الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دبلوماسية الحيوانات وسيلة لكسب الإمتيازات وحل الخلافات

بواسطة azzaman

إقامة التحالفات وتهديد الخصوم

دبلوماسية الحيوانات وسيلة لكسب الإمتيازات وحل الخلافات

اثير هلال الدليمي

 

لقد استخدمت الحيوانات كهدايا دبلوماسية لعدة قرون إن لم تكن لآلاف السنين، وتعد هذه الممارسة من أهم عناصر القوة الناعمة وأبهى صورها، كون ان هذه  الحيوانات قد ترمز للقوة تارة (مثل الأسود أو الدببة أو الصقور أو الفيلة أو الخيول او التماسيح) أو قد ترمز للجمال والسلام (كالطيور الغريبة)، او للتأكيد على طبيعة الزيارات الرسمية وعمق العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين الدولة المانحة والمتلقية تارة اخرى.

من الجدير بالذكر أن هذا النوع من الممارسات عرفتها البشرية منذ اقدم العصور، فقد عثر علماء الآثار على هياكل عظمية تعود لكلاب كبيرة في مواقع دفنها في العصر الحديدي في أوبسالا في السويد وكانت هذه الفصيلة تعتبر من أثمن الهدايا المتعارف على تبادلها بين الزعماء والحكام وأفراد العائلات المتنفذة في الأقاليم المختلفة،  فقد استخدم المصريون القدماء حيوان الزرافة على سبيل الهدايا في مختلف العصور القديمة مروراً بالعصور الوسطى وما بعدها حتى وصلت إلى حدود سمرقند، ويقال أن كليوباترا أهدت زرافة إلى يوليوس قيصر وأطلق عليه الرومان اسم “الجملي” لاعتقادهم أنها خليط غريب وهجين بين الجمل والنمر.

وقدمت الزرافة كذلك إلى تيمورلنك في القرن الرابع عشر،  وللملك جورج الرابع ملك إنجلترا في القرن التاسع عشر. وفي أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر،  أهدى الحاكم المصري محمد علي باشا ثلاث زرافات إلى المحاكم الأوروبية كمناورة دبلوماسية للحصول على الدعم الدولي من قبلهم.

كما وتجدر الإشارة كذلك الى ان شارلمان كان يحب الحيوانات واستقبل على سبيل الهدايا الدبلوماسية القرود والجمال والصقور والعديد من الحيوانات الأخرى التي وضعها في حدائقه الخاصة، حتى أن الخليفة هارون الرشيد اهدى له فيلًا آسيويًا نادرا.

تأشير ايجابي

ان من الحقائق المعروفة علميا بان امتلاك الحيوانات وتربيتها ولاسيما الأليفة منها يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على البشر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه..

هل هذا هو الحال عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية؟

في حقبة ما بعد الحربين العالميتين ومانتج عنها من دمار، كانت الحيوانات بمثابة دعائم وركائز مهمة في تعزيز دور الدبلوماسية التقليدية، كونها تمثل إشارات لحسن النية، ورموزا للاحترام المتبادل بين الدول ولاسيما بعد انتهاء حقبة طغت عليها الصراعات والنزاعات والاعتداءات، وبذلك يمكننا القول بأن الحيوانات ساهمت فعليًا في رسم السياسات الخارجية والعلاقات الدولية الإيجابية للدول باعتبارها مصدرا تستخدم لترطيب الأجواء ووسيلة لحل الصراعات والنزاعات تارة وقد تستخدم كوسيلة سلبية لاستعراض القوة والتهديد والضغط تارة اخرى.

ربما تكون “دبلوماسية الحيوانات”  قد طبقت في صورتها الاوسع والامثل في الصين من خلال اهداء حيوان دب الباندا كهدايا دبلوماسية لما لها من قيمة اعتبارية ورمزية كبيرة على الصعيد الوطني للصين، فقد اهدت الإمبراطورة ووتسه تيان (625-705) إلى إمبراطور اليابان زوجًا من الباندا العملاقة الصينية المشهورة لتوثيق وتوطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، واستمرت بكين في نهجها هذا بتحديث هذا النوع من الدبلوماسية في خمسينيات القرن الماضي وارسلت اثنين منها إلى حديقة حيوان موسكو للتأكيد على توثيق وتعميق رابطة العلاقات بين الصين والاتحاد السوفييتي الشيوعيين. وفي مناسبة أخرى استقبل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بعد زيارته إلى بكين عام 1972 اثنين من حيوان الباندا العملاقة هسينج هسينج ولينج لينج، والتي احتفظت الولايات المتحدة الأمريكية بهما في حديقة حيوان سميث سونيان الوطنية في العاصمة واشنطن وكانت مصدر اعجاب وارتياح للزائرين.

كما اهدت الصين ايضا حيوان الباندا إلى رئيس فرنسا آنذاك جورج بومبيدو، ورئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك إدوارد هيث، وغيرهم من الرؤساء والزعماء حتى قررت الحكومة الصينية في عام 1982 التوقف عن اهداء هذا الحيوان بسبب ندرته والبدء في استئجار الباندا العملاقة (في قروض مدتها 10 سنوات) وبالرغم من ذلك لم تقل شعبية وأهمية وقيمة هذه الهدية النادرة.  ومن الجدير بالذكر فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أوائل الثمانينيات، أهدت جمهورية الصين “ 23 حيوان من دب الباندا إلى تسع دول مختلفة “، كما وان أحدث هذه الهدايا كانت في عام 2014 عندما ارسلت الصين زوجا منها إلى ماليزيا في مهمة دبلوماسية وكبادرة حسن نيه تهدف منها إلى تحسين وتعزيز العلاقة الدبلوماسية الثنائية بين البلدين ومساعدتهما في تجاوز التوتر الكبير والجمود الذي احل بعلاقتهما بسبب فقدان طائرة الخطوط الجوية الماليزية في رحلتها المرقمة 370 والمتوجهة إلى بكين حينها. يُنظر إلى ان “دبلوماسية الباندا” قد حققت  نجاحا مهما وكبيرا وبارزا في حقل السياسة الخارجية المرنة للصين بسبب مقبولية هذه الحيوانات وجاذبيتها، كونها حيوانات جميلة وودودة ومسالمة للغاية، وشكلت مصدرا كبيرا لسعادة العديد من الدول باستقبالها وقبولها كرمز للعلاقة الجيدة بينها وبين الصين.

وبالعودة إلى الصين، فإن بكين ليست مانحة للحيوانات فحسب، بل انها مستقبلة أيضا، ففي مناسبات عديدة، استقبل قادة الصين أفيالًا من نظرائهم في دول جنوب شرق آسيا، فقد اهدى هو تشي مينه زعيم فيتنام آنذاك، أفيالًا إلى ماو تسي تونغ في مناسبات مختلفة في عامي 1953 و1960، وأهدى سيريمافو باندارانايكا رئيس وزراء سريلانكا آنذاك، فيلًا إلى الأطفال الصينيين في عام 1972، كما أرسل فيلان سريلانكيان آخران في عام 1979. واستقبلت الصين ايضا على سبيل الهدايا الدبلوماسية خيول تركمان النادرة والقوية، فقد استقبل قادتها جيانغ زيمين في عام 2000، وهو جين تاو في عام 2006، وشي جين بينغ في عام 2014.

دبلوماسيات الحيوان

وفي ذات الصدد نبحث في نوع اخر من الحيوانات التي سلطت الاضواء في  مجال استخدام دبلوماسية الحيوان مايطلق عليها بـ “دبلوماسية الكوالا” وبالطبع جاءت المبادرة من أستراليا باعتبارها الموطن الأصلي لها، فقد اتبعت أستراليا النموذج الصيني وعملت على تطوير دبلوماسية الكوالا على الأقل منذ اجتماعات قمة مجموعة العشرين في عام 2014 في بريسبان عندما تصدرت صور الرئيس باراك أوباما وهو يعانق الكوالا في عناوين الأخبار العالمية، ويقال إن وزارة الخارجية الأسترالية لديها باع كبير في استخدام دبلوماسية الحيوان، حيث صنفت جولي بيشوب وزيرة الخارجية الأسترالية في عام 2016، احتضان الكوالا ياتي بالمرتبة الأولى بين استراتيجيات القوة الناعمة الأخرى التي تساعد في بناء مجتمع أقوى وأكثر ترابطًا وأكثر ازدهارًا.

تستخدم أستراليا أيضًا حيوانات أخرى كهدايا دبلوماسية. على سبيل المثال، تلقى الأمير جورج أمير بريطانيا العظمى، تماسيح من الحكومة الأسترالية، كما تم إرسال 4 جرابيات إلى سنغافورة لمدة نصف عام للاحتفال بالذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين أستراليا وسنغافورة.

ولايفوتنا كذلك ان نبحث في نوع آخر من الحيوانات التي استخدمتها الدول كنموذج لدبلوماسية الحيوان والتي برزت في وقت قريب، الا وهي “دبلوماسية الكلاب”. ان هذا النوع من الحيوانات ساهمت بشكل كبير في تحسن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الجارتين الكوريتين الشمالية والجنوبية، على أثر نشر وسائل اعلام عالمية صورا لرئيس كوريا الجنوبية مون جيه إن وزوجته، وهما يداعبان جراء حديثة الولادة، أنجبها زوج من الكلاب البيضاء من فصيلة كلاب بونغسان نسبة إلى منطقة في كوريا الشمالية، تشتهر بإخلاصها ومهاراتها في الصيد، اهداها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية لجارته الجنوبية، وشكل ذلك أحدث إشارة إيجابية للتطور في مجال العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين التي على اثرها تحققت عدة لقاءات دبلوماسية ثنائية بين زعماء البلدين.

ومن الصين وأستراليا وكوريا نبحث دور روسيا في استخدام دبلوماسية الحيوان ومناسباتها.

في عام 2007، سافرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى سوتشي لعقد اجتماعات حول الطاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى أثر ذلك استقبل الرئيس بوتين ضيفته ترافقه كلبته السوداء من نوع لابرادور، تدعى كوني.

كان بوتين يعلم جيداً أن السيدة المستشارة كانت تخاف الكلاب كثيرا، أثر تعرضها للعض في منتصف التسعينيات، أظهرت صور الحدث حينها أن المستشارة كانت تراقب الكلبة بحذر وبعصبية وبخوف شديد، وهو ما بدا وكأن الرئيس الروسي يلاحظه ويتقصده، وقال لها: «إنها كلبة ودودة، وأنا متأكد من أنها لن تزعجك».

اعتذر بوتين في ما بعد زاعما إنه لم يكن يعلم أن ميركل تخاف من الكلاب، وهو ما يعتبره الكثير من المراقبين في دبلوماسية الحيوانات أمراً مشكوكاً فيه إلى حد ما، نظراً لخلفية بوتين في الاستخبارات السوفيتية فإنه من المرجح أن يكون على علم جيد بمخاوف ميركل وقاصدا لارسال رسالة تهديدية او استفزازية بصورة غير مباشرة لها.

وفي حدث اخر تلقى الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز جروا (بلاك ترير) من نظيره الروسي فلاديمير بوتين على سبيل الهدية الدبلوماسية وتم تقديم الجرو بينما كانا البلدان يوقعان على اتفاقيات تجارية تبلغ قيمتها حوالي 20 مليار دولار، بما في ذلك اتفاق للسماح باستغلال حقول النفط الفنزويلية الجديدة من قبل شركة النفط الروسية التي تسيطر عليها الدولة.

 وفي مناسبة أخرى اوقعت فلاديمير بوتين في شباك دبلوماسية الحيوان البلغارية، ففي عام 2010، أهدى رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف لبوتين كلبًا بلغاريا من نوع كاراكاشان يُدعى بافي والذي ثبت لاحقًا أنه أحد حيوانات بوتين الأليفة والمفضلة، واستغل رئيس الوزراء البلغاري هذا الحدث أثناء توقيع اتفاق خط أنابيب الغاز بين روسيا وبلغاريا والذي مكنه من الحصول على امتيازات كبيرة.

وفي حادثة أخرى ارسل من خلالها الرئيس بوتين رسالة ربما تكون تحذيرية للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لم يفهم مبتغاها تتعلق بحكاية عن كلبه، وهو جرو اسكتلندي يدعى بارني.

حيث عندما تم تقديم بارني للرئيس بوتين من قبل جورج بوش، قال بوتين حينها: “هل تسمي هذا كلباً؟

وبعد عام واحد فقط من الواقعة، قامت عائلة بوش بزيارة بوتين في منزله الريفي بالقرب من موسكو، حيث تم إدخال كلب بوتين الضخم، وهو أكبر بكثير من كلبهم، وكان على بوتين أن يقول: “هل ترغب في مقابلة كلبي؟ إنه أكبر وأقوى وأسرع من بارني”.

هذا وقد استخدم بوتين نفس الكلب في مناسبات أخرى لارسال رسائل هادفة إلى منافسيه او خصومة.

هذا وهنالك الكثير الكثير من الأمثلة والممارسات لايسعنى التطرق إليها لكثرتها ولاسيما في دول آسيا كونها غنية بالحيوانات الغريبة والفريدة ولعل أبرز الأمثلة عليها هي هدية تنانين كومودو التي قدمها السيد سوهارتو، الرئيس الإندونيسي، إلى لي كوان يو رئيس سنغافورة في الثمانينيات وإلى الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب. بوش في عام 1990.

ولا يفوتنا التطرق لأحدث الممارسات الدبلوماسية في مجال دبلوماسية الحيوانات بين الدول والتي حدثت في وقت قريب فقد أرسلت الجمهورية التركية على سبيل الهدية الدبلوماسية كلبا من نوع الراعي الألماني إلى المكسيك عبر الخطوط الجوية التركية تعبيرا عن الشكر والامتنان للحكومة المكسيكية التي ارسلت عدد من كلاب البحث المدربة كبادرة للمساعدة والعون في البحث والانقاذ والتي توفي خلالها أحد الكلاب المرسلة جراء التعب خلال أيام من العمل المتواصل دون راحة، عقب تعرض العديد من المحافظات التركية في فبراير الماضي من العام 2023، إلى زلزالا مدمرا أوقع الالاف من الضحايا بين قتيل وجريح.

وفي الختام تعد الحيوانات من المصادر المهمة التي لاتنضب ولاسيما عندما يتعلق الأمر بممارسة الدبلوماسية الثنائية بين الدول وتوسيع القوة الناعمة،ولاسيما عندما يكون لها تأثير إيجابي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحيوانات اللطيفة والاليفة، وفي الوقت ذاته فإن ممارسة الدبلوماسية الحيوانية مستمرة في وقتنا الحاضر وتعد من أهم وانجح الممارسات الدبلوماسية في ظل ممارسات القوة الناعمة للدول في سياستها الخارجية، ونأمل أن تستمر في المستقبل.


مشاهدات 242
الكاتب اثير هلال الدليمي
أضيف 2024/03/02 - 1:36 AM
آخر تحديث 2024/05/16 - 3:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 6 الشهر 6477 الكلي 9244515
الوقت الآن
الجمعة 2024/5/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير