شعبية تقبض الرواتب السخية من مؤسسات الدولة التي تأتي أموالها عبر البنك الأمريكي الفيدرالي.  هذا فرق كبير ومهم. فضلاً عن انَّ واشنطن تفاوضت مع القوة المناوئة لها، وليست (القوة والأحزاب) التي جلبتها بنفسها ووضعتها على سدة الحكم.

لو كان الانسحاب الأمريكي آتياً بمعنى التخلي عن العراق كموقع استراتيجي، لما تشددت واشنطن في تحذيرها للطاقم الحاكم في بغداد بعدم إقرار قانون الحشد الشعبي الذي تصفه بنسخة عراقية للحرس الثوري الإيراني.

لكن في النهاية، هناك بند غير مرئي وقد يكون اضطرارياً في السياسة الامريكية وهو الأرض المحروقة بذاتها وتلقائياً أو عبر فاعل، وهذا البند لا يمكن تفعيله إلا اذا لم يبقَ خيار سياسي ودبلوماسي صالح للعمل في ذلك المكان، وأظنّ أنّ الحالة العراقية برغم بؤسها لم تصل الى هذا الخط الأحمر، غير انّها تتجه بسرعة مثيرة نحوه.