الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دولة داخل الدولة

بواسطة azzaman

دولة داخل الدولة

أحمد فاتح محمد

 

في عام 2016، صادق مجلس النواب العراقي على القانون رقم (40) الخاص بهيئة الحشد الشعبي. واليوم، وفي سياق ما يُوصف بالإصلاحات التي تتبناها حكومة السوداني، يعود النقاش مجدداً حول هذا القانون، وسط مساعٍ لتعديله بما يُمكّن الحشد فعلياً من التحوّل إلى كيان متكامل ضمن المنظومة الدفاعية والعسكرية للدولة، مع تمتّعه بصلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة النطاق حيث يُتيح التعديل المرتقب للحشد الشعبي تأسيس أكاديمية عسكرية خاصة به، تمنحه حق منح شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية، فضلًا عن منحه صلاحيات شاملة في تنفيذ العمليات العسكرية وجمع المعلومات الاستخبارية، إلى جانب تقديم المشورة الأمنية للحكومة دولة داخل الدولة.

دولة داخل دولة

 تُمهّد الصيغة المقترحة من قانون الحشد الشعبي الطريق أمام منحه شرعية مؤسساتية دستورية أوسع، ليغدو عملياً نظيراً لوزارتي الدفاع والداخلية. وهذا الشكل من البُنى العسكرية لا وجود له في أي دولة في العالم، باستثناء العراق وإيران. ومعناه الصريح: تجسيد نموذج «دولة عميقة» في العراق، حيث تُمسك المؤسسة المذكورة بتلابيب الدولة.

إن تمرير هذا التعديل في هذه اللحظة المفصلية سيُرسّخ أقدام الحشد في عمق هيكل الدولة، إلى درجة تجعل من المستحيل على أي حكومة عراقية مقبلة أن تجرؤ على تفكيكه، أو حتى محاولة إذابة وجوده ودمجه داخل المؤسسة العسكرية الرسمية، سواء في صفوف الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية

 صراع السلطة والنفوذ المحتدم

لم يعد الحشد الشعبي اليوم مجرّد قوة عسكرية جاهزة للقتال، بل تحوّل إلى كيان نافذ داخل البنية السياسية والقانونية للدولة. نشهد حضوره الفاعل في الانتخابات النيابية وانتخابات مجالس المحافظات، بل وحتى في النقابات والاتحادات، حيث بات يمتلك تشكيلات وتنظيمات تابعة له. وهذا ما زاد من قوّته، وجعل منه مؤسسة قادرة على انتاج كتلًا برلمانية تُشكّل غطاءً قانونياً لنفوذه العسكري.

ولا شك أن لذلك انعكاسات سلبية وخطيرة على المسار السياسي والتشريعي في البلاد. فحين تتحوّل قوة عسكرية إلى قوة ممثلة سياسيا تحت قبة البرلمان، فإن عملية تشكيل الحكومة، والتصويت على القوانين، بل وحتى أداء الحكومات المحلية، ستدخل في دائرة من التعقيد والاختناق، حيث تُهيمن الحسابات الأمنية والعسكرية على الفضاء السياسي المدني.

تآكل الثقة بين المكوّنات

 في الوقت الذي يرى فيه الشيعة الحشد الشعبي قوةً حامية ”تحمي الحاكمية الشيعية كما بدأ يصفها البعض” وينظرون إليه ككيان عقائدي يمثلهم، لا كجزء من الدولة، بل كامتداد للحسينية لا لمساجد غيرهم ولا لكنائس شركائهم، يقف السنّة والكرد من الجهة المقابلة، وهم يغلب على نظرتهم الشكّ والتوجّس — خاصة في ظل ما شهده عدد من المناطق من خروقات أمنية وتغييرات ديموغرافية واضحة.

 هذا التفاوت في الرؤية يُعمّق الانقسام المجتمعي في البلاد ويُضعف من أسس السلم الاجتماعي والأمن الوطني. وتزداد هذه المخاوف حدة مع استمرار وجود مقارّ الحشد داخل المدن، وتواصل بعض وحداته بالتأثير الملموس على الحياة المدنية والاقتصادية في عدد من المناطق.

إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية

 الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة يتمثل في بناء جيش عراقي وطني، موحد واحترافي، بعيد عن الولاءات الطائفية والانتماءات القومية أو «هذا ما كان تكرره وتدعي فيه الإدارات الاميركية المتعاقبة». غير أن وجود الحشد الشعبي كقوة موازية للجيش النظامي يُفرغ جهود الإصلاح وإعادة البناء من مضمونها، ويُعقّد عملية توحيد القيادة، والتدريب، والعقيدة العسكرية هذا الواقع يُنتج ازدواجية مقلقة، لا مثيل لها في أي منظومة عسكرية محترفة.

فالمفترض أن تصدر الأوامر من قيادة موحّدة، لا أن تتوزع بين تشكيلات منفصلة، لكلٍّ منها قائده وولاؤه. إن تعدد مراكز القرار داخل المؤسسة العسكرية لا يُنتج سوى الكارثة، ويُهدد بانهيار الهيكل الأمني للدولة من داخله.

كذلك، فإن تسييس المؤسسات الدفاعية يُعد من أخطر التهديدات التي قد تواجه أي منظومة عسكرية رسمية في الدولة. ومن هنا، ينبغي أن يُبنى النظام العسكري على أساس الولاء للوطن وحده، لا لشخص، ولا لفصيل، ولا لطائفة أو مذهب.

الولايات المتحدة تراقب هذا القانون عن كثب، وقد وجّه مسؤولون سياسيون وعسكريون أمريكيون تحذيرات مباشرة إلى الحكومة العراقية، مفادها أن واشنطن لن تقبل بوجود جيشين داخل دولة واحدة. لذا، فإن إقرار التعديلات المقترحة قد يفتح الباب أمام ردّ أمريكي شديد، إذ لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة «وفقاً لخطابها» بقيام دولة داخل الدولة.

 

 


مشاهدات 119
الكاتب أحمد فاتح محمد
أضيف 2025/07/28 - 3:56 PM
آخر تحديث 2025/07/29 - 3:51 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 525 الشهر 19741 الكلي 11173353
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير