الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المحامي شاعراً

بواسطة azzaman

المحامي شاعراً

وليد عبدالحسين

 

المحامي الحقيقي ليس من قذفته ظروف ما وأصبح طارئاً عليها، وإنما المحامي الذي لامست المحاماة دمه ولحمه وعقله وفكره، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ منه. إن أصبح شاعراً أو روائياً أو صحفياً أو قاضياً أو في منصب حكومي، سيكون قوياً وناجحاً ولن يتهيب الكتابة في أي مجال أو القرار.

أقول ذلك ليس انحيازاً لفئة المحامين لأنني منهم، ولكنها حقيقة يعرفها كل من عمل مع من ذكرت من المحامين.

لذلك لا غرابة أن نجد المحامي متفوقاً في الشعر والأدب كتفوقه في إثارة نصوص القوانين والتذكير بها والمطالبة بتطبيقها، فهو عارف بالأدب والفكر والسياسة لا القانون فقط.

أسعدني زميلي المحامي (علي عظيم) وهو يهدي لي ديوانه البكر (حفلة للبكاء ومأتم للضحك)، وهو ديوان عبارة عن قطع رائعة من الشعر الجميل، يستفزك منذ عنوانه الذي يحاكي مأثورتنا العربية «شر البلية ما يضحك»، فهو محاكاة لواقع عراقي عاش الحزن حتى في الفرح، وأصبحت أحزانه غرائب تثير الضحك!

ثم يصارحك أكثر لكي يبين أهمية ما كتبه من قصائد فيه، حينما يخبرنا في الصفحة (5) منه، أن هذا الديوان ليس كتابة مارسها شاعرنا لترف أو تلاعب بالألفاظ، بل هو ملحمة عاشها ومثل كل حرف فيها عصرة ألم، لذا قال: «أنا لا أكتب بل أحاول الخروج من قبر». وتصوروا معه كم هي مكابدة مؤلمة ومخيفة حينما يكون الميت نائماً ويستيقظ من نومه ويجد نفسه قد تصوره الأهل ميتاً وكفنوه ودفنوه فيبدأ محاولة الخروج من قبره!

وهذا ما اتضح أكثر في قصيدته الأولى «رؤوس» حينما يفصح لنا عن همومه الكبرى وآلامه، معلناً استعداده على استبدال حتى رأسه كي يستريح حينما يقول:

(خذ لو سمحت من على كتفي هذا الرأس ذي التيجان والخطوط الحمر!

وأعطني هذا الرأس المحشو بالضحك

فأنا لم أضحك منذ أن قطعت القابلة حبلي السري

كتابة التاريخ

خذه بعيداً أرجوك ولا ترتده أبداً

فماذا تصنع برأس محشو بجميع هؤلاء القتلى؟

وفيه من الدماء ما يكفي لكتابة التأريخ

ماذا تصنع برأس مشوه

بدبابات الطفولة ومفخخات الشباب؟

ما عساك فاعلاً برأس فيه من السلفية ما يكفي لتفجير العالم

وفيه من الليبرالية ما يكفي لإصدار فتوى بإباحة كل شيء

فيه من الرجعية ما يكفي لتفخيخ التكنولوجيا

وفيه من الحداثة ما يكفي لإبادة شعب كالشعوب العربية

أعطني ذاك الرأس وخذ هذا الرأس بتيجانه وخطوطه الحمر فهو لا يستحق جسداً ...

لكن قبل أن تتلفه أعرني ما فيه من شعر وأغان ونساء ولا تأخذ حبيبتي فهي ملك لي لا لرأسي...) بصراحة وأنا أتمعن في أبيات هذه القصيدة العميقة التي تحكي واقع مثقف يعيش الواقع ويتألم منه، ويريد أن يفهمه أبناء مجتمعه، بدأت أشعر أنني أمام شاعر ليس هيناً وإنما يمتلك القدرة العجيبة على مزج الفلسفة بالفكر والأدب، وفوق ذلك هو محام! لذا رغم جزالة ديوانه وصغر حجمه إذ يبلغ (111) صفحة، إلا أننا أمام ديوان يستحق القراءة بترو وأناة، وأن نقف على أفكار وأبيات كل قصيدة ولا نمر عليها مرور من يريد أن يصل نهاية الكتاب!

فشاعرنا المحامي سيكون شاعراً عظيماً كاسم جده إن استمر في المزاوجة بين المحاماة والشعر، لأنه سيحول لنا بسحر بيانه الوقائع التي يعيشها في المحاماة والتجارب التي يمر بها أثناء ممارسته هذه المهنة العظيمة، سيحولها إلى قصائد تهز بأبياتها كيان من يستمع لها أو يقرأها، وتحدث تجربة جديدة عنوانها: المحامي شاعراً.

 


مشاهدات 92
الكاتب وليد عبدالحسين
أضيف 2025/06/14 - 3:14 PM
آخر تحديث 2025/06/15 - 10:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 578 الشهر 10019 الكلي 11144673
الوقت الآن
الأحد 2025/6/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير