الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في السيميائية وتشظّي علامة الزي الجامعي الموحّد

بواسطة azzaman

في السيميائية وتشظّي علامة الزي الجامعي الموحّد

كريم عبيد علوي

 

من الحكايات التي يحتفظ ُبها التراثُ الإنساني  ويلوحُ فيها انزياحُ وظيفية الرداء الذي هو وظيفة لستر الجسد إلى تمثلات ذهنية طبقية قاصرة تُقَيِّمُ الآخر في ضوء ما يرتديه ، مفادها أنَّ أحدهم ـ وكان رجلاً حكيماً ـ  لم يحفلْ به أحدٌ لبساطة ما يرتديه ، ولم يُقدَمْ له الطعامُ في مأدبة متاحة للجميع ، فما كان منه إلا أنْ يغادرَ مسرعاً  ليرتدي ما هو فخم وجذاب ،فاستُقبِلَ  في المرة الثانية بحفاوة وتكريم ووضع أمامه مائدة عامرة  تعكس اهتمامهم بما يرتديه لا بشخصه  ، فبادر للتهكم منهم فوضع طرف رداءه وغمسه في إيدام الطعام قائلا : ( كُلْ يا رداء ) ،  فالحكاية وإنْ كانت تتضمن نقداً لثقافة المظاهر السطحية القاصرة  الا أنَّها في الوقت نفسه تعكس حقيقة أن الآخر تتمثل صورته من خلال ما يرتديه من أزياء . ومن يطالع المعاجم اللغوية الحديثة التي أدخلت الصور والأيقونات في شرح معاني المفردات وما تحيل إليه يلحظ حضور الرداء والزي في بيان تلك الكلمات ، فكلمات مثل (درزي) و(كردي) و(راهب) تظهر صورهم بأزيائهم التي تصور هوياتهم الفرعية وهذا ما نجده في معجم المنجد .

تسمية الشيء

وواحدة من وسائل توليد الألفاظ التي ترتكز عليها آلية المجاز المرسل في تسمية الشيء بما يلاصقه ويجاوره باعتماد  مبدأ الملازمة أقول واحدة من تلك الوسائل هي تسمية الجسد بالرداء ، فالرجل العفيف يقال عنه (نقي الجيب)  و(طاهر الأردان) .  و الرجل النبيل المهذب الشهم  ذو المروءة من يحافظ على خصوصيات الآخرين و يكتم أسرارهم يقال عنه في العامية العراقية (ستر وغطاء ) ، و(الأفندي والعمامة والطربوش وأصحاب الياقات البيضاء  وأصحاب الياقات الزرقاء) كلها ألفاظ لها دلالات لتشكلات  وجماعات فكرية  ومهنية يجري التعبير عنها بما كانت ترتديه بفترة من الفترات ، وفي عاميتنا  العراقية  هناك مفردات ( الخاكي والزيتوني والبدلة السفاري ) ولها دلالة لحقبة ما  ، وفي الصحافة الرياضية والتعليق الرياضي تشيع ألفاظ لونية كنائية عن أندية وفرق كرة القدم  انطلاقاً من لون الملابس الذي يرتديه كل فريق ،  وهذا كله يصب في أنَّ الزي يشكل رسالة بصرية ترتبط بتمثلات الآخر وهويته ولاسيما إذا كان الزي مهيباً بغض النظر عن كونه بسيطاً متواضعا أو يدل على الفخامة ، فهو يترجم انتماء الفرد العلمي أو المهني كالزي الجامعي الموحد الذي كان يمثل رسالة بصرية تفرض على المستقبل أن ينظر لمن يرتديه بإكبار واهتمام وتقدير لكونه طالباً جامعياً  .  إنَّ التخلي عن الزي يمثل الخروج عن الدلالة الرمزية للزي وعدم استلهام ما يتضمن من إيحاء قيمي  ، وقد يدل تغيير الزي إلى تحول في الهوية وخلق هوية بديلة ، فملك العراق فيصل الأول أراد أن يميز العراقيين عن الأزياء الرسمية الأخرى التي ترتديها البلدان العربية ، فارتدى( السدارة) التي سميت باسمه (الفيصلية) ،  والعباسيون بعد أن استقامت لهم الخلافة الإسلامية والملك اتخذوا لون السواد لوناً لعمائمهم بدلاً من الأخضر الذي كان يرتديه العلويون  ليمثل السواد تقابلاً ايديولوجياً مع اللون الأخضر وكونهم الطبقة الحاكمة . ويحتفي كثيراً عالم الاجتماع الفرنسي (بورديو) في كتابه (الهيمنة الذكورية) برواية  ( أورلاندو )  للكاتبة الانكليزية ( فرجينيا وولف) التي يتحول  البطل  في روايتها بطريقة عجائبية إلى أنثى ، فهي من الروايات التي تهتم بالنسوية و بقضايا المرأة ،  فالرواية تجسد مفارقات كثيرة تحدث للبطل الرجل حينما يتحول إلى جسد أنثى بعقل رجل من بينها تقاطيع جسده الجديد وما يرتديه من ثياب أنثوية لا تتيح له الحركة والحرية كما تتيحها ثياب الرجل ، فالهوية الأنثوية الجديدة لها إرغامات تسهم في خلق الحبكة وواحدة من تلك الإرغامات ملابس الأنثى التي يتوجب عليه ارتداؤها . إنَّ زي المرء وما يرتديه يتشكل من خلال ما  يفرضه جسده  وانتماؤه  القيمي الاجتماعي ودخله المادي  وقبل ذلك كله  ذوقه الشخصي ومقتضيات الملاءمة في حرية الحركة والجلوس و التنقل وستر الجسد ، فالزي يمثل مصداقاً جليا للرسالة البصرية التي تخضع للمعالجة الذهنية والفهم السريع أكثر من المرسلة اللغوية  ، فالأخيرة تتشكل في مسار خطي تعاقبي في توالي الفونيمات الصوتية والفواصل الزمنية الدقيقة التي تبلغ أجزاء من الثانية الواحدة  في أحيان وكل ذلك يستلزم  وقتاً أطول ومعالجة متأنية موازنة بتلقي المرسلة البصرية التي يتمثلها الذهن في بعد كلي (جشطالتي) بنحو أسرع من غيرها من رسائل كتابية أو صوتية  ،  والزي هو خطاب خاضع للتأويل وليس نصاً منقطعاً عن سياق تشكله وتلقيه ، فاللون ونوع القماش وتفصيل الثوب وما يظهره  أو يجسمه وما يخفيه من الجسد له دلالة اجتماعية من حيث الجرأة والمحافظة والاحتشام ، وله دلالة من حيث الملاءمة العمرية للرجال والنساء على حد سواء  فيعكس نزقاً أو طيشاً أو يعكس هيبة ووقاراً ، وله دلالة في خرق المحظور الاجتماعي القيمي والعرف ، فقد يدل على التمرد المغرور العابث غير المسؤول  أو التمرد الزاهد المتواضع الثائر على قيم شكلية فارغة ومثاله النزعة  الصوفية الروحية الزاهدة ، أو يدل على التمرد الساخر الناقم المتصعلك  أو يدل على الوقاحة غير المحتشمة  والمبتذلة  أو يدل على  التزمت أحياناً .  وإذا تفاوتت الخطابات اللغوية في درجة مصداقيتها وتظاهرها في بناها السطحية بمحمولات إبلاغية  تتناقض في رياء أو تمويه أو تضليل وخداع  متعمد مع ما تبطن في  دلالاتها العميقة المستترة  فإن الذوق والأزياء تكشف في الغالب حقيقة  الفرد و ثقافته وهويته وميوله الذوقية ، فالذوق بنحو عام وبحسب الناقدة الفرنسية (سيمون دو بوفوار) (  الذوق خطاب صادق أبداً) يشف عن هوية المرء ومزاجه  . ومن النقاد البنيويين الذين استلهموا مقولات( دي  سوسير)  في العلامة اللسانية والبنية والنظام في تحليل الخطابات الأدبية والممارسات الاجتماعية والثقافية  الناقد الفرنسي ( بارت) الذي دعا إلى انضواء النظر السيميائي تحت لواء الفكر اللساني البنيوي في التحليل مستلهما مفاهيم التقابل والمغايرة في تحليل العلامات  الأدبية التي امتدت لتشمل الآثاث والطعام والأزياء  ، فلون البدلة يمثل انتقاء ضمن محور الاختيار يقيد الانتقاءات الرأسية في محور التوزيع فيحد من خيارات لون القميص ، والأخير أيضاً يدخل بعلاقة توزيعية مع لون ربطة العنق بعلاقة تجاورية تقيد الخيارات الممكنة للون الربطة وهكذا بقية الزي  ، ونظر (بارت) للزي بوصفه علامة دالة على الهوية الاجتماعية لا سيما الأزياء المهنية أو المؤسساتية التي تحرص على تمييز منتسبيها بألوان تفرقهم عن غيرهم ، فاللون بحد ذاته  بطوله الموجي وتردده الفيزياوي لا يمتلك فاعلية ذاتية للتدليل بمعزل عن مغايرته وتقابله مع الألوان لمنتسبي المؤسسات الأخرى التي تخالف لون المؤسسة التي يرتديها الفرد ، نعم تحرص كثير من المؤسسات على إيجاد مناسبة مع حقلها المهني كاللون الأبيض في زي المؤسسات الصحية لرسالته البصرية المريحة ، واختيار الألوان الغبارية  والترابية الصحراوية يناسب زي المؤسسة العسكرية  التي تحرص على التمويه والاختباء في المعارك والقتال . وألوان الزي الجامعي (الأبيض والرصاصي والنيلي) التي كانت قارة في العرف الجامعي لها دلالات رمزية ، فاللون الأبيض يوحي بالسكينة والروحانية والهدوء وقيم  الجمال و الخير والصفاء ويستبطن  في دلالة الزي الجامعي على ذروة الشيء وكماله في بعد ترميزي لكمال طلب المعرفة  العلمية المنضبطة في سلم القيم الاجتماعية .

روافد المعرفة

فإذا كانت القيم الانسانية تنبع من ثلاثة روافد (الخير، والمعرفة  ، والجمال) فهي تجتمع معا في دلالة اللون الأبيض ، واللون المقارب له  المحايد الذي يمثل الوسطية في التدرج اللوني هو اللون الرصاصي الذي قد يمثل الحيادية والجدية ، وهذه الدلالات اللونية تتلاءم مع  فلسفة الجامعة في التفكير العلمي المنهجي المنظم المرتكز على الموضوعية والحياد كما أنَّ اختيار اللون النيلي لـ(السترة)  يناسب  أهداف التعليم فهو يرمز للحكمة والاستنارة والبصيرة المعرفية  وهو ملائم في درجته اللونية للون الرصاصي والأبيض. ففلسفة الزي الموحد من غير الصحيح أن تختصر بتقليل الفوارق والمظاهر الطبقية بين الأفراد والطلبة بل  الأمر ينبع من خلق انتماء لحقل المعرفة وتشكيل هوية جمعية  لحقل التفكير العلمي  الأكاديمي المنظم  . هذه الألوان في الذاكرة الجامعية العراقية  في ثمانينيات القرن الماضي ومستهل التسعينيات كانت لها دلالة اجتماعية طيبة في النظر إلى الطالب الجامعي  بعين الإكبار والتقدير من قبل الأفراد والشارع خارج الجامعة ، وكانت لحظات ارتداء الزي الموحد في الأيام الأولى تمثل فرحة غامرة لطلبة الجامعات  وهم مقبلون على حياة جامعية جديدة تمثل أجمل وأزهى أيام حياتهم ، وكان الالتزام الجمعي الطوعي يمثل صورة لونية زاهية تعكس هيبة الجامعة ورصانتها وجدية أجوائها في تحصيل العلم والانضباط القيمي ، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الانضباط اللوني  الطوعي يضاهي المشهد الروحي للحجيج المتوحد في البياض الناصع ومشهده الروحي المهيب .

إنَّ من ينظر في تعليقات الطلبة على الفيس بوك على الزي الموحد يرصد مستوى البرم والضيق الكبير من فرض الزي الموحد ، وهذه الخطابات ممكن تصنيفها في ضوء المناهج  البينية ولا سيما المنهج النقدي الاجتماعي لتحليل الخطاب لـ (فيركلف)  ضمن الخطابات التحررية الناقدة التي تحاول أنْ تفلت من قبضة هيمنة الخطابات السلطوية وإرغاماتها ولوائحها ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك التحرر يحمل قيماً نضالية مقبولة دائماً  فهو تمرد عابث سطحي .

وإذا كان الخطاب مجموعة من العلامات  ويرتبط بسياق ثقافي له فاعلية إبلاغية فالزي هو مجموعة من القطع يمكن أن يكون خطاباً ، ويمكن أن يُعبَر عن الخطاب بما يتضمن من وحدات بنائية أقل في التكوين كأنْ يُعبَر عنه بالعلامة في ضوء تقنية المجاز المرسل  ، فالزي هو أيضاً خطاب يفصح عن هوية ، ويكون علامة ترمز للفرد وتعين انتماءه  . إنَّ تشظي العلامة هو الوجه الآخر لتشظي الخطاب وفقدانه لمركزيته القصدية في التدليل وخضوعه لتأويلات متعددة ومغرضة وفي أحيان تخضع لإرغامات تاريخانية تبعا لأفق المؤول دون النظر لدلالتها الوضعية الحرفية ، وإذا كان ذلك مقبولاً في الخطابات الأدبية أو التي يكتنفها الغموض إلا أنَّ تشظي الدلالة الأيقونية البصرية كالأزياء في تعدد التأويلات يؤشر لتحولات خطيرة و إشكالية ثقافية واجتماعية ومحنة أخلاقية بل يمثل معضلة قيمية كبيرة  لا سيما في الأيقونات ذات الدلالة القيمية كالزي الجامعي الموحد ، التي ينبغي أن  تكون ملاءمتها التأويلية  عالية لصلتها الشديدة بسياقها المؤسساتي فلا تحتاج إلى مؤونة كبيرة في التدليل ، لكنها اكتست بطبقات تأويلية  متعددة إلى حد التناقض الصارخ شكلتها أمزجة مختلفة لم تنجح المؤسسة الأكاديمية  وبرامجها التربوية في صهرها في بودقة الهوية الواحدة   ، فمجرد الإعلان عن الزي ولد وجهات نظر متعددة ورافضة ، إذ في غياب عدم التشدد الرسمي لارتداء الزي الموحد يخضع  من يرتدي الزي لتفسيرات  متعددة ومتشظية وناقدة بنحو لاذع من زملائه  تصل إلى حد السخرية الشديدة والتهكم  في نعت الملتزم بالزي تصل إلى الوصف بالجبن و الخوف من اللوائح الرسمية  أو الاتهام بتعقيد الذوق والمزاج النفسي  ، أو الاحتماء بالزي الواحد لعدم امتلاكه لذوق ينافس أذواق البقية أو انعدام الخيارات في تغيير  بسبب الضائقة المالية ، وهذا الأمر قد تعاني منه الطالبات  بشدة أكثر مما يعاني منها الطلبة الذكور في الجامعة فيشكل عبئا معنوياً ونفسياً ومادياً مرهقاً لهن إزاء المبالغة  المفرطة بعرض الموديلات المختلفة من الأزياء والألوان والاكسسورات  . يعزز ذلك وفرة الأندية وملتقيات الاستراحة داخل الجامعة ووجود مولات التسوق مما يعزز ثقافة المظهر وحب الظهور والتأنق لدى الطلبة ، ولاشك أنَّ ذلك كله يحتاج وقتاً واهتماماً وتفكيراً ربما يزاحم وقتهم واهتمامهم وتفكيرهم الذي يفترض أن يتم ادخاره للتحصيل والدراسة والتزود من المعارف الجامعية  مما ينعكس سلباً على مستواهم الدراسي وتتحول الجامعة إلى فضاء ترفيهي يحتفي بالمظهر ويدعم أجواء المرح أكثر من خلقه لأجواء علمية رصينة تسهم في صقل ثقافتهم وإعدادهم الإعداد الفكري والعلمي . و قد نجد في بعض مظاهر حفلات التخرج لدى طلبة الجامعة  التي خضعت للنقد الشديد والرفض وأخيراً للمنع الرسمي داخل الحرم الجامعي لما قد يرافق تلك الطقوس من مظاهر مبالغة بها و قد لا تنسجم مع القيم الجامعية  أقول ـ (قد نجد) بدلالة التقليل ـ قد نجد بعض مظاهر الأزياء التنكرية  التي تشيع لدى الشباب والطلبة أكثر مما هي لدى الطالبات ، فهي وإن حضرت  لدى الطالبات فغالباً ما يكون ذلك الزي التنكري مرتبطا لديهن  بارتداء زي شعبي فلكلوري يميل إلى المحافظة والرزانة أكثر من الأزياء التنكرية لدى الطلبة ، وغالباً ما تصدر تلك الأزياء التنكرية في حفلات التخرج من محاكاة غير واعية لحفلات التنكر الغربية مما يشف عن تدني ثقافة الزي لدى الطلبة مما يؤسف له ، فهذه الممارسة الاحتفالية لا تصدر عن مثاقفة واعية لفلسفة حلفة التنكر عند الغربيين والتلاقح الثقافي بما يراعي الخصوصية الثقافية والمنظومة القيمية المحلية ، فهي ترتبط في حفلات التخرج  الجامعية بالصخب وخلق الدهشة لجلب الانتباه وإضفاء طابع المرح  والسخرية العابثة غير الناقدة  بينما حفلات التنكر الغربية   تقوم على إخفاء الهوية الذاتية للفرد أو هويته المؤسساتية لدواع ترتبط بالمرح والترويح عن النفس  والاحتفاء في الوقت نفسه بالرموز والأيقونات التي شكلت الهوية الجمعية ، فهي تتضمن بعداً كرنفالياً عابراً للحقب التاريخية للحضارة الواحدة ، فاستدعاء تلك الرموز قد يمثل جانباً تبجيلياً أو ناقداً ساخراً لها كأزياء العهد الفكتوري وايقونة (نابليون )وقناع( هتلر ) أو قناع (انشتاين) الضاحك  .  ونجاح الزي التنكري ودهشته لا يرتبط فقط بما يخفيه من هوية الفرد فحسب بل بما يتضمن من استدعاء للرموز القومية في إطارها الكرنفالي وبما يتضمن من نقد ساخر متحرر  لرموز الهيمنة وصناعة الرعب وأيقونات الاستبداد والقبح ، و ربما اتخذ التحليل النفسي لسيكولوجية الجماهير الحفلات التنكرية وسيلة للكشف عن الرواسب المكبوتة في اللاشعور الجمعي ، ، فأيقونة (جيفارا) مثلا أو أيقونة (نابليون) بوصفهما قناعاً تنكرياً لا يصلحان مع كل ثقافة حتى داخل الحضارة الغربية التي تخضع  لديها هذه الرموز لدلالات تصل إلى حد البطولة عند البعض أو اللصوصية والعنف وإرهاب الحرب عن البعض الآخر ، فالعلامة السيميائية تكتسب فاعلتيها الإبلاغية في الإيحاء والنقد والسخرية داخل الثقافة الواحدة ، وغالباً ما تضرب الأدبيات السيمائية مثال رمز( البومة) على اختلاف الوظيفة الاجتماعية للعلامة بين ثقافة وأخرى ، فقسم من المجتمعات ومنها العربية تمثل لديهم رمزا للتشاؤم ، وفي ثقافات ثانية تمثل رمزاً للحكمة والمعرفة ، فالزي التنكري لدى الطلبة هو محاكاة سطحية عابثة  لحفلات التنكر الغربية و غير مدرك لفلسفة الزي التنكري وغير مدرك لخصوصيتنا الثقافية وغالباً الأيقونات  التنكرية لدى الطلبة مستفزة ومستوحاة من ثقافة أفلام الرعب ( والايمو) ، نعم توجد رموز وأقنعة تستلهم التخصص العلمي  للطلبة ولكن الطابع الغالب على الأقنعة التنكرية هو الإثارة والصخب ، فهذا مؤشر لتدني ثقافة الزي بنحو عام .  ولا يحضر الالتزام بالزي الجامعي بشكل جمعي منظم يعكس الذوق والهوية الجامعية إلا في مشاهد التقاط صور التخرج  الجامعية إذ يتشح الطلبة بروب التخرج مع ارتدائه للزي لتوثيق لحظات تاريخية مهمة تؤرشف وتؤرخ لتخرج الطلبة وفي هذا الأمر أكثر من دلالة ، ومع جمالية هذا المشهد المفعم بالفرح إلا أنه لا يعكس الانضباط الحقيقي بالزي  فهو مشهد  آني وقتي . إنَّ عدم اكتراث الطلبة بارتداء الزي الموحد واستهجانهم للوائح الرسمية التي تفرض ارتداءه هو مؤشر فشل لجامعاتنا في خلق منظومة قيم علمية وسلوكية وذوقية يؤمن بها الطالب وتمثل له اتجاهاً سلوكياً وتصب في تشكيل هويته الجامعية واعتزازه بقيمها مما يقتضي مراجعة نقدية صادقة وجريئة لبرامج التعليم والتثقيف الجامعي وتفعيل لوائح الانضباط الرسمي ، فكل ذلك يسهم في خلق مناخ وبيئة تناسب التلقي  المثابر والتحصيل العلمي الجاد  وتقصي ثقافة المظهر المبالغ فيه والنزعة الشكلية السطحية اللاهية والعابثة بعيداً عن  فضاء الحرم الجامعي . إن الجامعة فقدت هيبتها يوم تخليها عن الزي الموحد ولا مناص ـ لإعادة تلك الهيبة المفقودةـ  من إعادة الانضباط بالزي الموحد باستلهام دلالاته اللونية في أبعدها الرمزية .

باحث وتدريسي في جامعة بغداد كلية التربية للبنات


مشاهدات 64
الكاتب كريم عبيد علوي
أضيف 2025/09/26 - 5:51 PM
آخر تحديث 2025/09/27 - 7:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 231 الشهر 19468 الكلي 12037341
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير