الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تحاكي الأغنية مشاعر الفقراء

بواسطة azzaman

حين تحاكي الأغنية مشاعر الفقراء

محمد خضير الانباري

 

شهدت ستّينيّاتُ وسبعينيّاتُ القرنِ الماضي؛ ازدهارَ بعض الأغاني المعبرة عن معاناة الناس، وهي أغانٍ تحملُ ألفَ معنىً ومعنى، وتزخرُ بنقدٍ ذكيٍّ للحكوماتِ القائمةِ آنذاك. لقد أبدع شعراء الأغنية العربية وملحينها في كتابة كلماتها وألحانها في مصر والعراق ولبنان، من خلال تصويرِ الواقعِ السياسيّ ونقدِه، فكان الجميعُ يُردّدها في كلِّ محفل، مُحدِثةً، ردودَ فعلٍ كبيرة في تأجيجِ الشارعِ ضدّ فساد الحكومات، ولا سيّما الأغاني ذاتُ اللحنِ الخفيفِ والسهلِ الممتنع، كأغاني ( عزيز علي) في العراق، و( محمود شكوكو) في مصر، و(فيروز) في لبنان. منها أغنيتها الشهيرة: (السّيّارة مش عم تمشي)، من كلماتِ وألحانِ الأخوينِ رحباني.

لقد جاءت هذه الأغنيةُ بديعةً في تعبيرِها، صادقةَ المعنى في ترجمةِ الواقعِ السياسيّ اللبنانيّ السائدِ آنذاك، كاشفةً عجزَ الحكومةِ اللبنانيّةِ عن تسييرِ شؤونِ الدولة، وقد طغى انتشارُها على أغاني كبارِ المطربين، لأنّها دخلت إلى قلوبِ المواطنين قبلَ مسامعهم، حتّى غنّاها الطفلُ في المدرسةِ، قبلَ أن يُؤدّيَها المطربُ على خشبةِ المسرح. وكان أبرز مقاطعها:

السيارة مشَ عمٍ تمشي -  بدنا حدا يدفشها دفشة

بيحكو عنْ ورشةِ تصليحٍ - وما عرفنا وينة الورشةُ

ونحنُ نتابعُ المشهدُ السياسيُ في العراقِ منذُ أكثرَ منْ عشرينَ عاما، ولمْ يتحققْ التغييرُ الذي تمنيناه، كشعب راغب في التغيير والتجديد، ففي كلِ دورةٍ انتخابية، ومعَ بروزِ وجوهِ وشخصياتِ جديدة، كنا نتأملها خيراً، ولكن سيارة الحكومة ، لم تتحرك، ولم يستطع أحد ما تحريكها، ولم نجد المصلح الذي يصلحها، ولا حتى ورشة التصليح، وبعد التحليل والتنظير من ذوي الشأن السياسي، فقد توصلوا الى أسباب العطل في سيارتنا، تكمن في النكول في الوعود والقسم  بعد الفوز، بعد استلام المالات وتقاسم الكعكة مع الآخرين، وتناست برنامجها الانتخابي .

لقد امتلأت بطونُ بعض الجياع إلى السلطة والجاه والمال، وتوردت خدودُ بعض صاحبات الكعوب، بينما لا يزال ملايين الفقراء ينقّبون في القمامة بحثًا عن لقمة تسدّ رمقهم. قبل أيام قليلة، شاهدتُ مقطعًا مؤلمًا من برنامج (مع العزيز) الذي يقدّمه الناقد المتميّز (حسن شويع)، المعروف بتسليطه الضوء على الظواهر المجتمعية. فقد وثّق المقطع مشاهد صادمة لما يجري في قمامة علوة الخضار؛ حيث يظهر طفلان من أهالي مدينة المحمودية، التي تبعد نحو ثلاثين كيلومترًا عن مركز بغداد، يقدمان عند الساعة الثانية فجرًا لجمع الخضراوات التالفة من النفايات، ثم يعيدان بيعها للفقراء بأسعار زهيدة، ياله من مشهدٌ قاسٍ تختصر فيه المأساة: من فقيرٍ إلى فقير، يا له من واقعٍ موجع لبلدٍ يبلغ فيه شعبه هذا الحد من العوز والفقر والجوع.  فماذا سنقولُ للهِ يومَ الحساب؟ هلْ سنقولُ إنَ كرسيَ السلطة اللعين أعمى بصائرنا، فنسينا أنَ نبنيَ العدالةُ التي أمرتنا بها؟ بعد أن أصبح اللصُ والسفيهُ متصدري المشهد، بينما يقصى المثقفُ والأديب جانباً، حيثُ يصلُ  البعض منهم إلى مدرسته أوْ وظيفته بدراجةِ الشحنِ أوْ التكتك أوْ الستوتة بسبب الازدحامِ أوْ الفقر، التي أدخلتْ إلى إقليمِ شبهٍ القارةِ الهنديةِ الجديدِ- فرعُ العراقِ- بعدَ التحريرِ والتحولِ منْ النظامِ الديكتاتوريِ إلى النظامِ الديمقراطي.


مشاهدات 11
الكاتب محمد خضير الانباري
أضيف 2025/12/21 - 3:48 PM
آخر تحديث 2025/12/21 - 11:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 62 الشهر 15978 الكلي 12999883
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير