الركض إلى عبادان… سباق الدراهم الذي لا ينتهي!

أحمد جاسم ألزبيدي

زمنٌ كان فيه الحلم أكبر من الجيب

في ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، كانت مدينتي الوادعة تنبض بالحياة والتعليم، قبل أن يخنقها الغبار الانتخابي والشعارات الفارغة.

كنا فتيةً نقرأ بنهم، نلتهم الكتب كما يلتهم الجائع رغيفًا ساخنًا، ونتفاخر بعدد الروايات التي أنهيناها، لا بعدد العقود التي وقّعناها.

السينما والمسرح كانا بوابتنا إلى العالم، لا إلى الشهرة.

المسرح الذي صنعناه بأيدينا

ولأننا لم نملك قاعة ولا خشبة، صنعناهما من طاولات الصف وستائر الشبابيك. وهناك، في ساحة المدرسة، وقف صديقي عبد المطلب سيد جليل بصوته المجلجل، مؤديًا دور الشقي المفلس، مرددًا:

"جوعان عمره ما شبع، والفقر من اذنه طلع، لو شاف درهم بالكاع يتلكاه بعبادان!"

يومها ضحكنا، ولم نكن نعلم أن هذا المقطع البسيط سيتحول بعد عقود إلى نبوءة اجتماعية دقيقة.

الجوع تغيّر… لكنّ الركض واحد

فما أكثر الجياع اليوم — ليس إلى الخبز، بل إلى الكراسي والمناصب ودرهم عبادان!

الفرق الوحيد أن الشقي القديم كان صادقًا في جوعه، أما جياع اليوم فشبعوا حتى التخمة، ومع ذلك يركضون وراء الدراهم وكأنها مفاتيح الجنة.

المرشح الفلاني يعد بالكهرباء والأخر الوظائف والأخر منح الرعاية الاجتماعيية ، والآخر يوزّع الابتسامات كما توزع مناديل الكلينكس في المطاعم .

وبعد الفوز، لا ترى منهم إلا الغبار خلف سيارات الدفع الرباعي التي تنطلق سريعًا نحو "عبادان" الجديدة.

الممثلون كُثُر… والجمهور واحد

صديقي عبد المطلب، أطال الله عمره، ما زال حيًا بيننا، وكلماته القديمة ترنّ في أذني كلما تابعت نشرات الأخبار.

كم تمنيت لو يعيد تمثيل تلك الجملة، لكن على شاشة التلفزيون هذه المرة، ليقولها في وجه كل من التهم حقوق الناس باسم "الإصلاح والتغيير".

نعم، يا صديقي، تغيّر المسرح فقط:

الطاولات صارت من خشب السياسة، والستائر من حرير المناصب، والممثلون كُثُر، والجمهور… لا يزال يصفق بانتظار دوره في المشهد الأخير.

ويبدو أن الطريق إلى عبادان ما زال سالكًا…

لكن هذه المرة لا يحتاج إلى جواز سفر، بل إلى دعاية انتخابية وصورة فوتوشوب خلفها علم وطن ولكن أي وطن ؟!!