مكرمة الملكة
فاتح عبدالسلام
روى لي صديق، وهو أحد كفاءات العراق العلمية المشهود لها بالتفوق والرقي في الخارج، انه قام بالحديث عن وضع مدينة عراقية محطمة بالحروب والظروف الصعبة ، في مناسبة خاصة جمعته مع ملكة في احدى الدول الغربية التي أبدت تأثراً كبيراً لما حصل من تدمير للبنى التحية ، وبما انّ التعليم يرتقي الى الدرجات العليا في اهتمام الدول المتقدمة ، فقد اخبرته الملكة الموقرة ذات الشعور الإنساني النبيل، انها على استعداد لأن تتبرع فوراً ببناء أربع مدارس في أرقى المواصفات العالمية في تلك المدينة العراقية، وستتبعها ببناء ست مدارس أخرى مباشرة بعد مفاتحته الجهات العراقية المعنية للحصول على موافقتها في مباشرة شركات اجنبية بالبناء بأسرع وقت ممكن، على شرط أن تقوم الدولة المانحة بفتح اعتمادات مع الشركات للتنفيذ المباشر من دون تحويل أي مبلغ مالي الى العراق.
وقالت جلالة الملكة، تلك الانسانة فائقة الرقي التي حنّ قلبُها الكبير على تلاميذ عراقيين يبعدون عنها آلاف الاميال يعانون الأمرَين في مدنهم البائسة، مخاطبة الرجل العراقي موفور الاحترام لديها، انّ هذا الاجراء هو الشرط الوحيد في التعامل مع بلد ترتفع فيه نسبة الفساد الى مستويات عالية.
ذهب الرجل العراقي بكل همّة حاملاً هذه البشرى الى العراق ليصطدم بالرفض، والعبارات الشكلية التي ينطبق عليها مقولة كلمة حق يُراد بها الباطل، ورفضت جميع السلطات المعنية هذا السياق في أن تقوم ملكة أو دولة بتقديم هذه المكرمة الحقيقية.
عاد صديقي يحمل خيبة الامل، حزينا على حال البلد الغارق في المجهول، وحائرا كيف يشرح لجلالة الملكة ما جرى معه وما سمعه ، لكنه في النهاية مؤتمن على مسؤولية إعادة الجواب على المبادرة الملكية السخية، فكتب رسالة بالإيميل الى الملكة شارحاً كل التفاصيل، وهنا الرسائل لا يتم الاستنكاف في الرد عليها كما يحصل عندما يخاطب مواطن عراقي رئيس حكومته أو وزيراً في بلاده، فأجابته بكلمات مختصرة بليغة، من الممكن أن يخجل منها أي عراقي شريف، بالقول، «ألم أقل لك انّ الفساد هناك في أعلى مستوياته”.
هنيئا لكم الانتخابات العراقية التي ستلد جيلاً حكومياً جديداً قديماً من نفس المستويات المعيبة.
الى متى نلعن أنفسنا ملايين المرات حين تنسب لنا كلمة عراقي كصفة كما تنسب الى أولئك الذين ألحقوا الخزي باسم البلد وسمعته واجياله؟