الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل الغرب مهتمٌّ حقًا بخير المسيحيين ومصيرهم ؟

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

هل الغرب مهتمٌّ حقًا بخير المسيحيين ومصيرهم ؟

لويس إقليمس

 

أقولُها وبملء الفم، نعم! ولكن من وجهة نظر دعائية معاكسة مقلوبة في المفهوم والنظرة والهدف! فالغرب المسيحي شكلاً واسمًا، والعلماني الملحدُ واللاّديني واللاّأدري روحًا وواقعًا، ليس وحده شديد الاهتمام بمصير المسيحيين تحت عباءة حماية الأقليات ومتطلباتها، ومنهم هذا المكوّن الأصيل الذي يصفهُ الكثيرون بملح الأرض مكرًا ونفاقًا ومجاملةً. فواقعًا، معظم الحكومات الغربية، أمريكية كانت أم أوربية، وأغلب الأحزاب التي تدير هذه الحكومات الانتهازية مباشرةً أو من وراء الستار ضمن استراتيجيات ومخططات موزونة على نارٍ هادئة، تجد في برامجها المبطنة حثَّ ما أمكنها لتشجيع «هجرة» بل و»تهجير» أتباع الأقليات الدينية والعرقية، وأخصّ ذكرًا المسيحيّين منهم، بشتى الوسائل والأعذار. وكلّ هذا يحصل من أجل تحقيق غايات سياسية ومصالح قومية ومجتمعية ضمن صفقات وتفاهمات دولية، وليس حفاظًا على أرواح أتباع هذه المكوّنات الهشّة والحرص على مستقبل اطفالهم وهوياتهم المتميّزة الخاصّة. فالقادم المجهول الذي تضمره معظم المجتمعات الغربية تجاه هذه المكوّنات التي أحالها الزمن الغادر إلى مجتمعات «أقليات» ليس من ضمن أولوياتهم مهما صرّحوا وصرخوا واستنكروا. فما في بواطن أفكارهم ومخططاتهم الاستعمارية التقليدية ما يدفعهم في الأغلب الأعمّ لاتقاء غضب الهيئات والمنظمات والمؤسسات المدنية والدينية وتوجيه أشكال الإدانات المختلفة الموجهة ضدّ مصير ومستقبل هذه المجتمعات لخدمة مصالحهم القومية المهدّدة بالتضاؤل الاقتصادي، ومن أجل إنقاذ تشكيلات وبرامج أحزابهم المنتشية بأصوات هذه الشرائح الجديدة التي تدخل مجتمعاتهم المتهالكة. وممّا لا شكَّ فيه، أنّه من ضمن مقاصد دول الغرب، العملُ الحثيث الجادّ لانتعاش ماكنة المصانع فيها وفي معاملها المهدّدة بانحسار الأيدي العاملة الأصيلة نتيجة التناقص في إنجاب الأسر الغربية المتراجع مع مرور السنين. فالخشية من قلّة نفوس مواطنيهم قد دقّت جرس الإنذار منذ عقود من دون أن يجدوا لها حلولاً سوى باستقدام العمالة الأجنبية بتشجيع الهجرة العشوائية لسدّ الثغرات والشواغر المهدِّدة لاقتصادياتهم المتهالكة في بعضها والمعرّضة للإفلاس في غيرها. بل إنهم تجاهلوا ما تشكلُه ظاهرة الهجرة غير المقنّنة في بعض حالاتها باختلاط الغثّ بالسمين في قبول لاجئين أو قادمين جدد، غير عابئين بما تشكله مثل هذه التسهيلات والاستقدامات دون تمحيص وتدقيق في الخلفيات الدينية والاجتماعية والفكرية التي تحملها جماعاتٌ دخيلة معروفة براديكاليتها الدينية والعرقية ممّن وجدت الفرصة مؤاتية لاختراق جدران هذا الغرب «الكافر» المنفتح لحدّ الانفلات بحسب نظرة بعض هؤلاء القادمين الجدد الفارّين معظمُهم من بلدانهم الأصلية بسبب المضايقات في الحريات العامة ومنها حرية الدّين والتعبير والرأي. وهذه حقيقة ماثلة لا تحتاج تأكيدًا.

لقد وردت مثلاً دعوات تشجيعية ضمن هذا الإطار على لسان حكّام بعض البلدان الغربية التي تسعى جاهدة بشتى الوسائل والسبل لاقتناص الكفاءات وأصحاب المهن والمهارات بغية تدوير المالكنة الاقتصادية والتقنية والرقمية لبلدانهم. وطالما أنّ المغريات كبيرة فيها، فهذا ما يسهّلُ ليسَ فقط سيلَ لعاب الفقراء وفاقدي الرزق ممّن لا وظيفة أو عمل لهم في بلدانهم الأصلية. بل يشجّعُ أيضًا أصحابَ النفوس الضعيفة والمريضة وصاحبة الغرض التدميريّ المضمَر وكذلك تلك المضطهدَة في بلدانها لأيّ سبب كان، في السعي للبحث عن حياة أفضل وأجمل وأرقى من حيث ما تقدمُه هذه البلدان الغربية من تحفيزات مادية وحياة الرفاهة والعيش الرغيد، ولاسيّما من ناحية الاستقرار المعيشي التي تتكفل بها عادةً. ولو كان الغربُ الماكر مهتمًّا حقًا بمشاكل المسيحيين في بلدنا ومنطقتنا والعالم بسبب ما تعرّضوا ومازالوا يتعرّضون له من مكائد واعتداءات صارخة وجولات متتالية من الاضطهادات والهجمات الدموية بين فترة وأخرى بدعمٍ من أطرافٍ دولية وإقليمية ومحلية يحرصُ هو وغيرُه بكلّ الوسائل للتواصل معها ومجاملتها ومجاراتها في أعمال الترهيب والقتل والتهجير الممنهج الذي تتبعُه أدواتُها في شتى أساليبها ووسائلها الهمجية، لكان قالَ كلمتَه الفصل في صالحهم وضمَنَ لهم ولنظرائهم من باقي الأقليات المضطهدة القسطَ الأيسر من الحقوق الوطنية في المواطنة والعدالة والمساواة في تولّي مناصب ووظائف عامة في دولهم الأصلية مثل ما هو قائم لغيرهم من دون تمييز ولا استبعاد، ومن الاستقرار المطلوب في مناطق تواجدهم ومن السلام والأمان المفقود في تنقلاتهم وممتلكاتهم ومشاريعهم المهدّدة على مرّ الأزمان والعصور. 

واقع الهجرة والاغتراب

مهما قيل ويُقالُ بهذا الخصوص، فأنا لستُ ضدّ الهجرة الاضطرارية لشرائح متهالكة معيشيًا والمهمّشة والمهدّدة في حياتها ومعيشتها وأرزاقها وكرامتها وشرفها ودينها ومستقبل أطفالها حينما تُغلق بوجههم كلّ اشكال العيش الحرّ المحترم كما تقرُّه شرعة حقوق الإنسان وتفرضُهُ الدوافع الإنسانية والوطنية. فحينما يفقد الوطن واحدًا من أهمّ أسباب المواطنة والعدالة التي لا تقلُّ قيمةً في السمة الإنسانية، تبقى الخيارات في أدنى معاييرها، ليهربَ المواطن مع مشاكله قاصدًا بيئةً أو وطنًا آخر بديلاً يحمي عرضَه ويفي متطلباته اليومية الإنسانية والخدمية والمعيشية في أرقى درجاتها، وليس القعود أمام الدار أذلاّء وبؤساء بلا مأوى ولا معيشة ولا ماء ولا كهرباء ولا خدمات، أو افتراش الشوارع والساحات وأروقة العمارات والمؤسسات استجداءً وبحثًا عن فتاتٍ من جيوب الأشقياء والفاسدين وطاعةً للمتزلّفين بالدين ودعاة الطائفة وروّاد المذهب. وهنا الطامة الكبرى حين يتدخل صاحب العمامة والقلنسوة والطاقية والقبّعة وما على أشكالها في موضوع الهجرة، فيُفتي بما يضمن إدامة مكاسبه ومنافعه ومصالحه بالتشارك مع سيدّ حزبه وزعيم طائفته وأذيالهم ممّن يجيدون ترويض الأتباع لصالحهم بضرورة البقاء في أرضٍ بلا وطن ولا رزق ولا كرامة عند أدائهم السافر لدور وعاظ السلاطين في خطاباتهم ونشرياتهم ولقاءاتهم. وهذه من أبشع صورالعصر، لاسيّما حينما يختلط الإيمان بالتديّن الزائف الذي يجيدهُ بنو عصرنا من رجال الدين ويتفنّنُ به دعاة المذهب والطائفة  الذين يفصحون في العلن بما لا يضمرون في السرّ والظلمات. فحينما يكثر التديّن وتمتلئُ المعابد ودور العبادة لأجل التمظهر بالإيمان أمام كامرات القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، حينذاك يظهر الدليل على فساد العقل النتن وهشاشة الإيمان السطحي معًا، بعيدًا عن الجوهر، وكأنّ الدّين أصبح لا يحتلّ سوى الشكليات والمظاهر الخدّاعة من الطقوس الخالية من أية مسحة إيمانية حقيقية من تلك التي كثرت وتكاثرت بالقرب منّا وفي أوساطنا العراقية خاصةً. وهي ما تزال كذلك لاسيّما في المواسم الطائفية والدينية التي كادت تحتلّ سوحًا ومساحات شاسعات، فيما كانت بالأمس القريب من ضمن المحظورات والمستهجنات وغير الحضاريات! 

واليوم، بعد كلّ هذه الخروقات الإنسانية والأخلاقية والجرائم التاريخية وأشكال الفساد القديمة والحديثة في إدارة الدولة بطريقة مدانة وغير مقبولة، ماذا يمكن القول في مصير النازحين والمهجرين واللاجئين داخليًا وخارجيًا. هل نترقّبُ هجرةً معاكسة لبعض الراحلين عن ديارهم والتائهين في متاهات الشتات بلا هدف ولا مستقبل؟ أم نغلق ابواب العودة الاختيارية بعد تثبيت اقدام هؤلاء في أصقاع الأرض وما وراء محيطاتها سعيًا وراء حياةٍ أفضلَ لهم ولأبنائهم من بعدهم، وتأمينًا لمستقبل أكثر انفتاحًا وازدهارًا وأمانًا وضمانةً، فيما الأوضاع في «عراقهم الجريح» لا يبدو عليها ما يشيرُ قريبًا إلى لمساتِ تغيير مرتقب في الإدرة والحكم والمنظومة السياسية القائمة بسبب تداخلات وتدخلات مصالح الأطراف الدولية المتزلّفة والمنافقة لحدّ العظم؟ فالجهات الدولية التي أتت بالشلّة الحاكمة على ظهور دباباتها في 2003، وماتزال تسندها وتدعمها بالرغم من علمها ووقوفها على حقيقة ضراوة فساد حكمها وحكّامها وتناغم الأحزاب والزعامات فيها والتي تدير البلاد والعباد من دون رحمة ولا ضمير ولا أخلاق، تبقى هي المتحكمة في الشأن العراقي بالتفاهم والتناغم مع زعامات المنطقة ومصالحهم المشتركة بالتناوب والتبادل. وكما يبدو، فلا نية لديها للتراجع عن مواقفها السلبية وحكمها الفاسد بالرغم ممّا حصلَ ويحصل في البلاد والمنطقة.

 

شيمتهم الغدر

أخيرًا نقولها بفمٍ مفتوح، إنه بالرغم من معرفة رعاة المنظومة السياسية القائمة المتمثلة بالإدارة الأمريكية المتواطئة مع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ غزو البلاد في 2003 وبالتفاهم مع الغرب الأوربي الماكر والمنافق، ووقوفهم جميعًا على صلافة وفساد المنظومة السياسية الحاكمة التي تدير البلاد بالمحاصصة وتهين العباد في الكرامة والحقوق والحريات العامة ومَن يقف وراءَها من دول الجوار والمنطقة، إلاّ أنهم جميعًا لا يبدو عليهم الشفقة على أحوال الشعب العراقي المسكين والمجتمعات البائسة والمكافحة فيه من أجل الكرامة وحقوق المواطنة المفقودة.

 وما أكثرهم! فما هو معروفٌ عن الإدارة الأمريكية في سياستها القومية العامة ومهما تغيّر الحزب الحاكم ورموزه الإدارية والحزبية، إلاّ أنَّ «شيمتَها الغدر» مثل سائر دول الغرب المنافق في انتقاء قراراتها لصالح أمنها القومي ضمن أولوياتها. لذا ليس من اهتمامها البتّة ولا من ضمن أولوياتها  القلق على فراغ الشرق الأوسط من مسيحيّيه الأصلاء. فهي في حقيقة أفعالها وسلوكياتها قد سبق أن ضحّت بهوياتهم وتاجرت بمصيرهم ومستقبلهم عندما تركت مهدَ المسيحية وتاريخها وتراثها تحترق على أيدي مَن استقدمتهم واستغلّتهم ووجّهتهم لإدارة دول وأشباه دول في المنطقة. فقد اعتادت خلق الفوضى في مناطق من العالم تسعى من خلالها لزعزعة أنظمة شبه مستقرة كانت تحظى المجتمعات فيها بشيءٍ من الهدوء والاستقرار. فيما الهدف الأسمى لديها هو تغيير تلك الأنظمة وفتح أبواب المتاعب والمشاغبات بين شرائح المجتمعات عمومًا لغاية اضطرارها لطلب الحماية والتدخل الخارجي تحقيقًا لمصالح مضمرة. وتلكم جزءٌ من غطرسة إدارة القطب الواحد وأهدافها الإمبريالية في الحفاظ على شكل هذه المصالح. فالإدارة الترامبية لا تختلف هذه الأيام كما حليفاتُها الغربية التقليدية في شكل مثل هذه التوجهات والسلوكيات، إنْ سابقًا أو الآن.

لذاعمومًا، فلا أمريكا ولا أوربا ولا غيرُهم يكيلون الرحمة والخير والمصلحة للشعب الرافدينيّ، ولا لديهم نية الارتقاء ورحمة الشفاء لبلدٍ جريحٍ يُسمّى العراق ولعموم أهله. فكيف بهم يضحّون بمصالحهم لصالح حفنات باقياتٍ من اتباع «سيّد ديانة» هزّ العالم وفضح الرئاسات والزعامات الدينية والمدنية، وهو لا يتورّع اليوم عن توبيخهم المستمرّ بسبب قساوة قلوبهم ووساخة ضمائرهم وقباحة أفعالهم وشناعة تحالفاتهم الشبوهة وأعمالهم الإرهابية المدانة منذ أكثر من ألفي سنة ولغاية الساعة. حتى المرجعية الدينية الشيعية المعتمدة التي بحّ صوتُها منذ زمن في التنبيه لمستقبل غامضٍ للبلاد والعباد بسبب فساد الطبقة الحاكمة وإدراكها الواضح لدورها السالب وتحذيرها المتواتر من مغبة الاستمرار في ذات المنهج الطائفي والمحاصصي المقيت والخروج عن وحدة الكلمة الوطنية، لم يعد لديها ذلك الصوت الواثق الهادر والمؤثر، وكأنّ الجميع متفقٌ على نهش ما تبقى من لحم العراق والعراقيين. وهذا واضح في أوضاعه الاقتصادية والمالية الراهنة حيث النقص الحادّ والمرعب في السيولة النقدية وفي تأمين المرتبات وميزانيات المشاريع الخدمية من تلك التي يعاني منها الوطن منذ السقوط الغادر والغزو الأهوج. ألّلهم ساعة الفرج، عساها قريبة!!!


مشاهدات 41
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/07/12 - 2:55 PM
آخر تحديث 2025/07/13 - 8:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 255 الشهر 7804 الكلي 11161416
الوقت الآن
الأحد 2025/7/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير