الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة

شعراء في مجالس الحكام

إضاءات
بواسطة azzaman

أذن وعين

شعراء في مجالس الحكام

عبد اللطيف السعدون

 

ليس حكام العرب وحدهم ممن اعتادوا أن  يضعوا للشعراء مكانة في مجالسهم، أو في مناسبات تنصيبهم، بعض رؤساء الولايات المتحدة فعلوا ذلك ايضا حيث يعتبر طقس «الشعر في حضرة الحاكم» تقليدا ابتكره الديمقراطيون في ستينيات القرن الراحل، ولم يعطه الجمهوريون اهتماما، ففي حفل تنصيب جون كندي  أنشد روبرت فروست قصيدة زعم فيها ان أرض أميركا « كانت لنا قبل مئة عام  وحتى قبل أن نكون أبناءها».

نبض الصباح

وفي الولاية الأولى لبل كلينتون أنشدت مايا انجلو قصيدة «نبض الصباح» التي تغنت فيها بالحلم الأميركي، وخاطبت المهاجرين الذين قدموا الى الولايات المتحدة أن يصلوا من أجل هذا الحلم، وأن يتحلوا بالشجاعة، ويطلقوا تحية الصباح لوطنهم الجديد، وفي ولايته الثانية كانت قصيدة ستانلي ميلر وليامز شاعر حفل التنصيب «عن التاريخ والأمل» مشبعة بالدلالات الصريحة، وكذا الايحاءات عن تاريخ أميركا (هل لأميركا تاريخ حقا؟)، وعن الأميركيين الذين «حفظوه عن ظهر قلب، كيف ولدت أميركا، وكيف كانوا وأين، وقد قالوا كلماتهم في صمت، ورووا حكاياتهم، وأنشدوا أغنياتهم القديمة، ووضعوا كل هذا التاريخ في أيدي أطفالهم الذين سيدركون كم هي كبيرة هذه الهدية التي لن ينسوها»! بارك أوباما آخر رئيس «ديمقراطي» اختار في حفل تنصيبه إليزابيث ألكسندر لتكون شاعرته، رغم أنها لم تكن معروفة على نطاق واسع حتى عند مواطنيها الأميركيين، هي الأخرى تغنت بأمجاد أميركا وتأريخها، «لنغن بأسماء من ماتوا كي نجئ الى هنا، هم الذين قادوا عربات القطار، واقاموا الجسور، وقطفوا ثمار القطن، وبنوا حجرا فوق حجر الصروح المتلألئة بالضوء، فلنغن تمجيدا لكفاحهم، ولكل علامة نقشتها يد عاملة».

رئيس جديد

استوقفني في قصائد التنصيب أنها لم تحو تمجيدا للرئيس الجديد، أو حتى إشارة مباشرة أو غير مباشرة له، وفي ذهني ما عهدناه، نحن العرب، في أشعارنا حين نقف في حضرة الحاكم في مناسبات كهذه لنغدق عليه كل ما يتراءى لنا من صفات تميزه عنا وعن بقية البشر، المتنبي وصف سيف الدولة بأنه «حسام الملك ولواء الدين وأبو الهيجا وشمس الزمان وبدره»، والجواهري خاطب الملك الراحل فيصل الثاني في عيد مولده: «يا نبتة الوادي، ونغمة عطره، يا نبعة الثجاج في اليوم الصدي» الا أن الجواهري راجع موقفه فيما بعد وأسقط القصيدة من دواوينه، كما وصف الحسين ملك الأردن الراحل في وقفة له أمامه بأنه «يرقى الجبال مصاعبا ترقى به، ويعاف للمتحدرين سهولا»، وهي نسخة منقحة عن قصيدة له في مديح الوصي عبدالاله أسقطها هي الأخرى من دواوينه، خاطبه فيها بالقول: «عبدالاله وليس عابا أن أرى عظم المقام مطولا فأطيلا، قدت السفينة حين شق مقادها، وتطلبت ربانها المسؤولا»، وقال في عبدالكريم قاسم: «عبدالكريم وفي العراق خصاصة ليد، وقد كنت الكريم المحسنا، أسديتها بيضاء لا متنفجا بالنعمة الكبرى ولا متمننا»، وفي حافظ الأسد «يمينا أنك الأسد، له عن غاية رصد»، هنا يكون الجواهري الشاعر الوحيد الذي مدح معظم الرؤساء والملوك العرب  الذين مروا به، ومر بهم.

ومن جانب آخر، يكون صدام حسين أكثر حاكم في عصرنا حصل على قصائد مديح واطراء قيلت في حضرته وهو الذي عرف بغوايته في عقد مجالس يتبارى فيها الشعراء في الثناء على شخصيته، واطراء محاسنه، وكان يغدق عليهم بالمكافآت المالية والسيارات، على أنه في أواخر أيام حكمه استدرك مسألة اقتصار القصائد على مديحه والاشادة به فطلب من الشعراء ان يكتبوا قصائد في الغزل والحب، وبالفعل انشد بعض الشعراء في حضرته قصائد في هذا الضرب من الشعر، وقد رأى عديد من شعراء تلك المرحلة  في طقس الشعر هذا حالة تملق وانتهازية لم يرتضوها لأنفسهم فنأوا عنها بحجة أو بأخرى، وبعض منهم تنصلوا من قصائدهم في زمن لاحق. وانصافا، فان شعراء البيت الأبيض لم يجربوا خطيئة تمجيد الحاكم ووصفه بما يميزه عن البشر، لأن شعر المناسبات، كما تقول شاعرة أوباما إليزابيث ألكسندر «مناقض لطبيعة الشاعر، وعليه إذا ما اختاره أن يستخدم لغة يقظة قادرة على أن توظف النص لرؤية الأحوال الماثلة في المجتمع ولتقييمها»، وهذا ما فعلته هي.

 

 


مشاهدات 319
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2024/09/07 - 12:32 AM
آخر تحديث 2024/12/14 - 3:21 AM

طباعة
www.Azzaman-Iraq.com