خطوات وذكرى.. ذاكرة لاتنطفئ
إحتفالية تكرّس حضور الكلمة الأنثوية في المشهد السردي بالموصل
هدير الجبوري
في أجواء أدبية دافئة تنبض بالحنين والجمال، احتضنت مؤسسة يوسف ذنون للثقافة والفنون في الموصل احتفالية مميزة لتوقيع المجموعة القصصية الجديدة «خطوات وذكرى» للكاتبة والصحفية العراقية هدير الجبوري. وقد شهدت القاعة حضوراً نخبوياً لافتاً ضمّ عدداً من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي في الموصل، الذين توافدوا للاحتفاء بمنجز أدبي جديد يضيء المشهد السردي في المدينة.
عوالم انسانية
قدّم الكاتبة خلال الحفل كلٌّ من الكاتب والتشكيلي طارق الشبلي، والدكتور الأكاديمي أحمد جارالله ياسين، حيث أضاءا جوانب من التجربة القصصية للجبوري، وما حملته من عوالم إنسانية مفعمة بالتأمل والحنين واستنطاق الذاكرة بأسلوب شفاف وعميق.
الاديب الدكتور احمد جار الله ياسين قال للزمان
أن المجموعة القصصية الجديدة لهدير الجبوري كُتبت وفق تقاليد القصة القصيرة الكلاسيكية والاقتداء بشروط هذه القصة مع بناء واقعي للاحداث التي نعيشها ولاتوجد فيها فانتازيا أو أسطرة او شخصيات خيالية تنحو بالاتجاه الآخر..وأغلب البطولة للشخصيات كانت فيها للاناث ، الطفلة ثم الشابة والمراهقة والانثى التي أستحوذت على مجموعة القصص
وقال ان القصة الاولى تحدثت عن وجود القوى الغيبية متمثلة بالمَلك الصالح ..والقصة الثانية عن شخصية سورين التي كلما أتجه للنهاية تحاول البطلة الطفلة أن تؤجل موته كأننا ممكن ان نؤجل الموت بالنقود والرشاوى أن صح التعبير حسب تصور الطفلة في القصة..
وفي قصة أخرى كيف أن الحرب خطفت الشاب الضابط وبأخرى تحقق الهجرالموجع تحت الضغوط الطبقية ،، وباقي القصص تناولت نساء كبيرات بالسن وشابات وهناك مايخلخل الاستقرار العاطفي والنفسي لهؤلاء النسوة واغلبهن يمتلكن أمنيات لم تتحقق في الطفولة كما في قصة اللعبة..
ويقول جارالله ان النساء في هذه القصص يشعرن بالوحدة والانطواء..وبنزعة رومانسية تتجلى بين الاختين او الصديقتين..وهناك لغة بلاغية تختصر الكثير من المعاني والرومانسية ..وقد اختارت الكاتبة الجبوري الزمن أما خريف أو شتاء لينسجم مع الجو الرومانسي حيث تجد فيه نظيراً رومانسياً يحاكي أحزان الذات المكبوتة فأن تحديد الزمان هو من سمات هذه القصص وكذلك تحديد المكان ..والنصوص كانت تتحدث عن حدث في الماضي وبيت الجد أو الاب أو الطريق للمدرسة..وتشعر في سير أحداث القصص كأنها قريبة وأشبه للسيرة الذاتية للكاتبة وربما عاشت مثل هذه الاجواء والمحطات.
واغلب القصص يقترب من ( الراوي العليم ) الذي لديه علم بكل شئ وهو من سمات القص الكلاسيكي الذي تخلى عنه القص الحديث وأصبح بصوت الأنا الذي يحدث الان في القصص.ماعدا قصة موقف الباص..والمشكلة ان الراوي العليم يقودنا رغماً عنا الى مايريد..ويقول جارالله ان نهاية كل قصة كانت أشبه بموعظة وحكمة كما في سمات القص الكلاسيكي ، والانثى كانت أما أنثى جسداً كبيراً ومكانة أجتماعية ولكن في أعماقها طفلة..والاحتفاظ بالطفلة داخل الانثى الكبيرة وعودة الى الزمن البدائي التي جعلت بطلات القصص يشعرن بالامان وهن في مرحلة الطفولة، وهناك الانثى التي تكبت مشاعرها لاعتبارات اجتماعية ونفسية لكن تبقى في داخلها تحاول ان تعبر عن ذلك..القصص فيها عتباً ناعماً للرجل وحتى الرجل في قصة ما وهو طفل يخدع المرأة ويحاول ان يزرع الخوف فيها..ورجل آخرفي قصة أخرى ضحى بحياته من أجل الوطن وترك المرأة بدونه..وهناك عتب آخر ناعم للاب الذي لم يستطع شراء لعبة لطفلته في احدى القصص..اخيراً يقول جارالله ان الكاتبة كانت موفقة في كل شئ حتى في عنوانات القصص التي جاءت مناسبة لمضمون كل قصة....
واوضح الكاتب طارق الشبلي في معرض حديثه عن خطوات وذكرى بأن عناوين المجموعة القصصية كانت مباشرة سلسة وسهلة، أعطت مدلولات إيحائية ولكن بدلالات التماسك مع مضامين القصص الوجد، الفقد، الألم، محركات الماضي.
لوحة بانورامية
تطرّقت المجموعة القصصية بلوحة بانورامية للإدهاش بالحنين الذي مضى الى الماضي في جوانبه المعقولة ولما أجراه من انعكاسات نفسية .
هي مجموعة سرية باختيار الشغف على هيبة الأثر ولم تخلُ من التآسي الصامت غير المعلن عن أوجاع البطلات..
واستطرد قائلاً حين نقرأ لهدير الجبوري نجد كيف أنّ البساطة والعذوبة في المرحلة الأولى من حياتنا والتي كنا نعيشها دون تعقيدات، لصيقة بوجداننا، وحين فقدناها صرنا نبحث عنها ونتقصّى أثرها في ملامح الحياة العابثة بوجع.
لكلٍ منا حنينٌ لشئ من طفولته، لطُهره ودفئه، وكيف أنّ الوالد والوالدة أو الأم أو الجدّة كانوا علامة حياة غائبة، جعلت من الماضي حاضراً لا يُنسى، ومن الذكرى هويةً تُقاس بها إنسانيتنا.
حين نقرأ (خطوات وذكرى) نُعيد اكتشاف أنفسنا ونلامس ذلك الجزء الخفيّ من أرواحنا، الذي تاه بين صخب العالم وصمته، بين الحب والخذلان، بين الأمل واللاجدوى.
تكتب هدير بلغة مشحونة بالعاطفة والصدق، تنسج تفاصيلها كأنها تُطرّزها بخيوط القلب، في كل قصة شيء من النقاء المفقود، من طفولة لم نغادرها فعلاً وإن غادرناها جسداً.تُدخلنا الكاتبة في عوالم داخلية عميقة، تُحاور بها وجع الإنسان واغترابه، دون أن تُغرقنا في التنظير أو التكلّف، بل تمضي بخفّة ظل وصدق وجداني لافت.نقرأها فنشعر كأننا أمام مرآة، تُرينا وجوهنا الأخرى، تلك التي خبّأناها عن العالم تحت أقنعة القوة، وهي تهمس: ما زال فينا ما يستحق الحياة.
ولعلّها بهذا العمل القصصي تثبت أنّ الأدب ليس ترفاً بل ضرورة للروح، وأن الحكايات الصغيرة قد تُنقذ قلوباً كبيرة من الفناء.
(خطوات وذكرى) ليست مجموعة قصصية وحسب، بل مرآة لحياة كاملة تمشي بين السطور.وقال الصحفي صباح سليم ان حفل توقيع الكتاب كان أدبياً بهيجاً بكل معنى الكلمة، حيث امتزجت رهافة الحرف بنبض المشاعر في أجواء من الدفء الثقافي والإنساني، خلال حفل توقيع المجموعة القصصية «خطوات وذكرى» للكاتبة الجبوري. وكان الحضور نوعياً ومتنوّعاً، جمع بين الأدباء والنقاد والإعلاميين ومحبّي الأدب، الذين اجتمعوا ليحتفوا بمنجز جديد يضاف إلى سجلّ الإبداع النسوي في الموصل، هذه المدينة التي ما زالت تنبض بالحياة والإصرار رغم ما مرّت به من محن.
لقد جاءت مجموعة «خطوات وذكرى» لتؤكد أن الإبداع النسوي في الموصل والعراق يمضي بخطى واثقة، مضيفاً إلى المشهد الثقافي صفحات ناصعة بالجمال والفكر والتجربة الإنسانية الصادقة. فهي ليست مجرد إصدار قصصي، بل مشروع سردي يحمل وعياً إنسانياً مشتركاً، ويقدّم رؤية فكرية متعمّقة لعالم المرأة من الداخل بلغة شفافة تجمع بين الحنين والرؤيا. تكتب هدير الجبوري من قلب التجربة لا من خارجها، فتجعل القارئ يعيش تفاصيل الحكاية كأنه أحد شخوصها، متنقلاً بين عوالم الطفولة والنضوج، بين الحلم والخذلان، وبين الذات الفردية والهمّ الجمعي في مجتمع يسعى إلى توازنه بين التقاليد والتحديث.
وضمّت المجموعة ست عشرة قصة تنبض بالحياة، تتناول التحوّلات النفسية والاجتماعية للمرأة العراقية، وتوثّق لحظات الصراع بين الواقع والطموح، بلغة تجمع بين الشعرية والتكثيف السردي.
وقد أثرت جلسة توقيع الكتاب القراءتين النقديتين التي قدّمها كل من الأكاديمي أحمد جار الله ياسين وطارق الشبلي ، حيث تناول جارالله المجموعة برؤية تحليلية دقيقة، مشيراً إلى اعتماد الكاتبة أسلوباً كلاسيكياً في بناء القصة القصيرة، مع تماسك الحبكة ووحدة الحدث والفكرة، فضلاً عن توظيفها الذكي لتقنية الراوي العليم التي منحت النصوص عمقاً نفسياً لافتاً. أما القراءة الثانية فكانت للكاتب طارق الشبلي فقد تناولت العمل من زاوية جمالية وفكرية، ورأى فيه خريطة شعورية لأنوثة عراقية تتجاوز حدود الذات لتتماهى مع الذاكرة الجمعية وسردية الوطن، مؤكداً أن «خطوات وذكرى» ليست مجرد نصوص أدبية بل تجربة فكرية وإنسانية توثّق مراحل الوعي النسوي منذ البذرة الأولى وحتى اكتمال الرؤية.
وتعد الكاتبة هدير الجبوري صوت أنثوي متميّز يجمع بين دقة الحسّ الصحفي وعمق الرؤية الأدبية. عُرفت من خلال مقالاتها في جريدة الزمان الدولية، ومن خلال أعمالها الأدبية السابقة: همس الجواري، ذات يوم، يوم حلو يوم مر، أزاهير موصلية، وأزاهير عراقية. وفي مجموعتها الجديدة تواصل مشروعها الإبداعي القائم على تفكيك التجربة النسوية واستذكار مراحل حياة الأنثى بصدق وشفافية، مستلهمة من ذاكرتها الشخصية ومن بيئة الحيّ البغدادي الغير معلن والذي شكّل وجدانها الأول.
وخارج نطاق الأدب، تُعدّ هدير الجبوري واحدة من الوجوه النسوية الفاعلة في نينوى، فهي صحفية وكاتبة تحمل شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة المستنصرية، تكتب في جريدة الزمان الدولية وتشغل منصب مسؤولة أمانة شؤون المرأة في اتحاد الصحفيين العراقيين في فرع نينوى. كما شاركت في عدد من الصحف والمجلات المحلية والدولية، بينها مجلة خاتون مونتريال الكندية، وهي عضو مؤسس في رابطة كتاب تاريخ الموصل وتراثها، وعضو في اتحاد كتاب الإنترنت في العراق، ومدربة دولية معتمدة في التنمية البشرية وقضايا المرأة، فضلاً عن إعدادها وتقديمها لبرنامج «نصف العالم» الذي يستضيف شخصيات نسوية مؤثرة في المجتمع الموصلي.
واود ان انوه ان الحفل لم يخلوا الحفل من نغمة وجدانية عزّزت أجواءه؛ إذ قدّم الفنان نبيل حسون عزفاً موسيقياً جميلاً بمشاركة ضابط الإيقاع الشاب عمر الفارس، ليختتما الأمسية بمقطوعات تناغمت مع روح الكتاب ومضامينه، في لحظة ختامٍ تليق بهذا المنجز الأدبي الذي أعاد للموصل صوتها الحيّ وذاكرتها المضيئة..
وقالت الناشطة المجتمعية وإحدى العضوات البارزات في مؤسسة يوسف ذنون للثقافة والفنون إن كتاب خطوات وذكرى للكاتبة هدير الجبوري قد أسرها تماما وانتزعها من واقعها ليغمرها بعالمه الخاص، حيث شعرت بكل ما مرت به الشخصيات والأحداث، وتأثرت بعمق بالأسلوب والأفكار التي نسجت بها الكاتبة نصوصها.
وأضافت: لقد أدهشني أسلوب الكاتبة في بناء الحكايات، وكيف استطاعت أن تنسج الخيوط ببراعة متناهية تجعل القارئ يعيش التفاصيل وكأنها تحدث أمامه. تملك الكاتبة قدرة نادرة على تحويل المشهد إلى صورة نابضة بالحياة، حتى شعرت أنني أتنقل بين صفحات الكتاب كمن يعيش داخله.
وتابعت بقولها: كنت أقرأ القصص وأشعر أنني جزء من كل حكاية، أتنفس مع الشخصيات، وأحزن وأفرح كما لو كنت إحداها. ورغم أنني أنهيت الكتاب إلا أنني أشعر أن أثره لا يزال يسكنني وكأنني لم أخرج من عالمه بعد.
وختمت حديثها قائلة: أعود فأقولها بصدق، لقد سرقني هذا الكتاب تماما، وجعلني أترك كل شيء جانبًا لأقرأه من الغلاف إلى الغلاف دون انقطاع.