الأمم المتحدة: على قادة العالم الالتزام بحقوق الإنسان والعدالة الدولية
مطالبة دولية بالتحرك لإنهاء الجرائم الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفلسطينيين
نيويورك – مرسي ابو طوق
قالت “هيومن رايتس ووتش» إن على قادة العالم المجتمعين في الجمعية العامة للأمم المتحدة من 22 إلى 30 سبتمبر/أيلول الجاري الالتزام بحماية الأمم المتحدة من الحكومات القوية التي تسعى إلى وقف تمويل المنظمة وتقويض قدرتها على تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الدولية.
عشية المناقشة العامة السنوية للجمعية العامة، سيعقد قادة العالم قمة حول الوضع في فلسطين، من المتوقع أن يرأسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
قال فيديريكو بوريلو، المدير التنفيذي الانتقالي لهيومن رايتس ووتش في بيان تلقته (الزمان) أمس ان (حقوق الإنسان والأمم المتحدة نفسها تتعرضان لهجوم غير مسبوق من الحكومات القوية.
على قادة العالم التعهد بالتحرك لضمان حصول المنظمة العالمية على ما يلزم من الموارد والدعم السياسي للقيام بعملها الإنساني والحقوقي المنقذ للأرواح في جميع أنحاء العالم – في غزة، وأوكرانيا، والسودان، وهايتي وغيرها من الأماكن التي يحتاج الناس فيها إلى المساعدة”.
ادانة العقوبات
وقالت المنظمة إن على الحكومات أيضا التحرك لوقف الفظائع الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. عليها إدانة العقوبات الأمريكية ضد مسؤولي “المحكمة الجنائية الدولية” ومنظمات فلسطينية بارزة وخبيرة أممية، واتخاذ خطوات لمواجهتها. عليها أن تقف إلى جانب مؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي تكافح الإفلات من العقاب على جرائم الحرب والفظائع الأخرى في ميانمار، وإسرائيل/فلسطين، والسودان، وأوكرانيا وأماكن أخرى حول العالم.على قادة العالم أن يستفيدوا من المؤتمر حول فلسطين المقرر عقده في 22 سبتمبر/أيلول للالتزام علنا باتخاذ إجراءات تهدف إلى إنهاء عقود من إفلات السلطات الإسرائيلية من العقاب على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. هذا المؤتمر، الذي يأتي استجابة للرأي الاستشاري التاريخي الصادر في يوليو/تموز 2024 عن “محكمة العدل الدولية” بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، هو استمرار لاجتماع رفيع المستوى عقد في يوليو/تموز.
خلص الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية إلى أن احتلال إسرائيل الذي دام عقودا غير قانوني، وينتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويتسم بانتهاكات جسيمة، من ضمنها الفصل العنصري. في مؤتمر 22 سبتمبر/أيلول، قالت فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا ودول أخرى إنها ستعترف بدولة فلسطينية.
مع ذلك، فإن هذه الإعلانات قد تكون جوفاء ما لم تلتزم الدول باتخاذ إجراءات ملموسة لوقف إبادة إسرائيل للفلسطينيين وتوسيعها للمستوطنات غير القانونية. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومات تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وحظر التجارة مع المستوطنات غير القانونية، وفرض عقوبات محددة على المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم المستمرة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية وأفعال الإبادة الجماعية. على الدول أيضا أن تضغط على “حماس” والفصائل المسلحة الفلسطينية لإطلاق سراح جميع الرهائن المدنيين.
ازمة مالية
وتواجه الأمم المتحدة أزمة مالية وجودية، ترجع في الغالب إلى رفض الولايات المتحدة دفع مساهماتها المقررة – الدول مُلزمة بدفعها – وإلغاءها تقريبا كل التمويل الطوعي الأمريكي للعديد من الوكالات والهيئات الأممية. يقوض ذلك العمل الإنساني للأمم المتحدة، وكذلك التحقيقات في مجال حقوق الإنسان في أوكرانيا، وروسيا، والسودان، وسوريا، وإسرائيل/فلسطين، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفغانستان، وميانمار، وكوريا الشمالية وأماكن أخرى.الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تخلفت عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الأمم المتحدة. فالصين، ثاني أكبر مساهم في الأمم المتحدة، تؤخر سداد مدفوعاتها للميزانية العادية للمنظمة وعمليات حفظ السلام. كما أن العديد من الحكومات الأخرى متأخرة في سداد المتأخرات المستحقة عليها. الحكومات الغنية في الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وهولندا، والسويد وغيرها حذت حذو الولايات المتحدة في قرارها تقليص برامج المساعدات الخارجية من خلال زيادة خفض ميزانياتها الخاصة للمساعدات الخارجية، ما أدى إلى تفاقم المشاكل المالية للأمم المتحدة.
وعلى الحكومات التي تهتم بحقوق الإنسان أن تسدد مساهماتها المقررة بالكامل وفي الوقت المحدد، وأن تزيد مساهماتها الطوعية للأمم المتحدة، وتعطي الأولوية للبرامج التي تحمي حقوق الإنسان وتنقذ الأرواح.
في 2023، ساهمت الولايات المتحدة بنحو 13 مليار دولار أمريكي في شكل مساهمات مقررة وطوعية للأمم المتحدة.
انخفض هذا الرقم إلى الصفر تقريبا هذا العام بعد أن أمر ترامب بـ “مراجعة” مساهمات الولايات المتحدة للأمم المتحدة. لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستأنف تمويل الأمم المتحدة، ومتى، وإلى أي مدى.
على قيادة الأمم المتحدة أن تبحث عن طرق لخفض التكاليف مع تجنب التخفيضات الشاملة التي من شأنها أن تؤثر بشكل غير متناسب على العمل الحقوقي، الذي يعاني أصلا من نقص مزمن في التمويل.
حزمة مقترحات
في الوقت الذي تمضي فيه قيادة الأمم المتحدة قدما في حزمة من مقترحات خفض التكاليف كجزء من “مبادرة الأمم المتحدة 80”، يتعين عليها أن تضمن توفير الموارد اللازمة لمواصلة التحقيقات المستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان. وقال بوريلو: “يمكن لعمليات المراقبة والتحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة أن تردع الحكومات التعسفية عن ارتكاب فظائع ضد المدنيين. ينبغي إدانة الحكومات القوية التي تسعى إلى تقويض برامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والأعمال الإنسانية، لا تقليدها. حياة ملايين الأشخاص حول العالم تعتمد على ذلك”.
على القادة الضغط من أجل اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة الأزمات الخطيرة في السودان وهايتي. في السودان، يواجه المدنيون المجاعة والعنف الجنسي وفظائع أخرى.
في هايتي، تُوسّع الجماعات الإجرامية سيطرتها، وتُصعّد من عمليات القتل والعنف الجنسي، بما يشمل الاغتصاب الجماعي، ما يجبر الملايين على النزوح ويواجهون انعدام أمن غذائي حاد. في غضون ذلك، رفض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تأييد دعوات المدافعين الحقوقيين والدول الأعضاء لنشر بعثات حماية مادية في السودان وهايتي.
في 6 فبراير/شباط، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا يجيز تجميد الأصول وفرض حظر دخول على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وغيرهم ممن يدعمون عمل المحكمة. فرضت الحكومة الأمريكية حتى الآن عقوبات على المدعي العام للمحكمة ونائبيه وستة قضاة والمقررة الخاصة للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي، بالإضافة إلى ثلاث منظمات رائدة في المجتمع المدني الفلسطيني. هذه العقوبات هي هجوم سافر على سيادة القانون ونظام العدالة الدولي. وتهدف في المقام الأول إلى إحباط التحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية بشأن فلسطين، بما في ذلك مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة.
على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تؤكد دعمها للولاية العالمية للمحكمة الجنائية الدولية والعمل الهام الذي يقوم به المجتمع المدني، وتدعو الحكومة الأمريكية إلى إلغاء برنامج العقوبات. على الدول الأعضاء أيضا أن تلتزم باتخاذ خطوات ملموسة لحماية المحكمة من هذه العقوبات، بسبل تشمل تشريعات مثل “قانون الحجب” (آليات الحماية من قيود العقوبات) الأوروبي، الذي يهدف إلى حماية الشركات الأوروبية من آثار العقوبات الخارجية. واضافت انه (على الدول الأعضاء أن تلتزم أكثر بالعدالة الدولية من خلال تنفيذ جميع الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، بما في ذلك رأي المحكمة الصادر في يوليو/تموز الذي وصف تغيّر المناخ بأنه تهديد وجودي للكوكب، وأشار إلى أن تقاعس الدول عن حماية المناخ يترتب عنه عواقب قانونية.
وعلى المندوبين حث الدول الأعضاء على المضي قدما في المفاوضات بشأن معاهدة دولية لمنع الجرائم ضد الإنسانية والمعاقبة عليها. ستسد هذه المعاهدة فجوة في القانون الدولي تساهم في إفلات مرتكبي الأفعال الشنيعة، مثل القتل والتعذيب والاختفاء القسري والعنف الجنسي والاضطهاد من بين جرائم أخرى، من العقاب، والتي تُرتكب ضد المدنيين في جميع أنحاء العالم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الانتهاكات المروعة والمنهجية التي تواصل “طالبان” ارتكابها ضد النساء والفتيات في أفغانستان منذ استعادتها السلطة في 2021 توضح لماذا ينبغي إدراج الفصل الجندري كجريمة ضد الإنسانية في أي معاهدة محتملة بشأن الجرائم ضد الإنسانية).
وقال بوريلو: “الأمم المتحدة ونظام حقوق الإنسان الدولي يواجهان اختبارا صعبا.
كي ينصفنا التاريخ، يجب أن نتصدى للحكومات القوية التي تحاول تقويض المعايير الدولية وتدمير سبل المساءلة”.