مخاطر ومعالجات.. التغيرات المناخية على العراق
عبد المطلب رفعت سرحت
تعد التغيرات المناخية السبب الرئيسي في إرتفاع درجات الحرارة التي طرأت على الأرض، وتفيد التوقعات بأن هذه الارتفاعات سوف تتجاوز حدود الـ (1,5)* خلال السنوات القلیلة القادمة بالرغم من اننا تجاوزنا هذا الحد خلال السنتين الماضيتين. وتعود هذه الزيادات في درجات الحرارة الى زيادة كتل الغازات التي تنطلق نتيجة لاحتراق الوقود. ومن المتوقع أن تواجه الدول النامية التغييرات وخاصة في الأمطار ونقص حاد في المياه السطحية والجوفية بالإضافة الى الجفاف والتي ستؤدي الى فقدان الحياة في الكثير من تلك الدول. كذلك فإن التغيرات المناخية تعد قضايا بيئية مهمة وتشكل تهديدات جدية للدول الفقيرة وتجلب مخــــاطر كبيرة مثل نقص الطعام وإنعدام الأمن والأمراض. ولا بد من أن أن تكون هذه التغيرات في المناخ دافعـــــــاً لإدارة البيئة والأرض وإدامة الإنتاج لمواجهة التهديدات التي تواجه الشعوب.
مراحل النمو
ويؤدي النقص في المياه المتوفرة الى العجز في الواقع الزراعي الذي يتمثل بانخفاض وفرة الرطوبة في الترب خلال مراحل النمو المختلفة والتي تتسبب في ضعف انتاجية المحاصيل الزراعية. وتبدأ نتــائج الجفاف الهيدرلوجي بخفض مصادر المياه السطحية والجوفية نتيجة لحدوث نقص في الأمطار في الظروف الإعتيادية.
وفيما يخص اقليم كوردستان العراق فإن أحداث الجفاف خلال الخمس سنوات الماضية (2020-2025) كــانت هي الأسوأ في فی تاریخ االمنطقة حيث واجهت الاقليم ثلاث سنوات جفاف خلال تلك الفترة ولم يحصل سوى على نسبة 20 بالمئة من مياه الأمطار وكذلك الحال بالنسبة الى انهار (سيروان والزابين) التي إنخفضت نسبة الميــاه فيهم الى أقل من نسبة 30 بالمئة وقد ادّى هذا النقص في الميـــاه الى خفض نسبة الإنتـــــاج الزراعي وخاصة القمح والشعير والرز. كما وأثرت قلة الأمطار والثلوج بالإضافة الى السياسات المائية العدائية للدول الجوار (ايران وتركيا) تجاه العراق والاقليم في السنوات الأخيرة الى إنخفـــاض كمية المياه في الأنهار وتدهور نوعيتها مما أدى الى حدوث نتائج كارثية على صعيد الإنتاج الزراعي والحيواني والحالة المعيشية.والتغيرات المناخية في إقليم كردستان أصبحت أكثر وضوحا سواء من حيث انخفاض معدلات هطول الأمطار وازدياد أزمة المياه أو ارتفاع درجات الحرارة صيفاً وزيادة أيام الغبار او نتيجة تأثر النظام البيئي وجفاف الأرض وأثره على انتاجها، وجميعها تعتبر عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية كبيرة. وقد أدى إقامة تركيا وإيران لإنشاء المئات من السدود والخزانات الكبيرة والصغيرة ومشاريع الري على الأنهار الدولية (دجلة، الفرات، الزاب الأعلى، الزاب الأسفل، سيروان/ديالى، الوند، قورتو، هواسان.. وغيرها) إلى قطع وتقليل تدفق المياه بحيث أصبح خطر الجفاف واضحاً في مناطق كثيرة من إقليم كردستان وزاد من أثر ذلك انخفاض معدلات الهطول. كما ونجد أن كل من سدي دربنديخان ودوكان قد شهدا في عام 2021 انخفاضاً حاداً في الإيرادات المائية القادمة من إيران وانخفضت معدلات تدفق المياه إليهما إلى أدنى مستوياتها، وخلال هذه السنة انخفض مستوى المياه في سد دوكان الى أدنى مستواياته خلال الستون سنة الماضية واصبح المخزون المائي فيه اقل من 23 بالمئة. لذا لا يمكن إلقاء اللوم فقط على التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة التي تسببت في انخفاض الواردات المائية والجفاف، بل أن السياسات المعادية للدول الجوار هي الأكثر تأثيراً على الواقع المائي في العراق والاقليم على حد سواء.
اضافة الى ذلك فإن توفر المياه في الإقليم يتأثر بشدة بتغير الأنماط المناخية وتزايد وتيرة الأحوال الجوية القاسية، وما تسببه من تغييرات في كميات الأمطار والثلوج الساقطة وارتفاع بدرجات الحرارة ، بما يجعل من الوارد المائي عرضة للخطر الشديد.
سدود استراتيجية
وبالرغم من أن كميات الثلوج والأمطار شهدت تناقصا سنوياً خلال العقدين الماضيين، إلا أنه بسبب عدم وجود ما يكفي من السدود الاستراتيجية لم يتم الاستفادة من كمية ما يسقط من الأمطار والثلوج وخاصة في السنوات الممطرة، لذا فإن أكثر من 85بالمئة من مياه الأنهار وموارد المياه التي تتدفق عبر كردستان و بقية الأراضي العراقية تذهب هدراً وتصب في الخليج العربي.
خلال الاعوام القليلة الماضية تم إنشاء عدداً من السدود من قبل وزارة الزراعة والموارد المائية في مناطق مختلفة من الإقليم من اجل استغلال فرص الهطول، و بأحجام خزن صغيرة ومتوسطة إلا أنها لم تقلل من أثر أزمة المياه في تلك المناطق بالرغم من أن الهدف من إنشاء هذه السدود هي زيادة كميات المياه السطحية و توفير المياه الصالحة للشرب وزيادة فرص الحفاظ على مستويات المياه الجوفية وإثراء الموارد السمكية وتطوير السياحة وتنمية الزراعة والثروة الحيوانية بالإضافة الى مساهمتها في مواجهة التغيرات المناخي وزيادة المساحات الخضراء.للأسف فإن حكومة الاقليم ومنذ عام 1992 قد اعتمدت وبشكل كبير جداً على المياه الجوفية ومهملة بذلك المشاريع الاستراتيجية لاستغلال لمياه السطحية. حيث أن نسبة أكثر من 95 بالمئة من مياه الشرب والزراعة والصناعة في الاقليم.
جامعة كرميان
تعتمد على الآبار التي تسببت في انخفاظ بل ونضوب المياه الجوفية في العديد من مناطق الاقليم.
حيث تسبب الاستغلال المفرط للمياه الجوفية بمعدلات عالية لمختلف الاستخدامات إلى انخفاض مستوياتها بدرجة كبيرة تنذر بالخطر. يترتب عن إستخدام المياه الجوفية المفرط أثار كبيرة خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، حيث تبدأ أزمة المياه لغرض الاستهلاك المنزلي، يضطر معها المواطن الى زيادة الاعتماد على مياه الآبار، وهذا يسبب ضغطا هائلا على خزين المياه الجوفية، ويزيد من معدلات الجفاف. وخاصة في مدينة اربيل التي تعاني من أزمة حادة في تجهيز الكميات المطلوبة للمياه خلال أشهر الصيف.
لمحدودية طاقة مشاريع إنتاج المياه التي تعتمد على مياه نهر الزاب الكبير الذي فقد مناسيبه المائية بسبب السياسات المائية لدولتي المنبع، تركيا وإيران ، ما يدفع إلى الاعتماد على المياه الجوفية بنسبة أكثر من ٩٠% في تأمين احتیاجاتها المائیة. في مدينة اربيل وضواحيها لوحظ أن أعماق المیاه في الآبار التي تحفر قد تصل اعماقها الى أكثر من ٥٠٠م وبعضها بالرغم من ذلك تجف تماماً. وفي بعض ضواحي أربيل يصل حفر الآبار الى عمق ٧٠٠م في أعماق الأرض لضمان الحصول على المياه الجوفية.
وقد أدى التغيرات المناخيە واعتماد المزارعون على المياه الجوفية لري محاصیلهم الزراعیة، حيث تزداد عمليات حفر الآبار سنوياً وبدون تراخيص مما أثر وبشكل كبير في انخفاض منسوب المياه الجوفية. وبالرغم من ان انخفاض منسوب المياه الجوفية يختلف من منطقة إلى أخرى، إلا أن العامل الرئيسي في هذه الأزمة يعود إلى التغير المناخي وما تبعه من قلة تساقط الأمطار والثلوج، حيث لم يتلق إقليم كردستان ما يكفي من الأمطار لسنوات عديدة. كما أن انخفاض تساقط الثلوج في فصل الشتاء كان له تأثير كبير على استنزاف الموارد المائية. وبحسب بيانات مديرية الموارد المائية في إقليم كردستان لعام ٢٠١٦، فإن یوجد أکثر من اربعون ألف بئر للمياه الجوفية في الإقليم، وأن أقل من ٤٠% منها مرخصة من قبل الدوائر الحكومية المعنية. ووفق هذه البيانات فإن عدد الآبار غير المرخصة في محافظة السليمانية يبلغ أكثر من ١٧ ألف بئر، وفي محافظة اربيل أكثر من ٣٠٠٠ بئر، وفي محافظة دهوك أكثر من ٢٠٠ بئر. إلا أننا نتوقع أن تكون عدد الآبار غير المرخصة هي أكثر بكثير من تلك البيانات ناهيك عن وجود اكثر من ٥٥٠٠ بئر مرخص خاص بمياه الشرب فی الأحیاء السکنیة.
أدت التغيرات المناخية في الاقليم الى ارتفاع في درجات الحرارة و إلى انخفاض كبير في كميات الأمطار والثلوج الساقطة مع تغييرات واضحة في فترات وشدة وكميات توزيعها على امتداد الموسم المطري في العقدين السابقين، وتسبب ذلك في انخفاض كميات و جودة المياه المتاحة والى جفاف الينابيع الموجودة في احواض بعض الروافد، والإضرار بالإنتاج الزراعي وتقليل مساحاته، بالإضافة الى الاضرار بالثروة السمكية في مجري هذه الأنهار والروافد. وسيزداد الوضع سوءًا في المستقبل إذا استمرت تركيا وإيران في قطعها لمياه الأنهار والروافد وإنشاء عدد أخر من السدود عليها. تعاني حاليا جميع مناطق کردستان من مشاكل نقص المياه لأغراض مختلفة، غير أن بعض المناطق تتأثر أكثر من غيرها بهذه الأزمة، وخاصة منطقتي كرميان وجمجمال في محافظة السليمانية ومعظم أحياء أربيل وقسم من مناطق محافظة دهوك، اضافة الى المناطق الديمية والمناطق التي نضبت او شحت فيها المياه الجوفية. ويساهم النمو السكاني واتساع احتياجات الناس وطلباتهم من المياه لمختلف الأغراض، كما أن المدن السكنية الجديدة من عمارات وفلل أثرت في شحة المياه باستحواذها على قسم كبير من المياه. هناك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الاقليم تتعرض للجفاف والاندثار بسبب نقص تجهيز المياه، ولا توجد هناك خطط لمعالجتها وتحتاج إلى دراسات علمية دقيقة ووفرة أموال من أجل انقاذها من الاندثار. ويتأثر القطاع الزراعي في كوردستان العراق تأثراً شديداً بالتغيرات المناخية مما يشكل نقاط ضعف كبيرة تهدد الأمن الغذائي. تعتمد أكثر الأراضي الزراعية في الاقليم على الزراعة الديمية مما يجعلها معرضة بشدة لآثار التغيرات المناخية بما فيه ارتفاع درجات الحرارة والتناقص في كميات الهطول ونمط توزيعها وشدة غزارتها مما يترك آثاراً مباشرة على استدامة الزراعة و ينعكس ذلك سلباً على سبل عيش السكان الذين يعتمدون على هذا القطاع.
ومن أجل درء خطر التغيـــرات المناخية والحد من خطورتها وآثارها السلبية على المنطقة بصورة خاصة لابد من القيام بسلسلة من الإجراءات الأساسية وأهمها:
التعامل مع الجفاف بخطة عمل طويلة الأمد بدلاً من التعامل معها كحالة طارئة.
انشاء مشاريع ستراتيجية لاستغلال المياه السطحية والتقليل من استخراج المياه الجوفية.
استغلال المياه الجوفية حصراً في المناطق التي تفتقر الى المصادر السطحية والعمل على استخراجها واستغلالها بشكل علمي بما يضمن ادامتها وخاصة في المجال الزراعي وذلك من خلال تطبيق طرق الري الحديثة كالري بالرش والتنقيط بغية التقليل من الهدر المائي.
استغلال المياه العادمة (المياه الثقيلة) من خلال تصفيتها ومعالجتها بالطرق العلمية الحديثة واستخدامها في مجالات الصناعة وري المساحات الخضراء.
إنشاء السدود والخزانات الاستراتيجية وخاصة على الانهار الموسمية لغرض التقليل من آثار الجفاف والحفاظ على مستويات المياه الجوفية.
وعلى الصعيد الدولي فيما يخص الانهار الدولية فلابد من ابرام اتفاقيات دولية بشأن الحصص المائية العراقية التي تعتبر حقوق تاريخية، وكذلك لابد من اشراك أطراف دولية تشرف على تلك الاتفاقيات.
* هي الدرجة التي اعتمدت في اتفاقية باريس كخط احمر من اجل عدم تجاوزها حتى نهاية القرن الحالي ٢١٠٠.