مشاهدات من لبنان

صيدا عاصمة الجنوب وقلعتها البحرية تتحدى الزمن

 بيروت - رعد ابو كلل الطائي

 مدينة صيدا مدينة ساحلية تقع شرقي البحر المتوسط وثالث اكبر المدن اللبنانية بعد بيروت وطرابلس وفقاً لعدد السكان وعاصمة محافظة لبنان الجنوبي وإحدى اقدم مدن العالم التي ما زالت آهلة بالسكان إلى اليوم تقع شمال مدينة صور بحوالي 40 كم وجنوبي بيروت بحوالي 45 كم ولا يتطابق موقع صيدون الكنعانية التي كانت موغلة إلى الشرق اكثر يدل على ذلك أن معظم الآثار الكنعانية المكتشفة وجدت في القباعة والهلالية وأخيراً في تل شرحبيل بن حسنة في بقسطا شرقي المدينة الحالية بينما انحصرت صيدا ضمن اسوارها حتى اواسط القرن التاسع عشر الميلادي فقد اخذت فيما بعد بالتوسع نحو الشمال والشرق عبر البساتين التي تغطي سهلها في حين يبلغ عدد سكانها حالياً ربع مليون نسمة .

مدينة تأريخية

وصيدا تُعد مدينة عريقة ذات شهرة تأريخية واسعة إذ كانت من اقدم دويلات المدن التي اسسها على شواطئ البحر المتوسط الكنعانيون وهم الذين عرفهُم الأغريق بالفينيقيين وبقيت لقرون تتنافس مع صور في دورها كعاصمة سياسية واقتصادية لدويلات الكنعانية وتعرضت المدينة منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد لأجتياحات عديدة ارهقتها في الجانبين السياسي والاقتصادي وأدت إلى تراجع مكانتها منذ أن غزاها الملك الأشوري فلاسر الأول ثم الملك البابلي نبو خذ نصر وبعده الإمبراطور الأخميني الفارسي قمبير الثاني ثم الإسكندر الكبير المقدوني واخيراً الرومان الذين ورثوا البيزنطينيين وتعرضت صيدا لعدد من الزلازل عبر التأريخ كان لبعضها آثار مدمرة وفادحة .

ودخل العرب المسلمون المدينة أثناء الفتح الإسلامي وكانت معظم العهد الإسلامي عبارة عن مدينة صغيرة وشهدت مناوشات ومعارك وانتقالاً للسيادة عدة مرات في فترة  الحروب الصليبية وبالرغم من استعادة المماليك لها إلا إنها بقيت معرضة لغارات من القراصنة الأوربيين في عهد المماليك .

وتعرضت المدينة لدمار كبير بسبب الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان بين عامي 1982م - 1984م

وشهدت منذ العقد الأخير من القرن العشرين بعد الحرب الأهلية اللبنانية نمواً متسارعاً أدى إلى تضخمها وتمددها نحو العديد من القرى المجاورة وتقلصت المساحات الزراعية .

صلة وصل 

 وتلعب صيدا دوراً  استقطابياً مهماً على مستوى جنوب لبنان وهي اليوم مركز محافظة لبنان الجنوبي ويتبعها ثلاثة اقضية كما يوفر موقعها المتميز ان تكون صلة وصل بين الجنوب وبيروت وبين الساحل والشوف وجزين وقد ازدادت اهميتها بعد اكمال الطريق السريع الجنوبي كما ويؤمن لها مرفأها فرصاً إضافية خاصةً بعدما يجري توسيعه

وتُعد صيدا مدينة آثارية بامتياز نظراً لتأريخها العريق وآثارها الزاهرة التي تتراوح بين العصور الكنعانية الرومانية والعربية والصليبية والمعينية والعثمانية فيما شهدت المدينة اكتشافات آثارية مهمة بعد اجراء حفريات في المدينة وجوارها ومن المعالم الآثارية المهمة في صيدا :

1 - قلعة صيدا البحرية أو قلعة المعز أو قلعة القديس لويس وقد سُميت بقلعة المعز نسبة إلى المعز لدين الله الفاطمي إذ أمر بترميمها وإعادة تحصينها وكانت تعرف قبل ذلك بقلعة القديس لويس نسبة إلى الملك لويس التاسع حين قاد الحملة الصليبية وأمر بترميمها هو الآخر خلال فترة إقامته بالشرق وهي من المباني الآثارية التي يمكن ادراجها تحت تصنيف القلاع والحصون والأبراج وأسوار المدن وتبعد حوالي 80 متراً عن شاطئ صيدا ويربطها به جسر صخري مبني على تسع قناطر ويعتقد إنه شيد مكان معبد فينيقي مخصص لعبادة الإله ملكرت والقسم الشرقي من القلعة كان مركزها الرئيسي وهو عبارة عن برج كبير له عدة بوابات من الجهة الجنوبية لا تزال بقاياه ظاهرة وبوابة واحدة من جهة الشرق ما تزال قائمة هي الأخرى ويبلغ طول هذا البرج 27 متراً وعرضه 21 متراً وبناؤه ضخم وسميك الجدران كالسور الخارجي واسُتعمل في بنائه أعمدة من الغرانيت ويُزين مدخل القلعة احجار سوداء منحوتة ويقع داخلها مسجد بناه الأشرف صلاح الدين خليل وجدده الأمير فخر الدين .

2 - متحف الصابون عمره ثلاثة آلاف سنة يقع في إحدى حارات مدينة صيدا اللبنانية القديمة التي تكتنز الكثير من الآثار والمعالم التأريخية والحربية والتراثية والتي تعود بداياتها في المدينة إلى القرن السابع عشر.

معدات تقليدية

ويقع المتحف في السوق القديم في صيدا إذ كان قديماً مصنعاً للصابون تم شراؤه في عام 1880م من قبل عائلة عودة وجعلته معملاً ومتحفاً للصابون في انٍ معاً ويتألف المتحف من صالة لعرض الصابون وعلى طول المسار في الداخل واجهات تعرض فيها القوالب وأدوات التصنيع القديمة كما تعرض تشكيلة من متنوعة من الصابون ويمكن متابعة المراحل المختلفة لتصنيع الصابون بواسطة زيت الزيتون عبر الاستعانة بالأدوات والمعدات التقليدية وتعرض الواجهات كذلك اغراضاً تقليدية مستخدمة في الحمام العربي فضلاً عن غلايين واواني فخارية تم العثور عليها في المكان.

وتباع في صالة المتحف تشكيلة صغيرة من المنتجات الغذائية التي تتميز بها منطقة صيدا منها : ماء الورد وتوت ورد مندرين والنعناع والعسل والحلقوم والمعمول وتوضح الوثائق التأريخية في المكتبة العامة لبلدية صيدا إن ريمون عودة اقدم على تأميم منزل ال عودة الكائن فوق المتحف وذلك وفقاً للقواعد والمعايير الفنية الرفيعة في أواخر القرن العشرين ويضم المنزل مؤسسة عودة ومتحف الصابون ووضع المبنى بتصرف ابناء صيدا لإحياء نشاطات ثقافية مختلفة من حفلات موسيقية وعروض أفلام  ومسرحيات وفعاليات اجتماعية .

3 - متحف صيدا التأريخي وهو احد القصور العريقة  يعود تأريخ بناؤه إلى سنة 1721م شيده علي اغا حمود وهو من جملة قصور عثمانية زهت بها صيدا ودُعيت بأسماء مُلاكها وصُنف القصر معلماً آثارياً عام 1968م وبقيت العائلة تشغله حتى العام 1978م .

وهذا المتحف اشتراه عام 1800م يوسف دبانة وأنشأ ال دبانة عام 2000م مؤسسة للعناية به ولا يزال يحتــــفظ بطابعه الشرقي الجميل وبُني بتخطيط وأسلوب المدرسة المعمارية الشامية المميزة ويعتبر القصر من أجمل القصور القديمة بأرضياته ذات الرخام الأبيض ونوافذه ذات الزجاج الملون ومن مميزاته عرض المنتجات الشرقية والمحلية وبأسعار رخيصة.