الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الهيتي الذي تشظّى في ضوء الإبداع.. نهرٌ من المواهب يتدفق عبر الأدب والرسم وحتى كمال الأجسام

بواسطة azzaman

الهيتي الذي تشظّى في ضوء الإبداع.. نهرٌ من المواهب يتدفق عبر الأدب والرسم وحتى كمال الأجسام

 

بغداد - محمد علي محيي الدين

في مدينة الحلة، وتحديدًا في محلة الأكراد، وُلد عام 1943 رجلٌ لم يكن يرضى بأن يُختصر في صفة واحدة، ولم يقبل أن يُحاصر في شكل من أشكال التعبير. كان اسمه حامد الهيتي، لكن من عرفه عن قرب أدرك أنه أكثر من اسم، وأكثر من رجل. هو نهرٌ من المواهب، تدفقت عبر ضفاف القصة والرسم والشعر والنقد والخطّ وحتى عضلات كمال الأجسام. رجل تنفّس الفن كحالة وجود، لا كوظيفة أو ترفٍ ثقافي.

درس في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ذلك الصرح الذي خرجت من جدرانه مواهب لا تُنسى، وكان من أوائل من أدركوا أن الفن ليس فقط ما يُرسم أو يُكتب، بل ما يُعاش. اشتغل مدرسًا في مدارس بابل، لكن مهنته لم تكن حجابًا عن الفن، بل جسراً عبَر من خلاله إلى الأجيال، يزرع الذائقة، ويروي شجرة الجمال.

مارس الهيتي الكتابة بلذة العارف، وكتب للقارئ المتطلب، فجاءت قصصه كأنها لوحات من الحبر، بأبعاد وجدانية وروحية تحاور القارئ أكثر مما تحكي له. في مجموعاته القصصية، مثل أرض من الياسمين والخنادق والاقامة في الأسئلة، نجد ذلك التوتر الجميل بين اللغة والرمز، بين الواقع والدهشة، كما لو كان يبحث عن وطنٍ في كل جملة، وعن ذاتٍ في كل تفصيلة.

جمال متمرد

لم تكن قصصه مجرّد حكايات، بل كانت كما وصفها أحد النقاد: (مرايا صدئة لا تعكس الواقع فحسب، بل تكشف عن طبقاته المخبّأة تحت السطح). قال عنه القاص والناقد خالد خضير الصالحي: «نصوصه تنبض بجمال متمرّد، وتحمل بصمة من عاش في الهامش وكتب من القلب.» فيما رأى فيه الشاعر فوزي كريم «فناناً طليعياً لم تتسع له مؤسسات النقد الرسمي، لكنه ظلّ يخلق من وحدته صوتاً لا يُشبه أحداً

عضوٌ في نقابة الفنانين العراقيين، واتحاد الأدباء والكتاب، لم يكن حامد الهيتي يلهث خلف الجوائز، لكنها كانت تأتيه تباعاً، مثل اعتراف مؤجل من المؤسسات بأن صوته لا يُمكن تجاهله. نال جوائز في مجال القصة من وزارة الثقافة، وأخرى من وزارة التربية لمشاركاته الفنية في المعارض، كما منحته نقابة الفنانين ووزارة الشباب والاتحاد العام للأدباء شهادات وجوائز ظلّت تملأ جدران قلبه أكثر من جدران بيته.

رحل في الثاني عشر من نيسان عام 2014، بعد مرض عضال أقعده الفراش طويلاً. لكن غيابه لم يكن خاتمة، بل بداية لصوت استذكاري طويل. ففي أربعينيته، أقامت جمعية الرواد المستقلة أمسية ثقافية حملت اسمه، جسّدت وفاء المثقفين لزميلهم الراحل. كما أطلق اتحاد أدباء بابل اسمه على برنامجه الفصلي، وأقام له أمسية شارك فيها عدد من رفاقه ومجايليه، قرأوا من نصوصه، وتحدثوا عن عزلته النبيلة، وعن وفائه لفنّه. ولم تتأخر جماعة الجندول الثقافية في أن تُفرد له أمسية تأبينية مماثلة، عكست عمق تأثيره في ذاكرة الوسط الأدبي المحلي.

أما الصحافة، فقد خصصت له جريدة «طريق الشعب» عددًا خاصًا من أعدادها، استعرضت فيه منجزه الإبداعي، وأضاءت على محطات من حياته التي تنقّلت بين التعليم والتشكيل والنقد والقصة، متوقفة بإكبار أمام تجربته التي جمعت بين الصبر والجمال، وبين البساطة والدهشة.

كان حامد الهيتي كما عنوَن ديوانه المخطوط: «يشتعل فيك بهدوء». هكذا عاش، وهكذا غاب، شعلة خافتة لكنها لا تنطفئ، تسكن نصوصه، وتضيء قلوب من عرفوه.

لقد علّمنا أن الإبداع لا يحتاج إلى صخب، بل إلى صدق. وأن الفن الحقيقي ليس في عدد ما ننجز، بل في أثر ما نترك. وحامد الهيتي ترك أثرًا لا يُمحى.

 


مشاهدات 87
أضيف 2025/06/18 - 4:10 PM
آخر تحديث 2025/06/19 - 11:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 337 الشهر 12297 الكلي 11146951
الوقت الآن
الخميس 2025/6/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير