الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جدلية المشاركة أو المقاطعة في الإنتخابات النيابية

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

جدلية المشاركة أو المقاطعة في الإنتخابات النيابية

لويس إقليمس

 

 

اعتاد العراقيون في كل دورة انتخابية برلمانية جديدة أن يألفوا مهرجانات صاخبة في الشوارع والقاعات والساحات والسيارات وأسطح البنايات وأية وسيلة إعلامية متاحة من تلفزة ومواقع الكترونية بأشكالها وتنوع برامجها، وهي تشهد نشر صور مرشحين بابتسامات صفراء مصطنعة في معظمها وأخرى في وضعيات بائسة بعضها ليس فيها «لا شكل ولا لون ولا طعم». أمّا لسانُ حال معظم هؤلاء الأدعياء الكذبة والمنافقين، سواءً من أتباع الفاسدين المرابضين القدامى مكرّري الوجوه من زعامات السلطة منذ 2003 أو من الغزاة الجدد الطامعين مثل سابقيهم بكعكة البلاد الشهية الجاهزة للنهش والقضم، فهو يقول لناخبيه بلا خجل ولا حياء: «أنا هنا مرشحكم لأجددَ لكم الكثير من الوعود الكاذبة لمن سبقني والتي لم يتحقق منها سوى تراجع البلاد إلى عصور الجهل والتخلّف في التربية والتعليم والأخلاق والصناعة والزراعة وتزوير الشهادات وشبه انعدام الخدمات وسيادة السلاح المنفلت وتأثير المال والجاه على البسطاء والسذّج وصعود أصحاب التفاهات والمحتوى الهابط إلى مراتب عليا مستقويةً بشخوص السلطة. لكنّي أعدكم بإضافة أكاذيب جديدة فيها ما تشتهون من مغريات وتمنيات بتوفير «براندات حديثة « و»تعيينات حكومية» و»تبليط شوارع» و»فرش سبيس» و»حصة نفطية من ثروة البلاد» و»رواتب رعاية اجتماعية» و»تحسين أحوال معيشية للمتقاعدين والمضمونين» و»ضمان مرتبات شهرية دون انقطاع لمَن يستحقها» و»تأمين مياه صالحة للشرب والكهرباء وأشكال الطاقة» وغيرها من الحقوق المواطنية واجبة التنفيذ والعيش». في حين أنّ كلّ هذا وما يزيد عنه ليس منّةً من ساسة اليوم ولا من حكومات المحاصصة التوافقية الفاشلة المتعاقبة بل استحقاقًا وطنيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا في كلّ وقت وكلّ زمن وأيّ مكان.

وعود عرقوبية

في الحقيقة، إنّ معظم فئات الشعب العراقي لم تعد تنطلي عليها مثل هذه الوعود العرقوبية المترعة كذبًا ونفاقًا، كما لم تعد خافية على أحد إلاّ على أصحاب العقول المريضة والأتباع الخنوعين المؤمنين والمصدّقين بأحاديث ساسة الصدفة وأذنابهم وبعض «علماء الدين» من أصحاب العمائم المتاجرين بالدّين والمذهب حفاظًا على مكاسب أولي الأمر من المنافقين والموغلين في جرم الفساد ونهب المال العام وسرقة العقارات وتهريب الثروة النفطية والعملة الصعبة وتبييض الأموال وتهريبها إلى أطراف ودولٍ مشبوهة الصيت والأهداف. وهذه الوعود الكثيرة الجاهزة والمنتشرة في موسم هذه الانتخابات الساخنة تحديدًا، تتراقص أقدارُها كالدمى المتمايلة في الهواء الطلق حين تهزّها رياح المواسم، وهي ذاتُها التي تتلاعبُ اليوم بأصحابها وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية حرجة. بل تكاد بعض هذه المهرجانات الصاخبة تطغى على أي نشاط سياسيّ أو اجتماعيّ أو تشريعيّ وسط غياب إدارة وطنية صحيحة لملفات حيوية لا مجال للحديث عنها لكونها في معظمها مواضيع ومشاريع لم يتحقق منها إلاّ النزر اليسير بالرغم من صرف مليارات الدولارات من خزينة الدولة طيلة الفترة الممتدة من 2003 لغاية الساعة. وما تحقّق مؤخرًا من إعمار وبناءٍ في المنظور في عهد الكابينة الأخيرة، لم يكن بمستوى الحداثة والتطور والإتقان في بنائه وتنميته وتخطيطه. وفي اعتقادي ووفق رؤية وطنية لا يختلف عليها اثنان، كان من المفترض أن توضع الموازنات الضخمة التي صحّ وصفها ب»الانفجارية» منذ تشكيل أول حكومة مؤقتة بعد السقوط، في خدمة الشعب وبناء الوطن وتحديث بنيته التحتية المتهالكة وتوجيه بوصلة الصرفيات الحقيقية باتجاه الجهات التي تستحقها، ومنها ما يُنفق في هذه الانــــــــــــتخابات الأخيرة من أموالٍ طائلة كان بالإمكان تخصيصُها لبناء مساكن أو مدارس أو أية مؤسسات خدمية لــــــــــصالح الشعب.

ويصدق هنا ما أشار إليه الزميل الدكتور أحمد عبد المجيد رئيس تحرير جريدة الزمان/ نسخة العراق، حين إشادته بجهاز مكافحة الإرهاب العراقي الفائز ببطولة «المحارب العالمي» بالكف عن «ظاهرة هدر المليارات على مآرب السياسيين الفاسدين وائتلافاتهم الانتخابية المشبوهة، والاتجاه نحو تخصيصها لتنمية مهارات سائر صنوف القوات المسلحة».

تكرار الوجوه وخوف فئة على «عبد الزهرة من عمر.

أبواب الترشيح

لقد اعتدنا في كلّ دورة انتخابية جديدة، أن تفتح المفوضية العليا للانتخابات أبواب الترشيح على مصاريعها لكلّ مَن هبَّ ودبَّ بلا تمييز ولا تحديد بما فيها ظاهرة توارث الترشيحات والتعيينات العائلية، وسط ذهول الجميع من فرص تلاعب في السير الذاتية وعدم الجدّية في ملاحقة أصحاب شهادات التزوير بسبب ضغوط من جهات سياسية عليا متنفذة أو جماعات مســـــــــــــلحة ميليشياوية تفرض ذاتها وسطوتَها وطبيعة مرشحيها بالرغم من أنف هذه الجهـــــــــــــــــة الرسمية أو غيرها من التي تتولى إدارة متابعة السجل القضائي لعـــــــــــــموم المرشحين. كما لم يعد غريبًا تكرار ذات الوجوه الكالحة، الكاذبة، المنافقة والغارقة في دهاليز الفساد من شعر الرأس حتى أخمص القدمين.

 وقد سئمتْها معظم فئات الشعب الصابر تمامًا كما احتقرها واستصغرها المثقفون وأصحاب الرأي الحرّ والفكر المستنير حتى التقيّؤ. فهؤلاء بيدهم المال والجاه والقوّة وبيدهم أدوات التأثير على الناخب عبر وسائل عديدة لاتقتصر على شراء ذمم الناخبين واستمالة العشائر وأبنائها وحجز البطاقات لمرشحيهم واستغلال حاجة التابعين بهدف الرضوخ لسطوة الزعامات وتأثير الائتلافات بشتى الإغراءات. فهذه حقيقة أصبحت معروفة وجارية للقاصي والداني، بل هناك مَن يتفاخر بشراء الأصوات بالمال ووسائل التهديد بحسب التسريبات المنشورة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المتنوعة.

أنا عن نفسي، أتفاعل اليوم أكثر من الأمس، مع صوت المرجعيات الروحية والدينية في نقاط جوهرية و»ليس كلّية عمومية» تخصّ العملية السياسية عمومًا والحالة الانتخابية المرتقبة في 11 تشرين ثاني القادم بتجنّب إعادة انتخاب المجرّب مرةً ومرتين وثلاثًا. فالمؤمن لا يُلدغُ من جحره مرتين. ونحن في العراق مازال الكثير منّا يقبل بلدغه مرارًا وتكرارًا منذ أول عملية انتخابية في 2005. لذا ليس من المقبول القبول بتكرار ظهور ذات الوجوه الخائبة التي أخزت البلاد ووضعتها في خانة البلدان الفاسدة والمتخلفة، كما أسهمت بإفقار العباد وتراجع القيم والمؤسسات التربوية والتعليمية وعملت من حيث تدري أو لا تدرك بتزايد ظاهرة ترييف المدن وتقفير الأرياف وتراجع البنى التحتية الضرورية للعيش الآدمي والإنساني. كما أدعو غيري من المثقفين وأصحاب الفكر والمعتقد الحرّ والرأي المستقلّ باتخاذ موقف واضح وصارم من هذه العملية التي لن تغيّر نتائجُها المرتقبة المفضوحة مسبقًا شيئًا في المعادلة السياسية الفاسدة القائمة منذ أكثر من عشرين عامًا. ويكفي تحذير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا في «قمة شرم الشيخ للسلام» يوم الاثنين 13 من تشرين أول حين حديثه عن العراق من أنّه يواجه مشكلة في حالة فشله في إدارة ثروته النفطية: «العراق لديه الكثير من النفط ولا يعرف كيف يتصرف به». وهذه إشارة واضحة جديدة في محفل دوليّ عن مدى انتشار فساد الحكومات المتعاقبة وزعامات الأحزاب والكتل السياسية وميليشياتها المسلحة ومكاتبها الاقتصادية بسبب انتهاجها لنظام المحاصصة المقيت الذي تتقاسم فيه هذه جميعًا ثرواتِ البلاد والمناصب على ما يُسمّى ب «المثلث الكردي-السنّي-الشيعي» وإلقاء الفتات على باقي مكوّنات  الشعب الغارق في الفقر والتخلّف والفاقة ودوّامة الطائفية.

شعارات انتخابية ممجوجة وكاذبة

أمّا عن الشعارات الانتخابية الفضفاضة التي عجّت بها صور المرشحين فحدّث ولا حرج. فتجد العديد ممَّن يرفع الشعارات «الوطنية» الرنانة ويلصقها بكتلته وحزبه وائتلافه عبثًا وكأنّ الوطنية جزءٌ ملاصقٌ لمشاريعه وبرامجه الخيالية التي بناها على أنقاض سرقاته من مشاريع وهمية لا وجود لمعظمها أصلاً على أرض الواقع. في حين ذهب غيرُهم من المحسوبين على «إكليروس» بعض المذاهب التي ما انقطعت تسخدم ذات «المظلومية الجهادية» المنهجية بداعي الأغلبية المذهبية بالرغم من سطوتها على السلطة من أجل تثوير الأتباع ضدّ كلّ مَن يسعى أو يحاول الجدّ في تغيير نمط المنظومة السياسية الفاشلة عبر شعارات مستهجنة لا تليق بمَن يدّعي الدين والوطنية والانتماء لمنهج الأئمّة الصالحين الذين لو تواجدوا اليوم في وسطنا لما ارتضوا كلّ هذا ومثله كثيرٌ. فهل يُعقل في زمن ادّعاء الإيمان بالديمقراطية وفي فورة سطو طرفٍ مكوّناتي معيّن على السلطة، باتفاق وتوافق بين راعي العملية السياسية الأمريكي الأحمق مع الجارة الشرقية الحاقدة، أن يوجّه نفرٌ ضالٌّ من أمثال هؤلاء تحذيرات إلى بني جلدتهم وأبناء وطنهم بشعار «الخوف على عبد الزهرة من عمر»، أو المناداة بالشعار الطائفيّ «لا تضيّعوها» الخاوي من أية نسمة من الحرص الوطنّي الجامع لمختلف مكوّنات الشعب! فهذا قمّة النزول إلى الدركات السفلى في تنمية الأحقاد الطائفية بشعارات زائفة غير مقبولة. فمَن هو عمر ومَن هو عبد الزهرة!!! ألَيسا كلاهما من أبناء الرافدين يرتويان مثل مواطنيهما «بابير ودلشاد وأوهانيس ومريم وزينب ويسّي وعبدالسطيع ورونق...» وما سواهم من ذات الماء الذي يجري من صلب دجلة والفرات، تمامًا كما يشغلُ العراقيين جميعًا هذه الأيام ما آلَ  إليه هذان النهران الخالدان الباكيان منذ سنوات من نقصٍ ونضوبٍ وآثارٍ مميتة على الحياة العراقية وعلى مستقبل البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها إلاّ فيما يتربّص بهما أعداء البلاد من خارج الحدود؟

وعلى منوال ذات التقليعة الطائفية المشبوهة المستنكرة لا ينبغي قبول أية شعارات انتخابية زائفة لا تليق بتاريخ بلاد الرافدين العظيم وحضارته العالمية التي كانت يومًا ما في مقدمة الأمم والشعوب. فالواقع يشير بما لا يقبل الشك والريبة أن الجهات التي ترفع شعارات وطنية أو تدّعي هذه الأخيرة في منهاجها وبرامجها ليست سوى ذرّ للرماد في العيون. وإنما الهدف منها ومن مثيلاتها الإيغال في الضحك على بسطاء الشعب والاستهتار بعقله واستغلال ضعف وعيه بسبب تركه فريسةً للجوع من أجل إدامة بقاء حاجته لأمثال هذه الأحزاب بالتراكض لنيل الفتات من موائدهم فيما أحزابُ السلطة وأذيالُها وأدواتُها مغاليةٌ بزيادة ثرائها وسرقاتها بالتغطية على أعمالها المشبوهة وبهدف إبقاء الحال كما هو عليه وكما أراده الأسياد الأمريكان وحلفاؤُه وشركاؤُه لضمان عدم استقرار البلاد ومنع رفاهة العباد. إنه لمن المؤسف اليوم أن يُنَصّبَ الفاسدون تيجانًا على رؤوس الفقراء والمحتاجين واللاهثين وراء الرزق الحلال والعيش الآدمي لسدّ رمق المعيشة اليومية. في حين كان ينبغي على الشعب البائس الغافل تحت الشمس الحارقة والبرد القارس أن يحاسب هذه الطبقة السياسية الغارقة في الفساد على استصغارها بتاريخه وحضارته وعلى استهانتها بقدراته.

واليوم بعد أن خلت الساحة أكثر من أمس لهذه الفئة الحاكمة، فلا حَكَمَ يحكم المباراة بالحق والعدل ولا جمهور يبدي الملاحظات ويستنكر الأخطاء ولا منافس على الادّعاء المزيّف برفع شعارات الزيف والخداع مثل « القرار الأقوى» و»الاقتدار» و»المقدرة والازدهار» و»النهج الوطني» و»نحن أمّة» و»على قدر أهل العزم» و»عراق قوي» وما سواها وسط السطوة الواضحة على مقدرات البلاد وتحركات العباد. فما هو قائم لا يتجاوز فئةً ضالّة بيدها السلطة والمال والجاه والنفوذ لتشكّلُ حاضنة لاقتصادياتها وترفها وأرصدتها وقصورها وعقاراتها في الداخل والخارج. فهل يُعاد تكرار انتخاب ذات الوجوه الحالكة لإبقاء المنظومة السياسية الحاكمة القائمة على رأس السلطة منذ 2003 أم ستأزف ساعة الخلاص من فسادهم على طريق الحساب وتقرير المصير قبل أن يقع الفأس على الرأس مرّةً أخرى؟

ببساطة، أنا عن نفسي لن أشارك طالما أن الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة ماتزال مستحكمةً بمقدرات الدولة المالية والاقتصادية والسياسية وقد سنّت القانون الانتخابي وفق مقاساتها الفئوية وليس الوطنية بهدف البقاء في السلطة بالرغم من اعتراف العديد من زعاماتها في مرحلة سابقة بتقصيرها وبكائها وندمها الظاهري على ما اقترفته أياديها الآثمة بحق شعب العراق والوطن والأمّة العراقية المظلومة بسبب سلوكياتهم الطاغية.  كما أنّي أكره  الخطابات الطائفية وخاصة إذا أتت من مراجع دينية استرزاقية غير رصينة متاجرة بالدين والمذهب. ومن ثمّ لا يرضيني أن يمثلني فاسدٌ أو سارقٌ أو مزوّرٌ أو منافقٌ أو مرتشي أو صانع مستوى هابط أو دخيلٌ أو ولائيٌ لا يؤمن بالوطن خيمةً وحيدة للجميع ولا بالجيش العقائدي سورًا للوطن وحاميًا للعرض والشرف والأرض والسماء والماء وليس سواه! أمّا مَن يعتقد من البسطاء والمغفلين بتولّي الكاوبوي الأمريكي مهمة التغيير الجذري في العملية السياسية فهو واهم ومخطئ وحالم. فالتفاهم الاستراتيجي سرًّا بين القوة العظمى التي تدّعيها أميركا مع حليفها الإقليمي الشرقي بتولّي أمر العراق مازال قائمًا ولم يحن بعدُ زمنُ التغيير المؤجَّل حتى إشعار آخر! فهل نشهد مفاجأةً قبيل المباراة الشرسة القادمة؟

 

 


مشاهدات 39
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/10/29 - 1:20 AM
آخر تحديث 2025/10/29 - 4:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 19618 الكلي 12159473
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير