في الذكرى 93 لتأسيس الصنف.. كريمة طيار الملك غازي تتحدّث عن بدايات تأسيس القوة الجوية بحسب مذكرّاته الشخصية

رجاء حميد رشيد

نستذكر اليوم قامة عسكرية لاتنسى ،ترك بصمة تأريخية في تأريخ تأسيس القوة الجوية المصادف22 نيسان 1931، إلا وهو العقيد الطيار حفظي عزيز، الذي خدم بلده خلال العهد الملكي، والذي يعد أحد مؤسسي القوة الجوية ،وهي الفرع الجوي للقوات المسلحة والمسؤولة عن حماية سماء العراق، ومراقبة الحدود الدولية والممتلكات الوطنية والقيام بالعمليات الجوية.

طيار الملك

وبهذه المناسبة، أتاحت لي صلة القرابة مع كريمته الكبرى والأقرب الى نفسه خولة والدة زوجي معن القيماقجي لاستذكار والدها طيار الملوك العقيد الطيار حفظي عزيز، وكان لنا حديث  تأريخي شيق عن سيرته الاجتماعية والمهنية في القوة الجوية العراقية، ولد سنة 1908 في مدينة المحمودية جنوب بغداد، واحرز رتبة ضابط سنة 1929، وأحيل الى التقاعد لاسباب صحية سنة 1950 ،وأنتقل الى جوار ربه في عام 1990،عن عمر ناهز ال (82)عام ،تعلم القرآن الكريم على يد الملا جبار الأعرج ، ودرس الابتدائية في مدينة طويريج (الهندية) ثم أكمل دراسته في الاعدادية المركزية ببغداد ، كان رجلاً بمعنى الكلمة يتصف بصفات الرجال العراقيين، من شهامة وشجاعة ونخوة وحب لبلده وعائلته.

عن انخراطه في السلك العسكري و وفقاً لمذكراته الشخصية المدونة بخط يده وبالتفصيل الدقيق بحسب المكان والزمان ، وسجل خدمته العكسرية التي مازالت كريمته محتفظه بها لغاية الوقت الحاضر ،في الثاني من نيسان من عام 1927 ، كنت طالبا في الصف المنتهي في الاعدادية المركزية جاء نوري السعيد الى مدرستنا، وخلال زيارته دخل الى صفنا المدرسي قائلاَ» ملك العراق فيصل الأول يرسل لكم سلامه وتحياته، ويقول من منكم يحب أن يكون طياراً ؟،في ذلك الوقت لم نكن قد رأينا طائرة في حياتنا ، ورفع أثنا عشر تلميذاَ من بين خمسين ايديهم بالموافقة ، وكنت واحداً منهم، فقال نوري السعيد أنه سيرسل في الغد سيارات تأخذنا للفحص الطبي في معسكر الهنيدي ،الذي صار يعرف فيما بعد باسم معسكر الرشيد ، ولم ينجح في الفحص الطبي سوى أثنين فقط ورسب العشرة الآخرين ، الناجحان هما (قاسم البزركان وأنا) ، ثم أنسحب قاسم بعدما منعته عائلته من دخول المغامرة ، وبقيت وحدي،  وليس من المعقول أن يرسلوني وحيداً في بعثة لدراسة الطيران في بريطانيا ، فأخذوا من المدرسة العسكرية أربع طلاب آخرين وهم ( محمد علي جواد،ناطق محمد الطائي،موسى علي،ناصر حسين الجنابي) .

 أوفد مع رفاقه، وهم يمثلون أعضاء أول بعثة الى انكلترا لتعلم الطيران في كلية الطيران البريطانية (كرانوال) حيث بدأت الدراسة في ايلول 1927 ، واستمرت لمدة سنتين، تخرج من الكلية برتبة ضابط والتحق بسرب تعاون الجيش في انكلترا سنة 1929، وبقي لسنتين آخرين، ثم دخل دورة الاسلحة الجوية في انكلترا لمدة خمسة أشهر، ونجح بمعدل 75 بالمئة وذلك سنة 1930، أشترك بالسباق على القصف والرمي بالرشاش في انكلترا ،وفاز بكأسين فضيين في كلا السباقين، حاز على درجة (ممتاز) في الطيران في سربه بانكلترا في التاسع والعشرين 1931 وكان برتبة ملازم ثاني .

وفي الثامن من نيسان 1931 ،غادرنا لندن بطائرات من نوع ( جبسي موث) وجرى لنا توديع حافل، وقد أكدت الصحف البريطانية حينها ، بأن هذه الرحلة هي مغامرة خطرة ، نظراً لطول المسافة ، ولكون الطائرات بدائية جداً، ونشرت الصحف خبر الرحلة وصور الطيارين ، وسلكت الطائرات خلال رحلاتها المدن التالية كمحطات استراحة والتزود بالوقود( لندن،باريس، ليون،مرسيليه،ميلانو، زغرب،بلغراد، اسطنبول، حلب، الرمادي، بغداد ) وأستقبل الطيارون في كافة المحطات بكل حفاوة ، وخاصة في يوغسلافيا وتركيا، وقد اقامت الحكومة التركية أحتفالاً على شرف أول خمسة طيارين عراقيين أثناء مرورهم بتركيا.

رحلة العودة

وأضاف سبطه معن القيماقجي « حدثني جدي عن رحلة رجوعه التاريخية من انكلترا الى بغداد في الثامن نيسان 1931 قائلاً : طرنا على ارتفاعات تتراوح بين 2000_6000 قدم، و كان الطيران سهلاً فوق الأراضي المنبسطة، لكننا عانينا صعوبات جمة ونحن نجتاز جبال الألب والتي ترتفع قممها على المدى المقرر لطائراتنا، لذلك كنا نسير في شريط أي طائرة خلف الأخرى ، ونحلق بين الوديان متتبعين خطوط السكة الحديدية للقطار ، قطعت المسافة في طريق العودة من انكلترا الى بغداد ب (14) يوم ، وكانت الطائرات من نوع ( جبسي موث) وهي طائرة خشبية بسيطة وخفيفة خاصة للتدريب، سرعتها 80 ميلاً في الساعة ، واصفاً اياها بأن البعير أسرع منها، سعر الواحدة منها في ذاك الزمان 500 دينار عراقي ، وكان معهما طائرة أخرى هدية للملك فيصل الأول من نوع ( بولي موث) ،واجهنا صعوبات في هذه الطائرات وذلك لمحدودية مداها، والرحلة بين بريطانيا والعراق طويلة ، لذا زودت هذه الطائرات بخزانات وقود اضافية، وجهزت بمضخة يدوية ، ووضعت لدى الطيار لضخ البنزين الى الخزان الرئيسي، هذه العملية اضافت عبئاً مرهقاَ آخر للطيار، وأخيراً في الخامسة من عصر 22 نيسان 1931 ، وصلت الطائرات الى بغداد ، وحينها كان صوت الطيار ناطق الطائي يصدح بسماء بغداد معلناً عبر مكبرة الصوت عن وصول البعثة العراقية للقوة الجوية ، و قد دهش الناس لهذا الصوت ، ثم هبطنا في معسكر الوشاش ( حديقة الزوراء) حالياَ ، وكان في مقدمة المستقبلين الملك فيصل الأول وشقيقه الملك علي، والأمير زيد والأمير غازي واستقبل الطيارون استقبالاً حافلاً شارك فيه الوزراء وعدد كبير من موظفي الدولة والوجهاء وأصطف تلامذة مدارس بغداد على جانبي الطريق من المطار الى وزارة الدفاع ترحيبا بنا ، وقد عانق الملك فيصل الأول الطيارين وهنأهم بسلامة الوصول ، وبذلك أصبح ( يوم خمسة ذي الحجة 1349 المصادف 22 نيسان 1931) أحد الأيام الخالدة في العراق بوصول أول رف طائرات عراقية،وبداية تأسيس القوة الجوية العراقية والتي أطلق عليها وقتها ( القوة الجوية الملكية العراقية).

كما أشارت كريمته خولة لحادثة مأثورة عن بطولة وشجاعة والدها، وهو الأبن الوحــــــــــيد لعائلته حدثها قائلاً: عندما عملت طياراً خاصاً للملك غازي وهو لايزال أميراً في عام 1932، وفي أحدى المرات وكنت أنقله من الموصل الى بغداد ، فجأة توقفت المروحة فوق بلدة (بلد) وهبطنا هبوطاً اضطرارياً فوصلنا الأرض بسلام، وعندها عانقني الأميرغازي شاكراً، وأهداني صورته الشخصية مذيلة بتوقيعه .

 وعن نهاية رحلته مع الطيران ولأسباب صحية يقول عزيز» في العام 1950 وصلت العراق طائرة جديدة من نوع ( فيوري) ذات خمس مراوح ، وقد تردد الطيارون الآخرون في التحليق بها، لكني تصديت لذلك وحلقت ، فأغرتني سرعتها الفائقــــــــــة قياساَ لطائرات ذلك الوقـــــــــت وارتفـــــــــــعت بها متجاوزاَ المدى المقرر، فتعرضت لنزف في الرأس ، وعلى أثرها تركت القـــــــــــوة الجوية بعد تلــــــــك الحادثة ، وسافرت الى انكلترا لإجراء أربعة عمليات جراحية.

طار من انكلترا الى بغداد ثلاث مرات بطيارة (الجبسي) سنة 1931،وبطيارة ( دراغون ) سنة 1933،وبطيارة (الاوداكس)سنة 1934، احرز على درجة (ممتاز فـــــــــوق العادة) في الطيران بتقدير من الانكليز وكان برتبة رئيس، في 22/12/1953، ونجح بدرجة ممتاز في مدرسة الاسلحة الجوية والقتال الجوي في انكلترا (للتخصص) وحصل على معدل 85 بالمائة ومنح لذلك سمة واحدة قدماً ممتازاً.

رتب ومناصب

انتخب طياراً خاصاً للملك غازي 1936،عندما كانب برتبة رئيس ، كما انتخب طياراً خاصاً للملك فيصل الاول ولعبد الاله الوصي على عرش العراق سنة 1945 وكان برتبة مقدم.

وشغل ستة مناصب : آمر السرب الرابع المقاتل وكانت طائراته (كلادييتر) سنة 1937 وكان برتبة رئيس، آمر السرب الخامس القاصف _المقاتل، وكانت طائراته( البريدا) سنة 1938_1941،آمر السرب الثاني للمواصلات وكانت طائراته (دراغون) سنة 1940،آمر مدرسة الطيران وسرب التدريب ، وكانت طائراته(اوداكس)سنة 1942و كان برتبة مقدم،آمر السرب السابع ، وكانت طائراته(دوكلاس)من سنة 1941 ولغاية 1946، آمر معسكر الموصل   للفترة من 1946 الى 1950،،وقاد طائرات الملك عبد الله ملك الأردن ، والملك فيصل الثاني في العراق.

كان قائداً للطيارات القاصفة الايطالية (سافويا) متًبعاً الخط من (ميلان ،صقلية ،طرابلس، بنغازي،  القاهرة ، فبغداد ) وذلك سنة 1938، طار مع رفاقه الى (انقرة) ذهاباً واياباً للاشتراك في عيد جمهورية تركيا سنة 1934، وسفرات كثيرة اخرى الى الكويت ،عمان،حلب، بيروت، الشام ، القاهرة ، وكذلك الى تل ابيب في فلسطين سنة 1942. كان عدد الطائرات التي تمكن من قيادتها 29 نوعاً من الطائرات الانكليزية ،ايطالية ، امريكية، وله (3000) ساعة من الطيران، كان عضواَ في الوفد الذي سافر الى ايطاليا لشراء الطيارات والاسلحة سنة 1937، وكان رئيساً للوفد الذي سافر الى ايطاليا لشراء الطيارات والاسلحة سنة 1941.

المؤهلات العلمية والثقافية: حاز على شهادة ثانوية، كلية،عالية، شهادة (اختصاص) في الاسلحة الجوية والقصف والقتال الجوي.

المؤلفات : 12 كتاباً في القصف ، تاريخ القوة الجوية ، تعبئة والقتال الجوي، واخرى في الملاكمة والتربية البدنية .

المستوى الرياضي: احرز على ثلاث بطولات في الجيش : السباحة ،والتنس ، والملاكمة ،احرز على الدرجة الثانية في انكلترا في الالعاب : رمي الثقل ، الطفر العالي والطويل،100 يارد، السباحة، الملاكمة وذلك بين سنة 1928 _1936.

انتخب لرئاسة لجنة العاب الجيش سنة 1945.