الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
زيارة أردوغان تأريخية أم بروتوكولية ؟

بواسطة azzaman

زيارة أردوغان تأريخية أم بروتوكولية ؟

عبد الجبار الجبوري

 

تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى بغداد، في لحظة تأريخية حرجة،والشرق الأوسط يعيش حالة حرب خطيرة، في غزة وباب المندب وسوريا والعراق ولبنان،بين أسرائيل وأمريكا وحلفائهما من جهة ،وإيران وفصائلها المسلحة الولائية وأذرعها من جهة أخرى ،ممكن أن تتوسّع وتنفجر بأية لحظة، لتتحوّل الى حرب عالمية ثالثة،لهذا جاء الرئيس أردوغان الى بغداد، وهو يحمل في حقيبته ،ملفات غاية في الأهمية ، ملفات أمنية وأقتصادية،تخص العراق وتركيا، وأخطر هذه الملفات ،تواجد حزب العمال الكردستاني ،على الأراضي العراقية ، وخطره على الأمن القومي العراقي والتركي،والذي يلقى دعماً عسكرياً ولوجستياً ومالياً وتسليحياً ،من إيران ومن جهات وأحزاب عراقية تابعة لها ،والملف الأمني الآخر، هو تنفيذ إتفاقية سنجاروتطبيع الأوضاع داخلها، وطرد البككا منها،حيث صرّح الرئيس أردوغان في مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حال وصوله بغداد،أن (تركيا جادة في القضاء على حزب العمال الكردستاني التركي قريباً)،وهذا الكلام يؤكد جدية أنقرة، في القيام بحملة عسكرية كبرى بالتنسيق مع بغداد وأربيل، للقضاء على البككا ،ولهذا السبب وضع في جدول زيارته لبغداد ، زيارة أربيل، والتنسيق معها في موضوع إنهاء خطر البككا ،في كل من العراق وتركيا، ولهذا أيضا صرّح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني،ولأول مرة أن ( حزب العمال الكرستاني منظمة إرهابية).

تصدير النفط

وهذا قرار عراقي لايرضي إيران والفصائل، التي تدعم حزب العمال الكردستاني التركي ،وتعمل معه في سوريا والعراق،والملف الأهم الآخر هو ملف تصديرالنفط ،والتبادل التجاري مع العراق،حيث طرح الرئيس أردوغان تصدير النفط العراقي، عبر ميناء جيهان التركي، وأعفاء تركيا من التعويضات ،والتي فرضها مؤتمر باريس على تركيا وتقدّر بأكثر من ثلاثين مليار دولار،وتوقف التصدير،حيث تم التوافق على حلّ مشكلة تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان ،وتسوية التعويضات، على أن يربط الإتفاق في التصدير،عبر بغداد وليس أربيل،أما التبادل التجاري فطالب الرئيس أردوغان، أن يصعد الى مستويات أعلى من الحالي، ويصل الى عشرة مليارات سنوياً،وفي الملف المائي وهو من الملفات الحساسة جداً ، والتي تهدد العراق كله بالجفاف، بسبب قطع إيران أكثر من أربعين نهراً تنبع من أراضيها الى داخل العراق،فقد أكد الجانب التركي،أن تركيا تتعامل مع هذا الملف تعاملاً إنسانياً أولاً،وثانياً تقدّر حاجة العراق للمياه، وتحترم القرارات الدولية للمياه المتشاطئة،وان الخلل ليس في تركيا، وإنما في الحكومة العراقية، التي تفتقر الى سياسة مائية ،تقتضي بناء سدود ،تؤمّن حاجة العراق في الزراعة ،وتبعد عن العراق شبح الجفاف،ولكن يبقى الملف المهم الأخر،وهو طريق التنمية الإقتصادية، الذي تشترك في قطر والإمارات والعراق وتركيا الى اوروبا،ويعدّ أهم ممّر تجاري عالمي في الشرق الأوسط، يمكنه الإستغناء عن مضيق هرمزالى الأبد،حيث كان لقاء ممثلي هذه الدول في بغداد ،لإعلان إنطلاقته ،وهذا الممرّ الإستراتيجي، يزعج إيران، ولهذا تعمل على إفشاله بكل الطرق، وأولها دعم حزب البككا في العراق، بكل أنواع الدعم التسليحي، والمالي والاستخباري واللوجستي العسكري،لأنه الوحيد القادر إفشال مشروع طريق التنمية،بالقيام بعمليات عسكرية داخل الحدود التركية، وإنطلاقاً من أراضي العراق من أجل إقلاق وإرباك تركيا،ونجاح أو فشل هذا المشروع، يرتبط مباشرة بتواجد حزب العمال ،على الاراضي العراقية،لهذا تتهيأ تركيا بالقيام بحملة عسكرية كبرى داخل الاراضي العراقية، الى عمق أربعين كيلومتر،بمشاركة ودعم بغداد وأريبل ،وبناء قواعد عسكرية تركية ، وهذا العمل نعدّه ،أخطر من تواجد حزب العمال الكرستاني نفسه، لسبب بسيط هو من سيضمن خروج الجيش التركي ،من الاراضي العراقية ،بعد القضاء على البككا، وإنتهاء القتال معها،لهذا يجب على الحكومة العراقية ،إشراك الأمم المتحدة والجامعة العربية ومصر وامريكا، في مثل هذا خطوة عسكرية مصيرية ،لاسيما وأن هناك الآن أكثر من اربعين قاعدة عسكرية، للجيش التركي داخل أراضي العراق ، تمتّد من حدود سنجار الى حدود السليمانية ،هذا المشروع تقف خلفه دول الخليج العربي وامريكا واوروبا والصين ، يعدّ رئة إقتصادية عالمية، لايمكن الإستغناء عنها، ويجب إنجاحه، كي لايرتبط الإقتصاد العالمي ،بمضيق هرمز ويخضع لإبتزاز ومساومات إيران العسكرية والاقتصادية والتجارية،هذه الملفات التي حملها الرئيس أردوغان لبغداد، فماذا هيأت بغداد للزيارة، ومن المستفيد الأكبر منها،بالتأكيد بغداد لاتملك أوراقاً ضاغطة ،على حزب العمال الكرستاني التركي، لآنه يحظى بدعم لامحدود من إيران وأذرعها وفصائها،وثانيا بغداد لاتمتلك خطة وسياسة مائية إستراتيجية، تجبر تركيا بوصفها دولة متشاطئة مع العراق ،وخاضعة لقرارات الأمم المتحدة،وأن بغداد لديها وسائل ضغط كبيرة على تركيا لإخضاعها،و التفاهم على الملف المائي وتجاوزه، ومن هذه الأوراق التبادل التجاري ،والمنافذ الحدودية، وتصدير النفط والغاز، وملف التعويضات، والعقوبات الدولية ضد تركيا، وملف حزب العمال وغيره،ولكن كل هذا الاوراق، ليس بمقدور بغداد إستخدامها مع تركيا، لأن القرار العراقي متشظٍ وخاضع لمزاج ،ومصالح الاحزاب والكتل السياسية المتصارعة ، والدليل غياب السيادة العراقية على سماء العراق وارضه، من قبل أمريكا وإسرائيل وإيران وتركيا وغيرها، إذن المستفيد الأول من الزيارة هو الجانب التركي، لأنه يمتلك قراره السياسي والعسكري بيده.

زيارة تاريخية

لهذا نجيب على تساؤلنا في عنوان المقال ،هل هي زيارة تأريخية أم بروتوكولية،نقول بثقة إنها زيارة تأريخية وبروتوكولية بنفس الوقت، لأنها أظهرت قوة شخصية الرئيس أردوغان ،في تعامله وطرحه لقضايا ومصالح إستراتيجية ،تخص أمن وإستقرار تركيا،وجاء يفاوض من موقع القوة ، في حين يفاوض رئيس الوزراء العراقي من موقع الضعف والوهن ،الذي تعيشه العملية السياسية ،ويفرض المفاوض التركي شروطه ويمليها على الجانب العراقي،لأنه يمتلك الحجة الدامغة ،على وهن الموقف العراقي وعجزه تجاه القضايا المصيرية ،ومنها الأمن القومي والسيادة المنهارة،هذا ليس من باب النيل من شخصية السوداني، ولكنه واقع حال العراق، وما يواجهه من تحديات كبرى، في مواجهة الفساد والفشل والإرهاب ،والصراع السياسي والطائفي، لما أنتجته العملية السياسية التحاصصية ،عبر عشرين سنة من الفشل،نقول أيضا أن زيارة الرئيس أردوغان، تعطي دعماً وفرصة لحكومة بغداد، إنْ أرادت التخلّص من تواجد حزب البككا واليبشا ،ممن يحتلون ويسيطرون على سنجار وطول الحدود العراقية التركية والإيرانية ،وفرصة أخرى لحل اشكالية مزمنة بين بغداد واربيل  ،بخصوص تصدير النفط العراقي عبر جيهات وشركة سومو ،بمعنى هناك فرصة قد لاتتكرر في التاريخ ،واليوم يجب اقتناصها بوجود وحضور الرئيس اردوغان الى بغدااد، وهذه مشاكل تأريخية متأصلة، وعميقة الجذور بين بغداد وأنقرة، ويجب إنهاؤها الآن،والانطلاق الى علاقات حقيقية وجادة ،مبنية على التعاون في كل المجالات،وعدم الرضوخ لإملاءات الآخرين، وجعل مصلحة العراق أولاً،ولهذا قلت أنها زيارة تأريخية، لأنها ستؤرخ لأجيال قادمة ،وتؤسس لشراكة تجارية وأمنية وسياسية طويلة الأمد، قد لاتتتكرر مستقبلاً،وأي خلل وعدم تنفذ أي من ملفات الزيارة هو خسارة للطرفين، بالرغم من عدم رضى اطراف اقليمية لهذا الزيارة ، لآنها تشكّل عقبة في تعارض مصالحها الإستراتيجية في العراق، نعتقد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبغداد ،فاتحة لمستقبل مشرق للـــــــــــعراق والمنطقة ،إذا ما تم تنفـــــــيذ جميع الإتفاقيات التي وقعها الطرفان في بغداد ، وهي أكثر من26 أتــــــــــفاقية متنوعة، كلها تصب في مصلحة البلدين المصيرية،نــــــــــعم زيارة الرئيس أردوغان لبغداد تأريخية وبروتوكولية بإمتياز.!


مشاهدات 128
الكاتب عبد الجبار الجبوري
أضيف 2024/04/24 - 6:49 PM
آخر تحديث 2024/05/19 - 3:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 300 الشهر 7536 الكلي 9345574
الوقت الآن
الأحد 2024/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير