الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما توضع الأقفال على كلماتنا

بواسطة azzaman

عندما توضع الأقفال على كلماتنا

موج يوسف

 

قد يبدو العنوان ذا شاعرية عالية، لكنه أقرب وصفًا إلى الحالة التي يمرّ بها أصحاب الرأي الجدلي الذين ينشرون تساؤلاتهم لتحفيز العقل النائم على التفكير والبحث، فما قيمة المرء من دون أسئلة أو رأي حر؟ ولماذا تراه السلطة عبر الأزمان مصدر قلق وإزعاج؟ .

 لست بصدد ابتكار البكائيات أو رثاء الحريات في بلادنا، وإنما أتحدث عن مصادرتها في أهم مؤسسة، وهي التعليم، التي أعدّها عقل الدولة.

ينمو العقل الصحي من سعة حريته الفكرية، ومن تغيّر نمط تفكيره، ومن تفكيك المشكلات الاجتماعية والإنسانية عبر مكاشفتها ووضع معالجات موضوعية، وخلق رؤية جديدة للعالم تخفّف من نغمة الصخب والاضطراب التي أربكت لحن الإنسانية والوجود القيمي، لا سيما في بلد كالعراق يحتاج إلى نهضة عقلية تعيد ترميم مساحات الخراب التي أحدثتها الطائفية والمذهبية.

 وقد جعلت هذه الطائفية الذات متشظية، تتحرك آليًا ولا ترى نفسها إلا في منطقة صغيرة تشبهها، فدخلت قوقعة وأغلقت الباب على نفسها.

 وما أعنيه على مستويين هما: البحث العلمي والرأي الحر، فكلاهما يخضعان لوصايا مركزية يصدرها أصحاب القرار.

 وتشير هذه الوصايا إلى ما يخص البحث العلمي الذي قُيّدت حركته الجدلية وصودرت أسئلته وإشكالياته، فأضحى يسير من دون اقتحام المناطق الساخنة في جسد المجتمع، لأن باحثها سيتعرض إلى مساءلة قانونية. فهل تغطية المشكلة والتعامي عنها يحلّها؟؟

وفضلاً عن هذا، ما قيمة البحث العلمي من دون مشكلة بحثية على مستوى المجتمع أو التاريخ أو الدين أو الفقه أو علم النفس؟ وما مصير من يتخصص بالنقد في الآداب، ومحل النقد هو الجدل والاعتماد على الرأي الحر المسنود بدليل علمي؟ وكيف يتم التعامل مع الأدب بشقيه الشعري والسردي وهما يستمدان مادتهما من أضيق زوايا الحرية وينفخان فيها روح الحريات؟.

  إن تغطية المشكلات التي يعيشها بلدنا عبر إهمالها في البحث العلمي ستراكُمها وتؤدي إلى انفجارها. فلماذا يخشى أصحاب القرار من عرضها على طاولة البحث ومناقشتها بصوت عالٍ؟.

 وأقولسعادة أصحاب القرارلأنني أخشى على كلماتي من المصادرة وسوء الفهم، ولا طاقة لي بالتمثيل القانوني الذي صار متلازمة معي بسبب كتاباتي، فلماذا لا تُفتح نافذة حوارية بين الباحث والأكاديمي والجهات العليا، ويُعمل على استقلالية العلم والبحث العلمي؟ ولعل الأهم: هل يدرك أصحاب القرار بوجود أكاديميين كتّاب رأي، ولهم الحضور الاجتماعي والثقافي الفاعل، وقد صاروا ينفرون من الوصايا المفروضة عليهم؟ وهذا هو الجانب الثاني: حرية الرأي أو التعبير، وهي حق مشروع لكل فرد. ومؤخرًا ضاق ثوب الحرية في المؤسسات الأكاديمية.

 ويعود التضييق إلى الرؤية الضبابية في استعمال الحرية. ولا بدّ من التفريق بين قضيتين: الأولى، التحريض على العنف والطائفية تحت غطاء الحرية، وهو أمر مرفوض. والثانية، الإيمان بوجود الوطن والفعل بما يعزز هذا الإيمان.

 لكن ما يحدث عكس ذلك؛ فمن كتب وناقش بشكل إيجابي وقالأنا أؤمن بالقانون والدولةوله كلماته المؤثرة في التحليل ووضع رؤية واضحة توقظ العقول بخطاب يحمل هوية المواطنة، ستناله التحقيقات والعقوبات، ويُعامل كمتهم، وتلصق به تهمة الإيمان بالوطن، ويُقيد بالوصايا المؤسساتية. بينما من يحرض في الإعلام وفي فعله داخل الأكاديمية يكون آمنًا من أي تحقيق، وهناك نماذج كثيرة.

وأقول: عندما توضع الأقفال على كلماتنا، فسنجد كلمات أخرى وموضوعات تعالج الأفيون الذي خدّر العقول.

 أن مهمة الأكاديمي ليست الدرس التدريسي التقليدي فحسب، بل المشاركة الفعلية في صنع القرار وبناء الهوية وخلق معرفة ورؤية جديدة للعالم. فمتى يدرك الأكاديمي مسؤوليته؟ ومتى يدرك المسؤول هذا الدور؟.

 

 


مشاهدات 50
الكاتب موج يوسف
أضيف 2025/09/27 - 1:59 PM
آخر تحديث 2025/09/28 - 2:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 58 الشهر 19994 الكلي 12037867
الوقت الآن
الأحد 2025/9/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير