حسن النواب
في الركن القصي تحت موضع التلفاز المعلَّق على الجدار في مقهى حسن عجمي، جلس الشعراء الثمانينيون وعيونهم ترقب باب المقهى خشية من مداهمة مفارز الانضباطية لهم؛ ليس كلهم كانوا قلقين؛ فلقد كان سعد جاسم طالبا في المرحلة الأخيرة من أكاديمية الفنون الجميلة؛ والأمر ينطبق على باسم المرعبي ومحمد مظلوم ومحمد تركي النصار وحتى صلاح حسن الذي دخل الحرب وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة؛ هناك وسام هاشم يصهل كفرس في برية وحميد كاظم الصائح الذي تمكن من احتلال صفحة النقد في جريدة الجمهورية والتي كانت تشرف عليها نازك الأعرجي؛ كانت مسرحية الرهن مازالت تعرض خلف سينما النصر لفرقة مسرح الفن الحديث، ومنها برز اسم الفنان عبد الأمير شمخي الذي أعدَّ المسرحية من مجموعة قصصية لفؤاد التكرلي بعنوان الوجه الآخر، وكان الصائح مطمئنا لما كتبه عن المسرحية، فيما كان زعيم نصار وحسين الصعلوك يتجولان على مهل بحثا عن كتاب منسي على الأرائك؛ إذْ أنَّ أحدهما أمهر سارق للكتب؛ لا ينسى صديق الغجري كيف خبَّأ حسين الصعلوك كتاباً شعرياً لأمل دنقل تحت قميصه بخفَّة ساحر في موسم الشتاء؛ ولما ضبطه صاحب المكتبة علَّل ما فعله قائلاً:
- رأيت أمل دنقل يرتجف من البرد فوضعته تحت قميصي ليتدفأ.
بينما كان المانعي مضطرباً بعد البيان الشعري الذي ضمَّنهُ مع مجموعته الشعرية طقوس الطين؛ فلقد كتب عنه الصحفي أحمد هاتف نقداً لاذعاً في زاويته الأسبوعية بجريدة القادسية وأدرك شهريار الصباح؛ وبعدها كشف البعض من الأدباء أن هذا الصحفي قد استولى على أكثر من مقالة من كتب التراث القديمة ودبلجها بقليل من المفردات الحديثة لتتماشى وروح العصر. فيما دخل إلى المقهى الشاعر سلام كاظم بشعر حليق وكتاب دخان المنزل بيده وهو ديوانه الشعري البكر؛ وكان قد قرأ قبل أيام قصيدة طويلة في اتحاد الأدباء أثارت لغطاً وأعجبت الحاضرين وكان اسمها الملوك العُزّل، ها هو يجلس بجوار كمال سبتي الذي نشرت له مجلة ألف باء نصاً نثرياً جريئا بعنوان الأقبية؛ رباح نوري المصحح في جريدة القادسية والذي يمرح ويسرح بسيارة أخيه الشهيد كان ملازماً للقاص ثامر معيوف رئيس القسم الثقافي لجريدة القادسية، الذي كوَّر يده اليمنى محرِّكاً إياها إلى الأمام والخلف وقال متهكماً:
- فيضان بحجم الكف.
وكانت حركة يده تشير بوضوح إلى حركة جنسية؛ أراد من خلالها ذم كاتب تلك القصة التي تحمل هذا العنوان؛ القاص محمد مزيد دخل المقهى مرتبكاً فلقد كتب بواحدة من قصصه ضغط على الفرامل فانطلقت السيارة؛ لكنه كان يتباهى بقصته غرفة في الهواء، شوقي كريم حسن مخبوص بجماعة تضاد يفبرك البيانات وينشر الإعلانات، بينما حميد المختار مازال يعتمر قبعة زرقاء وقد أرسل شعره ليلامس كتفيه وهو مطمئن لردود الأفعال عن رواية النزلاء التي طبعها على حسابه الخاص. أما عبد الرضا الحميد كان أترابه يحسدونه على غزارة النشر؛ إذْ تمكَّنَ من نشر ثلاث مجاميع قصصية خلال عام واحد وهي على التوالي سيدة المياه وكنت مع العريف والمجموعة الثالثة ستصدر قريباً بقصص لها لباس المعركة كما تسميها السلطة. يمرق مثل طائر قطا خائف الشاعر أحمد عبد الحسين ويختفي عن الأنظار فقد كان هارباً من الحرب بعد فصله من الدراسة؛ وفجأةً يخيم السكون على المقهى؛ هل دخل جان دمو كلا؛ فهو لم يزل يستحم في حمَّام الفندق كي يزيل عرق الليالي عن جسده المتهالك بالشعر المترجم؛ وما بين صراع قصيدة النثر وبنيوية مالك المطلبي وواقعية كزار حنتوش الذي دخل المقهى بقميص أبيض وهو يحمل رماد الشعر بين عينيه وهدوء عبد الزهرة زكي الذي ينذر بعاصفة مقبلة؛ يرى صديق الغجري أدباء المحافظات والذي هو أحدهم يحتلون إحدى زوايا المقهى بخجل ووقار وفي صدورهم تنضج على مهلٍ أحلام أدبية وإبداعية لا حدود لها.