الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شارع  الحمرا ذاكرة ثقافية وشاهد تأريخي

بواسطة azzaman

مشاهدات من لبنان

شارع  الحمرا ذاكرة ثقافية وشاهد تأريخي

بيروت - رعد أبو كلل

شارع الحمرا هو احد الشوارع الرئيسية ويقع غرب بيروت ويعود تأريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وهو نشط للغاية ومن أكثر المراكز الترفيهية المسائية شهرةً  كذلك هو تأريخياً تركزت الحياة الفكرية في هذا الحي المصرفي والتجاري حتى أصبح من أكثر  المحاور الرئيسية الثقافية والاقتصادية والدبلوماسية في العاصمة بيروت واستمر هذا النشاط حتى خلال الحرب الأهلية في لبنان وتنتشر في ارصفته عدد كبير من المقاهي ويوجد فيه المسارح اللبنانية المشهورة فضلاً على انتشار الفنادق والشقق المفروشة فيما يستقطب مجموعة واسعة من الناس ومن مشارب مختلفة وذلك من خلال وجود مواقع لكنائس ومساجد عديدة.

مهرجان الخريف

ويقام في كل عام وفي فصل الخريف مهرجان يطلق عليه مهرجان شوارع الحمرا الغرض من هذا الحدث الودي والثقافي هو تسليط الضوء على التنوع الثري للثقافة والفن الموجود في لبنان بشكل عام وفي شارع الحمرا بشكل خاص ويضم المهرجان مجموعة واسعة من الفعاليات والأنشطة التي تلبي احتياجات الناس من الأعمار كافة ويشجع المهرجان الموسيقيين الهواة والفنانين وأصحاب الأعمال الحرة في جميع التخصصات الفنية ويوفر لهم متطلبات دخول مرنة وفي كل ليلة من ليالي المهرجان تصعد مجموعة من الموسيقيين المحترفين على المسرح فيما يسيطر الهواة على المسرح طوال اليوم وتتاح للفنانين فرصة عرض اعمالهم على طول الشارع. شارع حيوي ويعتبر التجوال في هذا الشارع الحيوي والشهير من افضل انشطة زائريهِ فالتجوال فيه متعة استثنائية تُرغِمك على معاودة زيارته مرة تلو المرة فهو المكان الذي يعكس ملامح وأشياء كثيرة ويتحلى بشهرة واسعة من بين شوارع بيروت والرائع في هذا الشارع الذي يبدأ من تقاطع روما وينتهي بتقاطع السادات ويمتد على طول 1300 متر إنه من أبرز واحلى الأماكن السياحية في بيروت وتجد فيه أنشطة ممتعة وهو كذلك من أجمل الأماكن لقضاء الأمسيات. مقاهٍ لعشاق الكلمة تطور الشارع الذي يقع وسط بيروت مع بدء تأسيس الجامعة الأميركية واصبح في وقت من الأوقات أشهر من المدينة وتغير كثيراً بالنسبة لمجموعة من الشعراء والكتاب والمثقفين بصورة عامة ومن المقاهي التي كان يرتادها المثقفون والأدباء منذ سبعينيات القرن الماضي والذي كان مُغرماً بعشاق الكلمة مقهى (كافيه دوباري) وتحول إلى محل تجاري فيما بعد واُغلق إلى غير رجعة بعد ان طرأت على الشارع تحولات كبرى غيرت من هويته إذ أثرت تبعات الوضع الاقتصادي في لبنان بشكل كبير على المنطقة وحال هذه المقهى لا يختلف عن مقاهٍ اخرى سبقته إلى الأقفال اواسط عقد التسعينيات من القرن الماضي مثل مقهى (ويمنبي) الشهير والذي أصبح أثراً بعد حين وواجهة تجارية ولحق به مقهى (المودكا) و(هورس شو) الذي انطلق عام 1959 م كأول مقهى رصيف في الحمرا وكان اهم ملتقى للمثقفين اللبنانيين والعرب على اختلاف مشاريبهم وعقائدهم واحلامهم ثم مقهى (اكسبريس) و(مانهاتن) و(ونيغرسكو) و(والدووادو) و(وستراند) ودخلت كل هذه المقاهي في طي التأريخ والماضي الجميل وسيبقى الشارع مهما تغيرَ عنصر جذب للفنانين والكتاب والناس بشكل عام.

 تأريخ الشارع

الحمرا كان اسمها (جرن الدب) عام 1902 م وكان يسكن فيه بني الحمراء وكانوا يبيعون محاصيلهم الزراعية واستوطنوا فيها وسموها كرم الحمراء أو بستان الحمراء وفي عام 1905 م اشتروا بنو الحمراء من رهبان كنيسة المخلص القديمة الكنيسة المهدمة وعمروها كأول مدرسة لهم وبين عام 1914 - 1918 م كانت المنطقة حول شارع الحمرا بساتين وكان أهلُها مهتمين بزراعة شجر المأساس الذي يستخرج منه الصمغ وكانت هذه تجارة مربحة ومن هنا بدأ الناس ينتقلون من أنحاء بيروت إلى منطقة الحمرا وجوارها وإن أول بناية تم اعمارها بالحمرا يعود إلى 1923 م بناية (زيكو) والتي فيها صيدلية المدينة وسكن فيها حبيب ابو شهلا فيما فتحت شركة تابلاين مكاتبها بالبناية.  كانت فكرة تغيير شارع الحمرا من شارع سكني إلى شارع اقتصادي متميز في عام 1933 م في عهد محافظ بيروت سليم بيك تقلا وأخذ بتزفيت الشارع والشوارع المحيطة به وبدأت البلدية تسمي الشوارع المحيطة بشارع الحمرا بأسماء العائلات التي كانت تسكن فيها وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تسارع تطور شارع الحمرا مع بدء  تأسيس الجامعة الأميركية الموجودة في الحمرا وأخذت تؤثر تأثيراً كبيراً على منطقة الحمرا وعلى شارع الحمرا بشكل خاص وأخذ الشارع يتطور بسرعة كبيرة جداً وفتحت فيه السينمات والمقاهي والمطاعم وأصبح الشارع في وقت من الأوقات أشهر من المدينة والأشهر في الشرق الأوسط أنذاك.

بقي ان نقول:

بعد هذا الحديث والسرد عن شارع الحمرا نشاهد ونجد اليوم ومن خلال جولتنا الميدانية والاستطلاعية للشارع الشهير ان تحولات كبرى طرأت على الشارع غيرت من هويته إذ أثرت تبعات الوضع الاقتصادي في لبنان بشكل كبير على هذه المنطقة برمتها ولا يخفى كُثر في لبنان اسفهم على ما آلت إليه أوضاع شارع الحمرا الذي كان لعقود قبل سنوات الحرب الأهلية اللبنانية منبعاً للفكر والثقافة والفن فيما أدت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان إلى حمل مظاهر البؤس والفوضى والتسول إلى شارع ارتاده كبار الفنانين العالميين والعرب في سنواته الذهبية لكن المشهد اليوم تبدل وتغيرت هويته وهجره رواده واقفلت معظم مسارح المدينة وسكن شارع الحمرا ظُلمةً وفراغاً بدلت من هويته التي قيل فيها يوماً إنها منبع الثقافة في المنطقة.

نعم الشارع الذي استقطب فنانين ومثقفين وطلبة نجا من تداعيات الحرب الأهلية لكنه سقط بعد التحولات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة فأقفلت معظم المسارح ودور السينما ونرى رواده اليوم قلة معظمهم سياح جدد يجوبون ارصفته تلك التي كانت في يوم ما مقاعد جلس عليها طالبوا العلم والثقافة وتمتلئ تلك الأرصفة اليوم بأجساد المشردين واغراضهم وتعج في فضائه بينما انتشرت أصوات المتسولين وباتت اعدادهم اكبر من قدرة الأجهزة الأمنية على معالجة ظاهرتهم. واقفلت المقاهي التي شهدت طاولاتها جولات فكرية وشهادات نضال وهجر روادها مع تبدل وجهها السياسي وحلت مكانها مقاهٍ جديدة تلبي رغبات السياح وتقدم بشكل كبير (النرجيلة) وأخرى تحولت إلى محلات لبيع الملابس والاحذية لها ماركات عالمية.  الحمرا الذي قيل فيه إنه شارع الحداثة والعرافة فإذا بالفوضى تعم البلاد تسحب من قلبه النبض وتحوله إلى شارع للأشباح.. كثيرون يتأسفون إلى ما آلت اليه وضع هذا الشارع وقد فقدوا الأمل بإعادة احيائه طالما إن رواده عثروا على مكان بديل استوطنوا فيه بحثاً عما يشبه امزجتهم.


مشاهدات 139
أضيف 2024/04/27 - 1:43 AM
آخر تحديث 2024/05/07 - 12:56 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 218 الشهر 2641 الكلي 9140679
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/5/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير