الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رحلة الى إيران

بواسطة azzaman

رحلة الى إيران

قصر شمس العمارة.. الزينة لا تخفي ملامح الإستبداد

بغداد - حمدي العطار

في كتب التاريخ كما في جدران القصور، تختلط الحقيقة بالبريق، ويتوارى الاستبداد خلف الزخرفة والزينة. فحين نقف أمام صرح معماري مهيب كقصر شمس العمارة في طهران، قد يدهشنا جمال التصميم وروعة التفاصيل، لكن خلف هذه الفتنة البصرية تقف حكاية حاكم مستبد، ترك في ذاكرة الإيرانيين أكثر من مجرد مبنى. فهل يمكن فصل المعمار عن صاحبه؟ وهل نسمح للتاريخ أن يختزل في زخرفة، متناسين من صنع القرار ومن فرض الألم؟

تفاصيل الرحلة

زيارة قصر شمس العمارة تمنح الزائر انطباعا بالجمال والرقي، وتوحي بأن من أمر ببنائه كان إنسانا ذا ذوق رفيع وشفافية روحية. إلا أن الحقائق لا تقرأ من الزخرفة وحدها. فالمعيار الحقيقي للحكم لا يقاس بجمال القصور، بل بعدالة الحاكم، وطبيعة قراراته، وأثره في مصير الشعوب. ولهذا لا ينبغي أن ينظر إلى هذه المباني كأملاك شخصية للملوك، بل هي جزء من تاريخ الشعوب وذاكرتها، وملك للشعب الذي مول بناءها من قوته وجهده. لذا، فإن الحفاظ عليها واجب، لا لأنها تجسد عظمة الملوك، بل لأنها توثق جوانب من تاريخهم، بما له وما عليه.

ومن بين هؤلاء الحكام، يبرز ناصر الدين شاه القاجاري، الذي حكم إيران قرابة نصف قرن، في واحدة من أكثر الفترات استبدادا وظلمة في تاريخ البلاد. فقد منح نفسه صلاحيات مطلقة، من دون رقيب أو مشورة، ومنها إقدامه في عام 1890 على منح امتياز احتكار بيع وشراء التبغ لشركة بريطانية، متجاهلا أصوات الشعب ومعارضة العلماء والتجار.

وكان لهذا القرار وقع بالغ، إذ سيطرت بريطانيا بموجبه على خمس الاقتصاد الإيراني، ما دفع المرجع الأعلى للشيعة، السيد محمد حسن الشيرازي، المقيم في العراق، إلى إصدار فتواه التاريخية بتحريم التبغ بكل صوره. وقد التزم الإيرانيون بفتواه، حتى نساء القصر، مما أجبر الشاه على التراجع وإلغاء الاتفاقية عام 1892، بل وطلب حضور العلماء إلى طهران متعهدا بمشاورتهم مستقبلاً.

لكن ذلك لم يمنع تصاعد المطالبات بإصلاحات دستورية، فقد توحد المثقفون، ورجال الدين، والتجار، على الدعوة إلى حكومة دستورية تحدّ من صلاحيات الشاه. وفي هذا السياق، نشط المفكر جمال الدين الأفغاني في تحريك الرأي العام، إلى أن قتل ناصر الدين شاه عام 1896 على يد أحد تلامذة الأفغاني.

وخلفه ابنه مظفر الدين شاه (1896-1907)، الذي بدا أكثر تفهما للدروس، فوافق على الدستور وأجرى بعض الإصلاحات السياسية.

هذه الحقائق، للأسف، لا تظهر في الشرح السياحي المعتاد الذي يقدم لزوار قصر شمس العمارة. فالمرشدون السياحيون يركزون على البهرجة العمرانية فقط، فيتحدثون عن الأمر الملكي ببناء البرج كأول مبنى شاهق في مجمع كلستان، وعن إعجاب ناصر الدين شاه بالعمارة الأوروبية، مما دفعه لتشييد صرح من خمسة طوابق يمزج بين الطراز الإيراني والفرنجي.

ويشار إلى أن الواجهة زينت بالبلاط والزجاج والديكورات اللامعة، وأنه الملك الوحيد الذي دون مذكراته. إلا أن هذا السرد – رغم أهميته المعمارية – يقصي الوجه الآخر للحقيقة، ويجعل من السياحة واجهة لتجميل الاستبداد، وتغليب المنجزات على العيوب، وكأن الفن يبرئ الفساد!

وقد أحسست، وأنا أتجول بين اللوحات والديكورات المدهشة، بعظمة القصر المعمارية، لكنني أيضا لم أنس كم كان مؤلمه أن يكون خلف هذه الجدران البديعة حاكم غارق في الظلم والأنانية. فرغم الجمال، يظل ناصر الدين شاه مثالا لحاكم ظالم نال مصيرا يليق بما زرع.

الخاتمة

إن قراءة التاريخ لا تكتمل ما لم ننظر إلى الوجهين: بريق العمران وظلال الطغيان. فقصر شمس العمارة ليس مجرد صرح معماري، بل مرآة لزمن كانت فيه الزينة تغطي على الزيف. والحفاظ على القصور واجب، ليس لتخليد الملوك، بل لتذكير الأجيال بما فعله الحكام تحت بريق القصور. فالتاريخ العادل لا يكتب في الرخام وحده، بل في ضمير الشعوب أيضا.


مشاهدات 32
أضيف 2025/07/14 - 2:53 PM
آخر تحديث 2025/07/15 - 12:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 28 الشهر 9030 الكلي 11162642
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير