الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عِنْدمَا تُدَار الدَّوْلة بِغَير رِجالِهَا

بواسطة azzaman

عِنْدمَا تُدَار الدَّوْلة بِغَير رِجالِهَا

 محمد خضير الانباري

 

    في كثيرٍ منْ الأحيان، تدار بعضُ الدولِ المصنفةِ ضمنَ دولِ العالمِ الثالثِ منْ قبلُ فئةٍ محدودةٍ تحتكرُ السلطةُ وقرارُ الحكم ، بعد وصولها إلى الحكمِ عبرَ ديمقراطيةٍ مشوهةٍ وناقصة، وربما بدعمٍ منْ أطرافٍ أجنبية، إلى جانبِ ما تمتلكهُ منْ مالٍ ونفوذٍ. في المقابل، يقصى الآخرين ، منْ أصحابِ العقولِ النيرة، والخبراتُ الحقيقية، والكفاءاتُ العلمية، والشهاداتُ الأصيلة، والتخطيطُ السليم، والنزاهةُ الفكريةُ والبدنيةُ والمالية، لافتقارهمْ إلى تلك المقومات، أو إلى تخلفِ الوعيِ الشعبي نتيجةُ الجهل أو التخلف في دعمهم لإيصالهم الى السلطة، أوْ لتأثيرِ المالِ والجاه في توجيهِ الدعمِ والولاءات.

    وهنا، يبرزَ الخطرُ الحقيقيُ على الدولة، حينَ توكلُ إدارتها إلى أشخاصٍ يفتقرونَ إلى الإحساسِ بالمسؤوليةِ الوطنية، ويقدمونَ مصالحهمْ الشخصيةُ ، ومصالحُ الجهاتِ الخارجيةِ الداعمةِ لهمْ على مصلحةِ شعوبهم. فهذهِ الحالةُ ليستْ مجردَ طرحٍ نظري، بلْ واقعٌ أكدتهُ تجاربُ تاريخيةٌ ومعاصرةٌ في دولِ عدة، إذْ أسهمَ سوءُ الإدارةِ والارتهانِ للطرف الخارجي في تراجعِ الاقتصادِ والتعليمِ والأمن وانتهاكَ حقوقِ الإنسان، وألحقَ ضررا واسعا بمختلفِ نواحي الحياةِ العامةِ، نتيجةَ الخضوعِ لتلك الإملاءاتِ الخارجيةٍ.

    قرأتُ هذا العنوان، ولوْ بشكلٍ مقاربٍ له، في تعليقٍ لأحدِ الكتاب، تناولُ فيهِ مسألةُ الانقلاباتِ العسكريةِ في بعضِ الدول، مشيرا إلى تسلسلِ هذهِ الانقلاباتِ التي غالبا، ما تحظى بدعمِ قوى دوليةٍ كبرى أو متنفذة من الجار أو الصديق اللعوب، سواءً عبرَ مساندةٍ لضباطٍ صغارٍ أوْ شخصياتٍ خارجةٍ عنْ الإطارِ القانونيِ، ويتجلى ذلكَ في وقتنا الحاضر بوضوحِ في عددٍ منْ الدولِ الإفريقيةِ وغيرها. في مثلٍ هذهِ الحالات، يتقدمَ الولاءُ لمن في السلطة لتلكَ القوى الخارجيةِ على حسابِ المبادئِ والقيمِ الوطنية. أما الموقفُ السليمُ تجاهَ منْ وصلوا إلى السلطةِ بعدم الدعمِ الأجنبي، وهم- في الوقتِ نفسه- يرفعونَ شعارُ الوطنية، فيكمنُ في الاعترافِ الصريحِ والشفافِ بهذا الدعم، معَ التمسكِ المتوازي باستقلاليةِ القرارِ الوطني. وأنْ يوجهوا للداعمِ الأجنبيِ رسالةً واضحةً مفادها:  )لقدْ ساعدتني، وأنا أقدرُ دعمك، لكنني لنْ أكونَ تابعا لكَ مهما كانَ موقعكَ أوْ نفوذكَ الدوليِ، فالعلاقات الدولية، ومصالح شعوبنا هي التي تحكم بيننا ( . فالأولويةُ يجبُ أنْ تبقى دائما للوطنِ وللشعب، وأنَ تقدمَ مصالحهما العليا على أيِ اعتبارٍ آخر.

      فبهذا النهجِ الوطني، يمكنَ الحفاظُ على استقلاليةِ القرارِ الوطني، وكسبَ الاحترامِ والمكانةِ في المجتمعِ الدولي، دونُ الوقوعُ في تصنيفِ التبعيةِ أوْ العمالةِ لأيِ جهةِ خارجيةٍ، وتؤكدُ تجاربُ التاريخِ أنَ مصيرَ الحكوماتِ التي ترتهنُ لإرادةِ الخارجِ غالبا ما يكونُ لها السقوطُ السريع، فمنْ ارتمى في حضنِ الأجنبي، وباعَ أرضهُ بثمنِ الأمانِ المؤقت، ونسيَ أنَ الأجنبيَ لا يحتضنُ إلا ليقيد، ولا يحمي إلا مصالحه، ومنْ قدمَ ولائهِ للغرباءِ على شعبه، سقطَ حينَ ظنَ أنهُ ارتفع، وخسرَ اسمهُ في سجلِ الكرامة.

    هنالك مثلٍ عراقيٍ شائعٍ يقولُ ( أكلمكُ بابنتي واسمعي يا جنتي ) ، ها وقدْ وصلتْ الرسالة.


مشاهدات 29
الكاتب  محمد خضير الانباري
أضيف 2025/12/28 - 2:14 PM
آخر تحديث 2025/12/29 - 9:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 783 الشهر 22081 الكلي 13005986
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير