حرمان المرأة من إرث العقار
محمد عبد المحسن
شاهدت شريط فيديو لأحد أساتذة القانون بجامعة بغداد يطرح فيه رأياً شرعياً خلاصته عدم توريث المرأة الأرض ويدافع فيه عن رأيه هذا الذي تحرم المرأة على أساسه مما يتركه الوارث من الأرض السكنية أو الزراعية، وعند مناقشة الرأي دافع الأستاذ الكريم عنه مستنداً إلى قول الله تعالى في الآية (105) من سورة الأنبياء “ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذِكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون “ دون الإشارة إلى الإماء الصالحات ، وعلى هذا يقتصر إرث الأرض - حسب رأيه - على الرجال دون النساء ! .
لقد أثار هذا الرأي في نفسي العجب لخطورة النتيجة التي تترتب عليه وتؤدي إلى حرمان النساء من سهام الإرث حين تتعلق بانتقال حق عيني مهم هو حق الملكية ، إذ نعرف أن الملكية العقارية من أهم الحقوق العينية الأصلية في بلادنا، ولها ما لها من قيمة مالية عالية .
ولست هنا بصدد مناقشة هذا الرأي على أساس مبادئ حقوق الإنسان ووجوب احترام المساواة بين الجنسين، وإنّما سأقتصر على مناقشة الحجة التي استند إليها وأسس من خلالها رأيه مستنداً إلى النص القرآني الكريم المشار إليه ، فقد أشار إلى أنّ الله تعالى قال “يرثها عبادي الصالحون” بصيغة المذكّر دون المؤنث ؛ وهذه حجة غريبة ، فلتفسير النصوص التشريعية على اختلافها ، سواء جاءت في نص قرآني أو حديث نبوي أو قانون أو تعليمات قواعد اتفق عليها المفسّرون واستقروا على العمل بها ، ومن أهم هذه القواعد قاعدة مفادها أن صيغة المذكّر في النصوص تفيد التذكير والتأنيث، أي أنها تنصرف إلى الرجل والمرأة دون الحاجة إلى التصريح بالمؤنث إلى جانب المذكر .
ولإيضاح غرابة هذا الرأي المطروح أقول إننا لو رجعنا إلى نصوص القوانين، المدنية منها والجزائية ، لوجدناها تكتفي باستخدام صيغة التذكير لكنها تطبق على الذكر والأنثى على وفق القاعدة التفسيرية المشار إليها ؛ ولو أردنا الإستعانة ببعض الأمثلة فإنني أقول إن قانون العقوبات حين جرّم أفعالاً كثيراً وأضفى عليها وصف الجرائم استهل نصوصه بعبارة “ يعاقب بالحبس .. “ أو “ يعاقب بغرامة .. “ أو “ يعاقب بالسجن .. “ ، فهل تفلت المرأة التي ترتكب فعلاً من هذه الأفعال بحجة أن النصوص العقابية لم تأتِ بصيغة “ تعاقب بالحبس ..” و “تعاقب بالغرامة ..” و “ تعاقب بالسجن” ؟! . الجواب هو النفي بالطبع، أي شمول المرأة بالنص رغم أن ظاهر النص دالّ على المذكّر .
معذرة لأنني اضطررت إلى مناقشة مسألة تدخل ضمن المبادئ الأولية المستقرة في علم القانون ولا تحتمل كثيراً من التأمّل .