نبذ التطرف تعيقه الديمقراطية
خالد ألسلامي
على مدى اكثر من عقدين من السنين العجاف دأب اصحاب القيم والمبادئ والاعراف الاجتماعية الأصيلة من شخصيات ومنظمات وجهات مختصة اخرى على محاربة التطرف ونبذه والعمل على نشر ثقافة الحوار بين المختلفين من ابناء الوطن الواحد وكنت حاضرا ومشاركا في كثير من هذه الفعاليات الوطنية ، لكنهم كلما وصلوا الى مرحلة متقدمة يأتي موسم انتخابي يمحُ كل اثر لعملهم الوطني والانساني طيلة الفترة التي سبقت هذا الموسم الانتخابي او ذاك فتعمل كل الأطراف المتنافسة على تهديم كل ما بناه الخيرين ، وتعددت طرق الهدم المجتمعي وتنوعت حسب قوة هذه الجهة او تلك فمنها ما كان الأخطر .
كما حصل في المراحل الاولى من إحداث فتن مسلحة مدعومة خارجيا كل حسب ميوله الدينية والعرقية تؤدي الى خسارة آلاف الارواح وتهجير الملايين ودمار مدن بما فيها من عمران ومؤسسات اقتصادية زراعية وصناعية وخدمية مهمة يصاحبها اعلام صاخب يشحن الناس ضد بعضها البعض بغية حصر اصوات الناس كلٌ في بيئته الدينية او العرقية او المذهبية لضمان ان لا تخرج تلك الاصوات خارج ذلك الانتماء الضيق مهما كان حجمه الى ان يتحقق المراد ويفوز من يفوز ويخسر من يخسر ثم تعود المحاولات من جديد الى بث الروح الوطنية ونبذ التطرف وضرورة تجاوز اثاره ومشاكله الكارثية على المجتمع كما حصل في فتن عام 2006 و2014 وما تخلل الفترة التي بينهما من انهيارات كبيرة لروابط الجسد الواحد للشعب الموحد بتداخلاته العرقية والدينية والاجتماعية والثقافية وحتى الجغرافية حيث لا تجد حي في مدينة أو شارع في قرية يخلُ من اغلب أطياف الناس العرقية والدينية الجميلة.
وبعد انتهاء محنة الفتنة الكبرى التي وقعت في 2014 وادت الى ما أدت إليه من دمار معنوي ونفسي اضافة الى الدمار المادي والاقتصادي والى الان مررنا بفترات من الهدوء والطمأنينة أدت الى شبه محو لآثار تلك الفــــــــــتن وتمكن عقلاء المجتـــــــــــمع من شيوخ ووجهاء ومنظمات من الوصول إلى حلول لكل ما خلفته تلك الفتن من تفتيت لوشائج المحبة والاخوة بين أبناء المجتمع.
ولكن بعد مرور أكثر من عــــــــــــقد من الزمن على اخر تلك الفتن تطل علينا الانتخابات من جديد وينبري الذين يعتاشون على الفتن ومنهم مسؤولون وقادة ومســـــــــــتشارين ومن كل الاتجاهات والمشارب لإثارة الفتنة من جديد فهذا يذم هذه الطائفة وآخر يلعن هذا الدين او المذهــــــــب وغيرهم يحارب ذلك العرق او تلك القومية وعلى رؤوس الاشهاد من خلال الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي دون رادع ليس حبا بهذا الدين او المذهب او ذلك العرق او القومية انما لإعادة تخويف الناس من بعضهم البعض مما يؤدي الى انكــــــــــفاء اصواتهم داخل انتماءاتهم الضيقة وضـــــــــــمان بقاء نفس الوجوه والكتل والاحزاب في الحكومة ومجلس النواب.
ولا يهم ان يتشتت الشعب وربما حتى العائلة الواحــــــــــــدة فكثير من عوائلنا تمثل صورة مصغرة للمجتمع حيث تضم أعضاء من كل المكونات الدينية والعرقية ليُثْبِتوا اننا لا نملك الا نموذجاً للديمقراطية لا يمكنه العيش الا بإثارة التطرف ونبذ الوحدة المجتمعية لأهل البلد حيث يتم في فترة الحملات الانتخابية هدم كل ما بناه الخيرون طيلة ما بين المواسم الانتخابية من نبذ للتطرف وجمع للكلمة ووحدة للصف .