الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صور الذاكرة في تأويلية المعنى المتخيلّ

بواسطة azzaman

صور الذاكرة في تأويلية المعنى المتخيلّ

أسامة غانم

 

    أقول ، سيكون اشتغالي لاكتشاف المعنى في قراءتي لرواية « رقص السناجب « لـ عباس خلف علي عن طريق الدراسة التأويلية ، وهذا هو الآن اصبح مسار تقليد النقد الحديث حيث جعل التأويل العامل الحاسم في نقد الدراسات الأدبية ، وذلك بالتركيز على الاختلافات التاريخية – الاجتماعية في طريقة القراءة ، والذي سيؤدي ذلك لتأكيد أن التأويل ممارسة اجتماعية – نقدية بامتياز .

    ان رواية « رقص السناجب « منسوجة من بعض اجزاء السيرة الشخصية ، المتداخلة في التاريخ المتخيل المستمد من التواريخ ( متباعدة او قريبة )المتعددة المتشعبة ، ورمزية الحدث والشخصية التاريخية، استناداً على صور ذاكرة حقيقية أو متخيلة  لأن وظائف الذاكرة والمخيلة تتداخل بعمق ، فالإنسان بطبعه ينتمي الى العالم المسمى عالم الصور أكثر مما  عن عالم خاص به من الصور التي ترتكز على الذاكرة ، فالربط بين الواقع والمتخيل يؤدي بنا الى الاهتمام بالطبيعة الاجتماعية للمتخيل الذي هو مخزون من الصور المفصولة عن الوعي وبين الذاكرة بوصفها مخزناً للأفكار والتجربة الإنسانية . وهذا يؤدي ايضاً الى تلاقي : الصورة – التخيل – الرمز ، في عملية تأويلية السرد ،  بالإضافة الى تطعيم الرواية بعرفانيات تتجمع عندها خيوط الرواية جميعها على شكل الاسلام السياسي ، عليه تميزت الرواية بسردها المليء بالمعرفية – الثقافية ، التي جعلت من المتلقي الذي لا يمتلك الحدود الدنيا من ابستمولوجيا رصينة ، وقليل القراءات الثقافية :  يتيه ، يضيع ، وتغلق مداخل الفهم عليه ، فلقد عمد عباس خلف إلى جعل الرواية طلسم ، لغز ، « لا نفرق المطلسن عن المطرسن  .. ولا حقيقة في ظل الخوف والجهل – الرواية ص 11 « ، فهي تستعصي على الجاهل ، والفاقد لبوصلة ذاته ، وما بين الفاقد والمفقود تلال من الأسئلة ، وكذلك البعيد عن التجربة المأساة التي يعيشها المُكتْوي بها ، لأنه هو بالحقيقة خارج التجربة ، لذا لا يحس بها ولا يشعر تجاهها بأي شيء ، وعندما يأتي ليكتب عنها ، ستكون كتابة من الخارج ، لا تستطيع سبر اغوار النص .

    ان العملية السردية في استلهام احداث تاريخية تتم في « رقص السناجب « من خلال محورين هما : « ‘التشكيل ‘ المتعلق بالإجراءات السردية التي تتم داخل النص من خلال حبكة ترتيب الرواية في أشخاصها وأحداثه ، و‘إعادة التشكيل ‘ التي هي أثر الرواية على التجربة المعاشة الحية «1. الا ان الحقيقة التاريخية التي تميز السردية التاريخية عن العمل الأدبي . يختلف « النصان الأدبي والتاريخي في طبيعة العقد القائم بين المؤلف والقارىء ، ففي العمل الأدبي يقبل القارىء مسبقا تصرف المؤلف في تشكيل الواقع المتخيل ، في حين يتوقع القارىء من المؤرخ سرد أحداث تمت بالفعل في الماضي «2. لكن ، ان السبب في لجوء الروائي الى الحدث والى الشخصية التاريخية ، هو الابتعاد كلياً عن الحاضر ، والابتعاد عن المباشرة في السرد ، وذلك بأسطرة الواقع ، لذا يذهب الروائي الى : الترميز – الاستعارة – الإحالة ،في سرد الأحداث . لأن الحاضر ألعن مئات المرات من التاريخ الماضي القريب ، ألعْن بكل وحشية ودمار وفساد نخر حتى الرّقْم الطينية في مكتبة بانيبال ، لم يحصل ذلك لا من قبل ولا سوف يحصل من بعد ، مع تمسك اعمى بتعاليم الجاهلية الاولى والثانية ووو:

« الحزن كالغيمة يمطر ويواصل مسيرته ، روحك صارت تشبه بيوت النمل من كثرة اكتظاظها بالوساوس ، كن حذرا من حجم الألم ، لأن روحك لا تعتلي صهوة الريح الموجعة ..تلك الريح العاصفة بين قبيلتي بكر وتغلب ، التي أذكتها حماسة عمرو بن كلثوم .. إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا ، ولهذا وصف مصمم السيرك الامريكي ، بأن السرج المذهب قد يجعل من الحمار حصاناً الرواية ص 13» .

 نتسأل . ما الذي اراد الروائي عباس خلف أن يقوله من خلال هذه الرواية ؟ هل اراد أن يقول لماذا هذه الحروب العبثية المدمرة على ارض السواد ؟ ولماذا هذا الموت المجاني الدائم ؟ .

   منذ السطور الاولى في بداية الرواية ، يقذف الروائي عباس خلف بالقاريء الى اتون الحروب ومخلفاتها المخيفة وتشوهاتها المادية والمجازية « لقد تركتني الحرب غريباً تائهاً، وبقيت الجراح كالوشم ، تملأ مخلفات الحرب في جسدي كالقيح ، يسكن في داخله الروع ، ويصرخ بي كهاجس مطعون بالزور – الرواية ص9» .

وليس ذلك  فحسب ، بل ان السارد يعمد للتدليل على ما يذهب اليه بشدة ، حين يعمل على التركيز على الاناشيد المصاحبة للمعارك ، التي تعتبر القوة والدافع لتحشيد البسطاء والسذج من الناس ، حين اندلاعها ، فهذه الاناشيد بالحقيقة تسمى اناشيد الموت :

« آنا أمك كَالتلي الكَاع «

« يا كَاع ترابج كافوري «

« وأحنه مشينا للحرب  «

« ها خوتي عليهم «

« دايمين ودايم وطنه بيكم « .الرواية ص 12.

  ولكن ، بالإضافة الى الحروب الخارجية ، ابتلت البلد بالحروب الداخلية كذلك ، عبر التاريخ ، مع دوامة الاحتلال ، وياليت نبقى على احتلال واحد بل احتلالين دائما في الوقت ذاته ، مثل : الاحتلال الفارسي والاحتلال الروماني البيزنطي ، الاحتلال المغولي والاحتلال العثماني « مسكت نفسي ، صوتها المتهدج يرتطم بكتاب متناثر الأوراق لعباس العزاوي ‘ العراق بين احتلالين ‘ – الرواية ص 36» . وتتالى الاحتلالات مثل : القزلباش - الصفوية والانكشارية – العثمانية « في صراعهما على السيطرة على المدينة ،  فالقزلباش هم مجموعة من الجنود الشيعة الذين عينتهم الدولة الصفوية في منتصف القرن الخامس عشر ، وهم طائفة من الغلاة والمتطرفين ، وقد شجعهم كلا من الشاه حسين واسماعيل الصفوي على ذلك . والحامية الامريكية التي جعلت « قصر الشاهبندر ، الذي اعيد ترميمه ليكون لائقاً لسكن جنرالات الحامية كما كان من قبل حامية للقزلباش والانكشارية – الرواية ص 162» . وفي هذا يُنتج تكامل المعنى في النص الروائي ، رغم ان المعنى متعدد الهوية . ان هيرش يهدف الى « اعادة تثبيت معنى المؤلف على انه مبدا معياري يعتمد عليه الجهد الجماعي للتأويل يمكن اعتماده ، وان افضل معيار هو الفعل الاصلي الذي اراد به المؤلف معنى محددا»3.وهذا يجعلنا نستطيع الجمع بين خصوصية المعنى وسمة التأويل الاجتماعية .

بل يقوم بالذهاب الى ابعد من ذلك عندما يعترف السارد بذاته المتناقضة في صفاتها التي يحملها : « صاغرة ، نادبة ، هائمة ، هاجعة ، متوثبة ، قلقة ، مبتسرة ، حالمة ، متعجرفة ، ساكنة ، رعديدة ، محتقنة ، كتومة ، انطوائية ، شهوانية –الرواية ص 15» .

ويستمر السارد في الكشف عما يجول في داخله وفي خاطره ، مبيناً الطبيعة الجدلية للمعنى بوضوح من خلال الصورة المجازية التي يُعبر عنها « أنا المعتوه .... الخارج من جيل الحروب ، تتزاحم في ذهني أسئلة مشوهة عن عالم مجهول تضيع فيها لغة الحقيقة ، الحقيقة التي غاب إعلان حلف « كنس « و « مادار « على ظهر تلك الباخرة ، والتي اكتفت الصحف بكشف صورة العناق بين « عبد العزيز « و « روزفلت « – الرواية ص 153» . المسمى اتفاق كوينسي تم التوصل اليه في 14فبراير 1945م ، وذلك على متن الطراد يو أس أس .

     لذا فأن قصدية « معنى أي نص اقوم بقراءته انما هو في الحقيقة المعنى الذي اقصده لذلك النص . وهذا النتاج في الوقت نفسه انما هو موضوع كونه القصد الاصلي للمؤلف ، اما عند كتّاب مدرسة جنيف ، فأن الهوية الثنائية للنتاج الادبي على انه معنى القارىء ومعنى المؤلف . تقوم بوظيفة المفارقة المحفزة ، وتؤلف اساس الاساليب التأويلية «4. ولكن من الافضل ان نرى ان القارىء يستطيع ان يذهب ابعد من ذلك في قراءته واكتشاف معاني اكثر في النص المقروء ، وهذا ما سوف يحقق تلاقي المؤلف بالقارىء في الاشتراك في قصدية المعنى . ولأن « السرد التاريخي يمنح سلسلة من الأحداث الواقعية تلك المعاني الموجودة فقط في الأسطورة والأدب ، ولذلك ، بدلاً من النظر الى كل سرد تاريخي على أنه ذو طبيعة أسطورية أو أيديولوجية ، ينبغي أن نعتبره مجازياً ، بمعنى أنه يقول شيئاً ويعني شيئاً آخر»5.

    ان رواية « رقص السناجب « لها عنوان فرعي مع عنوانها الرئيس ، الذي هو  « حكايات بستان الشاهبندر مصطفى خان التي لا تغيب عنها الذاكرة « ، أي حكايات البستان التي لا تغيب عنها الذاكرة ، أي حكايات البستان – الذاكرة ، فالكل يصر على تدوين حكايتهم مع « البستان والهوية « وهم : هوبي ابن سعد الناطور – راهب المعيوف – سمية – جمانة – نمر فالذي يحصل في البستان التي تحتوي على القصر وبجانبها مقبرة السلاطين ، هكذا كانت البستان منذ نشواها ، ولكن عندما احتل الامريكان العراق تغيرت صورة البستان ، حيث اصبح « كل ما أراه في البستان ، من خلال شق صغير في الجدار ، الذي أمر « ريكاردوس « أن يكون كخط فاصل بين « الكرفان « الذي نقلونا اليه ، وهو بالتحديد في مقبرة السلاطين ، اقصى البستان ، ومجاور للجدار العازل ، الذي يفصل البستان عن البساتين الباقية ، وبين قصر الشاهبندر ، فتنقلاتي أصبحت محدودة في هذا الفضاء الزاكم بالأسئلة ، لأننا نعيش اغراباً فيه . الرواية ص 162» . عندما يقرأ / يشاهد / يطلع المتلقي على هكذا صور سردية مٌغْرقّة بدلالات متشظية ضاجة بالمعاني الأليمة المتسربة من فتحات اجسادنا . يحس بالمهانة ، وبالظلم الفاحش ، والإنسانية المهدورة ، وهذا هو شأن كل محتل ، أو كل عميل لمحتل ..!وهنا نتسأل هل صحيح لا توجد حقيقة في ظل الخوف والجهل والشعوذة ؟

اذن علينا أن نتسأل ، من هو مالك البستان الفعلي ؟ والى ماذا يحيلنا ذلك ؟ ومن هم الذين يتحاصص في وضح النهار لسرقة اموال الشعب  ؟ :

*أن أرضكم الحالية « بستان مصطفى خان « كانت ملك مولانا البغدادي غفر الله له – الرواية ص 144.

* بسبب المصالح التي كان يجنيها كل طرف من زراعة « الخشخاش « التي كانت تفوق صناعة الذهب – الرواية ص 145.

    ليس ذلك فحسب ، بل يعمد السارد من خلال السرد الممبثوث بين السطور ، أن نتعرّف على  الشاهبندر « مصطفى خان « تاجر الحبوب وأرزاق الناس ومؤنهم ، من خلال حادثة العطار « حنون « ، وماذا فعل به مصطفى خان الأمانة :

كررتُ طلبي ، وقلت : من هدم مصدر رزقك ؟

أجابني على الفور :

-عمك ؟!

- عمي ؟ تقصد « مصطفى خان « ؟

- بدل من أن يواسي وحدتي ، هدم عليَ بيتي وحانوتي ، ورماني على قارعة الطريق ، بحجة أن يفتح شارعاً لزواره من التجار والأعيان –  ص 102.

وكان الخان في نظر راهب هو « وكأن شعوري بهذا الرجل ، يشكل سراً من أسرار اللعبة في هذه المدينة لا يتزحزح ، ويترسخ يوماً بعد يوم –  ص 126» . رغم أن « مصطفى خان « كان هو الممول الوحيد لمدرسة فتيات المدينة ، التي تشرف عليها الخانم « قرة العين « ،ولكنه كان يرفض ان يعلن عن دعمه .

ففي هكذا موقف ، يجب ان يكون الروائي عباس خلف مؤلف  « الرواية المتعددة الاصوات مطالب لا في ان يتنازل عن نفسه وعن وعيه ، وإنما في ان يتوسع الى اقصى حد وان يعمق الى اقصى حد ايضا في اعادة تركيب هذا الوعي ، وذلك من اجل ان يصبح قادرا على استيعاب اشكال وعي الاخرين المساوية له في الحقوق «6، وهذا بدوره سيجعل قارىء هذا السرد يحس بهذا التوسع الحقيقي الخاص في وعيه هو بالذات .

      بعد أن عرفنا ، ان مالك البستان الاصلي هو مولانا الشيخ « فضولي البغدادي « ، الذي هو الشاعر الصوفي الكربلائي محمد بن سليمان الملقب بـ « فضولي البغدادي « 1485م- 1555م  الذي يعمل على مقارعة الظلم والوقوف الى جانب المستضعفين ، وحتى شعره سخر كثيراً منه لنصرة المضطهدين ، لذا اعتبروه امير الفقراء والمهمشين والمنسيين . وهو يُنسب الى طائفة البكتاشية 7 .

ما تعمل ايها السلطان ..؟

بعرشٍ سيتحطم كالسفينة

في ذلك الطوفان

الذي يتفجر من عيون الفقراء .

  و كانت  الخانم « قرة العين « تطلق على « فضولي بغدادي « لقب  باباسي :

-من أين أتيتِ بالباباسي ، يا جمانة ؟

- هي مولاتي ، كانت تنادي بها سيدي ومولاي « البغدادي « .

- ولِمَ تناديه مولاتك ، باباسي ؟!

- تلميذ معرفة في النور الإلهي ، يطالع الخزائن الدفينة في الكتب ، ويرويها للناس الضعفاء من امثالي – ص 124.

ولكن ، المفارقة في « فضولي البغدادي « كانت ان الجند الصفويين والجند العثمانيين ، كانوا يأتمرون بأوامره ، وينفذوا ما يطلبه منهم ، ليس بسبب انه كان امير الفقراء والمحتاجين فقط ، بل لانهما كانا الاثنين من طائفة البكتاشية .

وعندما فتحوا خزانة راهب ، كان من محتوياتها « مخطوطة تناولت أهم أحداث المدينة ، كتبها « فضولي بغدادي « بهوامش غير مفهومة – ص 150» .

ما هي دلالة البستان بالنسبة الى دلالة المدينة ؟ وهل حبلهما السري واحد لكليهما ؟ أم هناك بعض الاختلاف ؟ اترك ذلك للقارىء لما سوف يكتشفه من خلال قراءته للنص ، وخاصة عندما يتعرف على « المدينة الغارقة في مستنقع الأطماع ، تنفض عن نفسها آثار أقدام الغزاة القدامى والجدد .. والمرايا تعكس كل شيء يصادفها تنقله كما هو ، فهي غير مسؤولة عما يظهر فيها ، هي هذه طبيعة المدن – ص 60» . ولكن تبقى الذاكرة قوية « لتاريخ  مدينة كتبت سطورها بالدم –ص 59» ، لأنها دائماً كانت « تعيش المدينة الرعب وتلوذ بالخرافة هرباً من جحيم الطغيان – ص 38» .

عمل الروائي على حشر الكثير من الاسئلة ذات الدلالات الثقافية – الفكرية والتي تحمل مع النص الروائي التقاطع أو التطابق ، في السرد كله للرواية ، وهي اسئلة بالأساس تمس فئة المثقفين عبر التاريخ : البعيد والقريب والحاضر ، لتأسيس علاقة جدلية بين الواقع والمتخيل والتاريخ في النص السردي ، مطروحة بحوارية امام المتلقي الواعي بدوره كمُسْهم في العثور على أي معنى من النص الروائي ، بمعنى ان النص أصبح محكوماً بمربع : المتخيل – الذاكرة – التاريخ – المتلقي  ، وهذا هو دور الأدب ما بعد الحداثي الذي اطلقت عليه ليندا هتشيون « الميتا رواية التاريخية « ، ولأن « التاريخ وفقا لفوكو ، ليس شيئاً يمكن السيطرة عليه أو فهمه ، إنه يتشكل بالأحرى من نسيج رحم من المتناقضات أو الخطابات «8 :

*يا إلهي أعيش لمن ؟ ومن اجل من ؟ ص 34.

* فبعد أن قتل « ميران شاه « في حلب فضل الله « الحروفي « صاحب الشروح وأراد بذلك أن يقمع الأفكار من التداول ها انت ترى كتابه في الهند فما يعني لك ذلك ؟ ص53 .

* البعض يقول ، إنه لم يغير دينه ومعتقده البوذي ، ولكن السؤال المُلحّ : كيف أنه دفن في مقبرة السلاطين ؟ ص 61 .

* فمن يسمع من ؟ أنا أم هو ، وكلانا ينجذب الى بعضه ص 122.

* فهل يمكن ان يعيد الهيكل العظمي للهدهد حياته ويكشف المستور؟ ص145.

* وما الدافع أنْ يُحاكم ابو حيّان نفسّهُ ويلجأ الى حرق كتبه ؟ ص 155.

* وما حكمة جمال باشا ، من تدبير تهم ملفقة ضد المثقفين العرب واعدامهم في الساحات العامة ؟ ص 156.

* ولِمَ قال جبران خليل جبران : توقفوا عن الدفاع عن الله ودافعوا عن الإنسان ، كي يتمكن الآخرون من التعرف على الله ص 157.

* وما الداعي ان يمنح الغازي رامسفيلد سيف ذي الفقار ص 157 .

* من هذا روفائيل باتاي ، ليكون ذا حظوة ونفوذ ، لم تحققه وداد فرنسيس عشيقة بول بريمر ، وما الفرق بين الذي وجه لجورج دبليو بوش والحذاء الذي اضحك بريمر ؟ ص 157.

* وهل ان وجود « بريمر « هو جزء من حقيقة كبرى تمثل المخطط الجغرافي « سايكس بيكو « لشرق أوسطي جديد ؟ ص 157.

* لماذا يصر سبيلبرغ ، على اخراج فيلم « الجواسيس «  ؟ ص 157.

* وما هي غاية قراصنة فرسان القديس يوحنا ، من اقتياد حسن الوزان من سواحل المتوسط الى روما ؟ وهل كان كتابه وصف افريقيا لتسهيل حملات القساوسة ؟ ص 158.

* وما الذي يدفع الوزير العلقمي ان يسلم مفاتيح بغداد للغازي المغولي ؟ ص 158.

* من يقبض على الحقيقة المطلقة ، في ظل الشعوذة والخرافة والتلفيق ؟ ص160.

    نقرأ في العتبة الرابعة الواقعة تحت مسمى شاهبور ، التصدير المستل من رواية « كور بابل « ،وهي رواية للمؤلف عباس خلف ذاته مؤلف رواية « رقص السناجب « ، التي نشرت كاملة في مجلة الكلمة اللندنية عام 2009م ، يقول في التصدير « لحظة الحلم في رحيق التذكر تتجمع فيها الأخيلة والتصورات وتأخذنا الى أبعد من ذلك ، إنها ترسم أحيانا أسئلة صارخة بلون الاغتراب في خوض المجهول –  كور بابل « ، وكور بابل ، أسم لواحدة من بوابات كربلاء القديمة وتعني قرب الآلهة ، والاسم منحوت من كروب قرية تابعة لبابل ، والكربل أسم النبات الحامض الذي تشتهر به . وهنالك تصدير آخر مُستل من رواية « مدينة الزعفران « للمؤلف نفسه في العتبة رقم 1 . أي ان الذاكرة والتخيل يضعنا في خوض التجربة .

فمن هو شاهبور ؟ . هو عطار هندي يعتنق البوذية بالوراثة ، يقول عنه ملا شفيق وهو هندي ايضا اسمه( ياهوشنك ) عندما زاره في غرفته في المعبد في الهند : « شعر بأنه يقف بين يدي شيخ عالم ومتواضع ، كيف لا ، وهو ينبع من تلك السلالة التي ذاع صيتها بالزهد وقراءة النجوم ، ملمّ بالروحانيات إلمامه بكتب التاريخ والفلسفة والأدب – الرواية ص 53»، وعند عودتنا للأسئلة الأنفة وبالذات الى السؤال الثاني ، تتوضح الصورة لدي المتلقي ، أو معرفة العلاقة ما بين شاهبور والبكتاشية وفضل الله الحروفي ، ومن خلال هذا السرد المار بنا ، الذي يضعنا في جوهر الحمولات الثقافية – الابستمولوجية ، التي تملأ الرواية ، مثال ذلك عندما يقوم السارد المبطن بسؤال العطار الهندي شاهبور عن هرمان هسه مؤلف رواية سد هارتا :

قلت له بعفوية : هل تعرف من هرمان هسه ؟

وواصلت حديثي : « إنه كتاب عن حياة بوذا ومكابداته بين المعرفة والحكمة ، والزهد واللذة .. – الرواية ص 57 « .

هي بالأصل رواية كتبها هرمان هسه « 1877- 1962»، سويسري من اصل الماني ، عام 1922م ، يتناول فيها الرحلة الروحية لرجل اسمه سد هارتا معاصر لبوذا ، وكلمة سد هارتا تعني « من وجد معنى للوجود « أو « من حقق اهدافه « ، فهو يعتقد ان لتحقيق الفهم وتحقيق التنوير ، علينا الخوض في التجربة لأن الفهم لا يتحقق من خلال الاساليب الفكرية ، ولا من خلال الانغماس في ملذات الجسد ، بل في اكتمال هذه التجارب الروحية / الجسدية ، هو الذي يسمح لسد هارتا بالحصول على الفهم واستيعاب العالم .

وللدلالة على ما ذهبنا اليه من خلال المثال المار الذكر ، لدينا مثال أخر ، اوسع واعمق في تداخلات ثقافية متباينة مختلفة في الهدف ، متوحدة فكرياً في القصد ، عليه كيف تفسر الذائقة القرائية واختلاف عوالمها عن قول الحقيقة ؟

 ( « فضولي البغدادي « ،كان يسقي شجرة السدرة عند مقبرة السلاطين ، وما سبب العداء بين القزلباش والانكشارية ، وما العوائد التي جناها السواد الأعظم من هذا التناحر ، وبكل وقاحة يحّرف ما بقى من كلكامش ونرام سين ، وهل مركب « مارلو « في قلب الظلام ، وهو يدخل المرفأ بانتظار المد والجزر على نهر التايمز يضاهي مركب سانتياغو في الشيخ والبحر ؟ - الرواية ص 154 ) .

 

   لقد كتب الروائي عباس خلف رواية تفكيكية بامتياز قل نظيره ، عن ما يحصل في عراق اليوم ، مقارنة بالحقب التاريخية المظلمة والسوداوية التي مر بها العراق ، فكل الحقب تصبح امام هذه الحقبة المعاصرة الآن ، لا شيء ، والصورة اصبحت معكوسة تماما هنا لطوفان نوح مجازياً ، واستعارياً ، ونتسأل ما الذي جناه السواد الاعظم من الشعب ، من هذه الثروات الفلكية الخيالية ؟ .

من يقبض على الحقيقة المطلقة في ظل الشعوذة والخرافة والتلفيق ؟ لا أحد يستطيع ذلك ابداً ، لأن الحقيقة حمالة أوجه متعددة حسب رؤية الشخص ، كلا من زاويته التي ينظر منها ، فكيف اذا من كان واقع تحت مؤثرات عقائدية ودينية ينظر لها ؟ غير ممكن ذلك ولو 1% من الحقيقة ، وقد قرأنا ما قاله الفيلسوف ابن رشد في ذلك : «التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل فإن أردت التحكم في جاهل عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني « .

   ونتيجة لذلك ، سوف تنتشر المزارات المزورة والمقامات بأسماء مختلفة ، بحيث بعض المزارات اطلق عليها اسم « خضراوات بنت الحسن « في وقتنا الحاضر . وفي غفلة استدعى بعض السادة والمشايخ وحديثي النعمة من الطرق غير المشروعة ليدشنوا « مرحلة جديدة بحيث لمس الأهالي ظهور مقامات جديدة مباركة تستحق التبجيل والتهليل وطلب الشفاعة ، وكانت « القنطرة « ، على راس المزارات تشيع عنها القصص والروايات ومن أسهب في هذا التأثير ، هم ، المشايخ ، فكانوا يلوكون بألسنتهم الأعاجيب والغيبيات ، بأسلوب منمق وعذب وسهل الانسياب الى الافئدة – الرواية ص 104» . فكلما زادت ثروة الكاهن – السياسي الدجل ، افتقر السواد الاعظم اكثر واكثر ، لانهم جعلوا هذا السواد يتوقف نهائياً عن التفكير في وضعه المزري غير الإنساني ، وبالرغم من ذلك هنالك صوت عالي يسمع من البعض « باسم الدين باكونا الحرامية « ، وياليت بقينا على علي بابا والاربعين حرامي ، كان افضل لنا مئات المرات . وهذا يتلاقى مع قول « ليلى المطوع « الروائية والصحفية البحرينية ، التي عرفت بدفاعها عن المرأة وحروبها الفكرية مع نشطاء الطوائف الدينية  : « لولا اصطدام الغيوم ما انثال المطر- الرواية ص 119» الاصدار التاسع .

 

 

 الهوامش والاحالات

 1-د عبد الله السيد ولد أباه – الهوية السردية والذاكرة الحية ( ملف بحثي التاريخ والحقيقة ) ، مؤسسة مؤمنون بلا حدود ، الرباط / المغرب ، بلا تاريخ ، ص 10.

2- ن . م . ص 10 .

3- وليم راي – المعنى الأدبي : من الظاهراتية الى التفكيكية ، ترجمة : د يوئيل يوسف عزيز ، دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد / العراق ، 1987م ، ص 103 .

4- ن. م . ص18.

5- هايدن وايت – محتوى الشكل : الخطاب السردي والتمثيل التاريخي ، ترجمة : د نايف الياسين ، مراجعة : فتحي المسكيني ، هيئة البحرين للثقافة والآثار ، المنامة / البحرين ، 2017م ، ص 120.

6- م . باختين – قضايا الفن الابداعي عند دوستويفسكي ، ترجمة : الدكتور جميل نصيف التكريتي ، مراجعة : الدكتورة حياة شرارة ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ،1986م ، ص 97.

7- البكتاشية : طريقة صوفية تركية تنسب الى الحاج محمد بكتاش ولي ، ( القرن السابع الهجري ) انتشرت في الاناضول ثم في مملكة البانيا ، تعاليمها مستمدة من تعاليم الشيعة الاثني عشرية ، يقول محمود عكام : « وقد اعتنق البكتاشية مذهب التصوف في الاعداد ولاسيما عقيدتهم في العدد 4 ، هو مذهب متأثر بالفيثاغورسية ، وقد نقلوا ذلك عن كتاب « جاويدان « لفضل الله الحروفي الذي قتل على يد ميران شاه في حلب . الموسوعة العربية ، دمشق / سوريا .

8- برندا مارشال – تعليم ما بعد الحداثة : المتخيل والنظرية ، ترجمة وتقديم : السيد امام ، المركز القومي للترجمة ، القاهرة ، 2010م ، 193.

 

 

 


مشاهدات 730
الكاتب أسامة غانم
أضيف 2024/04/30 - 7:04 PM
آخر تحديث 2024/05/18 - 2:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 359 الشهر 7162 الكلي 9345200
الوقت الآن
السبت 2024/5/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير