الحج بين العبادة والمصيدة
عبدالرزاق البهادلي
منذ فجر الإسلام، كان الحج والعمرة رمزًا للوحدة الجامعة بين المسلمين من مختلف البلدان. ورغم اختلاف المذاهب والمدارس، ظل الحجاج يتوافدون إلى مكة المكرمة لأداء مناسكهم بروح العبادة، حتى وإن شاب إدارة الحرمين في بعض المراحل نزعة تفضيل مذهبي، كما حدث في العهد العثماني حيث اقتصر الاعتراف الرسمي على المذاهب السنية الأربعة. ومع ذلك، ظلّت الممارسات الدينية للحجاج أكثر تنوعًا وأوسع من القيود الرسمية، ولم تكن هناك سياسة اعتقالات أو ملاحقات منهجية ضد المخالفين.
لكن هذه الصورة تغيّرت جذريًا مع بدايات القرن العشرين وسيطرة آل سعود، المرتبطة بالفكر الوهابي، على مكة والمدينة. هنا فُرض تفسير واحد ضيق للشعائر، واعتُبرت الممارسات الأخرى بدعًا، وتحول الحج تدريجيًا من فضاء جامع إلى ساحة ضبط وتحكّم.. اليوم، لم يعد الحج مجرد رحلة إيمانية، بل أصبح – وفق تقارير وشهادات متعددة – مصيدة محتملة للمخالفين في الرأي أو الممارسة الدينية.
العراقيون في الواجهة
من بين الجنسيات الأكثر تضررًا، يبرز العراقيون، وخصوصًا الشباب منهم. كثير منهم تعرض للاعتقال لمجرد تلاوة أدعية أو أداء زيارات دينية معتادة في ثقافتهم الدينية. لا حديث عن شعارات سياسية أو نشاطات معارضة، بل عن شعائر إيمانية بحتة تُعامَل كمخالفات.
ظاهرة عابرة للحدود
الحالات لا تقتصر على العراقيين وحدهم، بل تشمل حجاجًا من اليمن، البحرين، باكستان ودول أخرى، حيث يواجه الزائر خطر الاعتقال إن مارس شعائر تختلف عن التفسير الوهابي الرسمي. هذا يطرح سؤالًا خطيرًا: كيف يمكن لشعيرة يفترض أن تكون مقدسة وجامعة أن تتحول إلى أداة تفرقة وملاحقة؟
صمت حقوقي مقلق
المؤسسات الحقوقية الدولية لم تتعامل مع هذه الظاهرة بالجدية الكافية. غالبًا ما يقتصر خطابها على التذكير بسجل السعودية الحقوقي العام، دون تحذير صريح من المخاطر التي قد يتعرض لها الحجاج. هذا الصمت يترك فراغًا يفاقم المخاوف ويُفقد الثقة بضمانات الحماية.
نحو إدارة أكثر حيادًا
إزاء هذه الوقائع، يتجدد النقاش حول مستقبل إدارة الحرمين. الدعوات إلى إشراف أممي أو إسلامي مشترك تتصاعد، باعتبارها وسيلة لحماية الحجاج، وضمان حياد مكة والمدينة كمقدسات لكل المسلمين، بعيدًا عن سلطة سياسية أو مذهبية ضيقة.
خاتمة
الحج فريضة وركن من أركان الإسلام، لكن حين يُختزل إلى أداة رقابة ومصيدة للمخالفين، فإن قدسيته تكون مهددة. التحدي اليوم هو استعادة معناه الحقيقي: عبادة خالصة لله، لا ساحة صراع أو اعتقال.