الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإمبراطورية‭ ‬العراقية

بواسطة azzaman

الإمبراطورية‭ ‬العراقية

محمد زكي ابراهيم

 

من‭ ‬ألمع‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬أنجبتها‭ ‬إيطاليا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬رجل‭ ‬اسمه‭ ‬جوزيب‭ ‬مازيني‭ (‬1805‭ ‬–‭ ‬1872‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مؤسسي‭ ‬جمعية‭ (‬إيطاليا‭ ‬الفتاة‭) ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬ملهمة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى،‭ ‬التواقة‭ ‬للاستقلال‭. ‬وقد‭ ‬قضى‭ ‬عمره‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هدف‭ ‬سام‭ ‬عظيم‭ ‬هو‭ ‬نشوء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإيطالية‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬أقواله‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬ماتزال‭ ‬موضع‭ ‬اهتمام‭ ‬رجال‭ ‬السياسة،‭ ‬أن‭ ‬البلدان‭ ‬الصغيرة‭ ‬ذات‭ ‬اللون‭ ‬الواحد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬بالانتخاب،‭ ‬وتساس‭ ‬بالشورى،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬والدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬بسبب‭ ‬تعدد‭ ‬الأجناس،‭ ‬والأعراق،‭ ‬والثقافات،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تحتفظ‭ ‬بتماسكها‭ ‬إلا‭ ‬بحكم‭ ‬استبدادي،‭ ‬يقيها‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬والتفكك‭ ‬والانهيار‭.‬

لقد‭ ‬قاد‭ ‬مازيني‭ ‬ثورة‭ ‬شعبية‭ ‬كان‭ ‬شعارها‭ (‬الله‭ ‬والشعب‭)‬،‭ ‬أسهمت‭ ‬باندماج‭ ‬الولايات‭ ‬الإيطالية،‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأمراء‭ ‬والنبلاء،‭ ‬الذين‭ ‬يتوارثون‭ ‬السلطة،‭ ‬ويسترقون‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬مقاطعته،‭ ‬ويرى‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬خصوصية‭ ‬ما،‭ ‬تميزها‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬وأن‭ ‬الصلة‭ ‬التي‭ ‬تجمعه‭ ‬بجيرانه‭ ‬عادية‭ ‬جداً،‭ ‬وكان‭ ‬رعاياها‭ ‬منشغلين‭ ‬بتحصيل‭ ‬أقواتهم‭ ‬اليومية‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شئ‭ ‬آخر،‭ ‬وكانوا‭ ‬مجبرين‭ ‬بسبب‭ ‬نظام‭ ‬الإقطاع‭ ‬على‭ ‬الانصياع‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأمراء،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يصدر‭ ‬عنهم‭ ‬من‭ ‬أوامر‭ ‬وتعليمات‭.‬

‭ ‬وحينما‭ ‬يتأمل‭ ‬المرء‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق،‭ ‬ويقارنها‭ ‬بما‭ ‬وقع‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬حوادث،‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ (‬مفهوم‭) ‬الإمبراطورية‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬أيضاً،‭ ‬فهو‭ ‬على‭ ‬صغره‭ ‬النسبي‭ ‬يضم‭ ‬أعراقاً‭ ‬وفئات‭ ‬دينية‭ ‬ومذهبية‭ ‬مختلفة،‭ ‬بسبب‭ ‬موقعه‭ ‬كدولة‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ولم‭ ‬يؤد‭ ‬نظام‭ ‬الانتخاب‭ ‬الذي‭ ‬شرع‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬ابتعاد‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أثير‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬التي‭ ‬منحت‭ ‬الجميع‭ ‬حق‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬نفور‭ ‬لدى‭ ‬عدد‭ ‬منها،‭ ‬وميل‭ ‬للافتراق‭ ‬عند‭ ‬الآخر‭. ‬بل‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬الانفصال‭ ‬أيضاً‭.‬

‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬العراق،‭ ‬الذي‭ ‬هبطت‭ ‬عليه‭ ‬بسبب‭ ‬دوره‭ ‬الحضاري‭ ‬العظيم‭ ‬مجموعات‭ ‬مختلفة،‭ ‬تعايشت‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬خلال‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬أو‭ ‬العشائري‭ ‬الصارم،‭ ‬وجدت‭ ‬فرصتها‭ ‬الآن‭ ‬للانفراد‭ ‬بالعيش‭ ‬بما‭ ‬يتهيأ‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أراض‭ ‬وثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬وعلاقات‭ ‬خارجية،‭ ‬وبدأت‭ ‬تتصرف‭ ‬كشعوب‭ ‬شبه‭ ‬مستقلة‭ ‬داخل‭ ‬كيان‭ ‬امبراطوري‭ ‬واحد،‭ ‬وقد‭ ‬وجدت‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تحتفظ‭ ‬بعلاقات‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬المركز،‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬طموحات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬قول‭ ‬مازيني‭ ‬بأرجحية‭ ‬الاستبداد‭ ‬قابلاً‭ ‬للنظر‭ ‬والتأمل‭.‬

‭ ‬على‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الفرصة‭ ‬لم‭ ‬تفت‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬النيابي‭ ‬القائم‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬توازنات‭ ‬قلقة،‭ ‬بشكل‭ ‬يضمن‭ ‬سلامة‭ ‬الدولة،‭ ‬ويتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬قيود‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬الدعوات‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬الانفلات‭ ‬الأمني،‭ ‬والتمزق‭ ‬السياسي،‭ ‬وإنشاء‭ ‬قوات‭ ‬ضاربة،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬لجم‭ ‬أي‭ ‬حركات‭ ‬انفصالية،‭ ‬أو‭ ‬انقلابية،‭ ‬والإتيان‭ ‬بمرجعية‭ ‬سياسية‭ ‬رافضة‭ ‬لأي‭ ‬خطاب‭ ‬يهدد‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬فقليل‭ ‬من‭ (‬الاستبداد‭) ‬لا‭ ‬يضر‭ ‬العراقيين،‭ ‬بل‭ ‬ينفعهم،‭ ‬ولا‭ ‬يفرق‭ ‬بينهم،‭ ‬بل‭ ‬يجمعهم‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬العراقيون‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تداخل‭ ‬صلاحيات،‭ ‬وفساد‭ ‬مالي‭ ‬وإداري،‭ ‬وتراجع‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الصناعة‭ ‬والزراعة‭ ‬والسياحة،‭ ‬ناتج‭ ‬من‭ ‬تضعضع‭ ‬الشعور‭ ‬بالوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يستمر‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭.‬


مشاهدات 179
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2024/03/13 - 2:15 PM
آخر تحديث 2024/05/16 - 3:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 219 الشهر 6222 الكلي 9244260
الوقت الآن
الخميس 2024/5/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير