بلاد الرافدين لرشيد خيون
ثوابت الجغرافيا وصور التعايش .. عرض موجز
حاكم محسن محمد الربيعي
كتاب الدكتور رشيد الخيون بطبعته الثانية عن دار نشر ( لندن للطباعة والنشر ) عام 2022 , اشتمل الكتاب على تسع فصول وخاتمة سبقها تمهيد مطول بستة عشر صفحة , وقد تضمن التمهيد المطول تعريف للقارئ , بأن الكتاب بني على روايات وقصص وجدها المؤلف متفرقة بين صفحات الكتب التراثية , وتم جمعها من قبله تحت هدف واحد هو محاولة تكريس التعايش الذي اهتز تحت وطأة أحداث كبرى , فاقت طاقة الناس اذ ان البلدان المختلطة قوميا ودينيا ومذهبيا لا تستقر الا بتكريس فكرة التعايش) Coexistence), بما فيها من نصوص دينية وفقهية وقومية لا تساعد في الغالب على سلامة العيش والتضامن والتكافل الاجتماعي على اختلاف القوميات والاديان والمذاهب , وكثيرا ما تستغل المعتقدات الدينية كسبيل لجذب المواطن مذهبيا او دينيا او قوميا للانتخابات كاتباع للجماعات الدينية السياسية , بحيث كل جماعة دين أو مذهب أو طائفة تبدء بالتحدث علنا , أحنا الكذا واحنا الكذا , لأ ريد ذكر الطوائف او المذاهب , لكن يتردد هذا الكلام لدى السياسيين الاسلاميين واتباعهم , والحال ذاته لدى الجماعات الدينية والقومية الاخرى , وهذا لا يخدم وحدة الوطن, وفي الفصل الاول عرج المؤلف على الجغرافية والسياسة , حيث يعد العراق من البلدان القديمة بتعددها الديني والمذهبي مع اختلاف النسب لكل دين ومذهب من عصر الى أخر, ويكاد هذا التنوع السكاني بالنسبة للعراق, يحاكي تنوعه الجغرافي أو البيئي, فتجد أرضه جبالا وهضابا وسهولا وبطاحا , وربما تكون تسميته ببلاد ما بين النهرين ( ميسو بوتا ميا ) الاغريقية غير دقيقة لأن ما بين النهرين شريطا ضيقا من الارض , نعم , ربما تكون مبتسرة لا نها تعكس شريطا طوليا ضيقا , ذلك اذا علمنا كم من المراحل يقترب فيها النهران من بعضهما الاخر , يضيقان ويتسعان لكن ليس الاتساع الذي عرضه بعرض العراق مثلما حدده الجغرافيون الاوائل هنا تأتي تسمية” بيث نهرين “ أي بيت النهرين القديمة , مثلما هو الحال في السريانية والارامية وهي التسمية المعبرة الاعمق عن طبيعة تلك البلاد أو انها بلاد الانهر , لقد عاش العراقيون معا بفسح من التعايش بالمسامحة والسلام واضحة في تاريخ العراق , وهناك من يتحدث عن العنف العراقي , لكن واقعا لو قارنا مع شعوب دول اخرى لوجدنا ان العراق يختلف عن غيره من دول كثيرة توصف بالعنف الاكبر قياسا له , ولو لا هذا التسامح لما احتفظ العراق بهذا العدد من الاديان والمذاهب والقوميات الى جانب بعضها البعض , ويشير الكاتب الى موضوعات هامة من بينها ان السيطرة العثمانية سيطرت على العديد من الدول , وبالتالي عند طرد هذا المحتل , هل يصح مطالبته بامتلاك ولايات او مدن أحتلت من قبله , حيث هناك ادعاءات باطلة , ومن الجدير بالذكر ان تركيا مازالت تحتفظ بديار بكر والإسكندر ونه حيث تعود ديار بكر للعراق والا سكندرونه لسوريا , ومن الجدير بالإشارة الى ان المعاجم والقواميس العربية تفتقر الى الثقة, فهي تفسر اسم العراق ومدنه وفق مفاهيم فارسية وعربية لانها كتب منقولة لا منقحة بسماع من المكان نفسه ومن سكانه الاصليين , على سبيل المثال يرجع البعض اسم بغداد الى حالة لا يمكن الركون اليها بينما هي : «بغدادو البابلية « وذكر مؤرخ توفي عام 1958 بأن اسم بغداد ليس أرامي و هو أقدم من الارامي , بل كان موجودا في زمن حمورابي.
استئثار الاغلبية
وفي الفصل الثاني تناول الكاتب كوامن المذهبية والعرقية , وعلى هذا السبيل , يشير الى ان مصطلح الاكثرية والاقلية في البلدان المختلطة , هو مصطلح للتلويح بالتهميش والغطرسة الطائفية , على ان الاكثرية هي التي لها الحق في التصرف بالوطن كما يرى سياسيو الاكثرية , وقد قاد هذا السلوك الى كوارث وسيظل يقودها في المستقبل , وبالتالي استئثار الاغلبية بأغلب الوظائف المهمة والقيادية وحرمان الاقلية , ربما فيها قيادات كفؤه يحرم منها الوطن , رغم انهم مواطنين لهم حق كما لغيرهم سواء كانوا من الاقلية او الاكثرية , ويفترض ان يبرز معيار الوطنية , اي الانتماء للوطن والكفاءة ذلك ما ينفع الوطن والمواطنين , لقد كان التعايش سائدا بين العراقيين دون تمييز وقد عزز ذلك بالمادة 372 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 حيث ورد في هذه المادة ,. على من اعتدى بإحدى الطرق العلانية على معتقد لا حدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها , أو تعمد التشويش على اقامة شعائر طائفة دينية , أو حفل , أو اجتماع ديني أو تعمد منع أو تعطيل شيء من ذلك ,بالسجن ثلاث سنوات أو بالغرامة 300 دينار والتي تعادل حاليا 1000 دولار , ويفترض ان تعدل العقوبة وتشدد في الوقت الحالي, وكان التعايش بين المذاهب , عنوان الفصل السادس من الكتاب , حيث جاء فيه , وحسب الروايات كان التعايش بين الاديان والمسلمين في العراق الاوفر حظا , الا ان وحش الطائفية برز بعد عام الاحتلال 2003 وكانت نتائجه مأساوية , وجدير بالإشارة ان الوضع العام حاليا هادئ ومشجع على التعايش السلمي الا ما ندر وهو كما يحصل في مختلف مجتمعات العالم, لكن الطموح يتجاوز ذلك نحو بناء مجتمع متماسك على اساس الانتماء الوطني والمجتمعي , أما الهاجس القومي فكان موضوع الفصل السابع , لكن القوميات في العراق بينها مصاهرة والمصاهرة تقرب بين الاطراف وهناك تعايش بين القوميات عدا احداث طارئة سببها السياسيين الذي يستفيدون من النعرات الطائفية والشو فينيه , أما الفصلين الثامن والتاسع فقد تناولا موضوع البصرة باعتبارها بوابة العراق ونعمته ضمن الفصل الثامن واهوار العراق في الفصل التاسع , فللبصرة تاريخا عريقا في نشأة الافكار والفرق والمذاهب اللغوية والكلامية , وثروة العراق من التمر الى النفط وبوابته على البحار والمحيطات , ومر عليها عذاب وخراب حتى قيل « بعد خراب البصرة « الى جانب ما حوته من مذاهب واديان , أما الفصل التاسع فقد تناول موضوع الاهوار ,و هي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة وذي قار وميسان على رؤوسه, وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيهود, وتتراوح مساحتها من 35-40 ألف كيلو متر مربع.
اختلاف اراء
وقد اختلفت الاراء في تكوينها ,و في يوم 17 يوليو تموز 2016 وافقت اليونسكو على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية بالإضافة إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها مثل أور وإريدو والوركاء, الا أن الهور حسب مفهوم أهله هو غابات القصب دون البردي ولا يصلح للسكن , وكان ملحأ أمن لبعض المعارضين والهاربين من السلطات ولذلك خضع لعملية جفاف قبل عام 2003 وبعد هذا التاريخ اعيدت اليها الحياة ولكن مازالت الاهوار بحاجة الى التغذية المائية , للمحافظة على بقائها ضمن اهتمامات هيئة اليونسكو كتراث عالمي, ان كتاب الخيون “ بلاد الرافدين “ جدير بالقراءة .