الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحملة الصليبية بالولايات المتحدة.. قراءة في كتاب وزير الدفاع الأمريكي

بواسطة azzaman

الحملة الصليبية بالولايات المتحدة.. قراءة في كتاب وزير الدفاع الأمريكي

قتيبة آل غصيبة

 

أثار كتاب (الحملة الصليبية الأميركية: معركتنا للبقاء أحراراً)؛ الذي ألّفه وزير الدفاع الأميركي الحالي «بيت هيغسيت» جدلاً واسعاً؛ بسبب لغته التــــــعبوية الحادة ومفرداته الدينية والسياسية التي تدعو إلى مواجهة داخلية وخارجية من أجل «حماــــــــية الهوية الأميركية».

وفي المقابل، تعيدنا أفكار هيغسيت إلى أطروحة «عالم الاجتماع الأميركي صموئيل هنتنغتون (ت: 2008)» في كتابه الشهير (صدام الحضارات الصادر في 1996)؛ الذي قدّم نظرية عن الصراع العالمي بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي؛ واضعاً الإسلام والغرب في حالة مواجهة حضارية دائمة.

تخبط وعدم استقرار

تأتي أهمية الكتاب نتيجة للدور الذي  يلعبه «بيت هيغسيت؛ كونه وزير دفاع للولايات المتحدة الأمريكية كاقوى دولة في العالم»؛ في خضم التخبط وعدم الاستقرار الذي تعيشه منطقتنا العربية والعالم بأسره؛ في المشهد السياسي والفكري المعاصر، يكتسب كتاب بيت هيغسيت «الحرب الصليبية الأمريكية» أهمية خاصة ليس فقط لأنه صادر عن وزير الدفاع الأمريكي الحالي، بل لأنه يعكس جزءًا من الذهنية الإستراتيجية التي تتحكم في قرارات الولايات المتحدة. والكتاب، إلى جانب أطروحات صموئيل هنتنغتون في  «صدام الحضارات»، يكشف عن ملامح التفكير الأمريكي تجاه العالم الإسلامي والشرق الأوسط،

 فسيتم إستعراض أهم الأفكار التي طرحها هيغسيت في كتابه؛ ثم نقارنها بما كتبه هنتنغتون؛ وإستخلاص نقاط الاتفاق ومناقشة دلالاتها.

وإن أهم أفكار هيغسيت في كتابه الحملة الصليبية الأميركية؛ هو الصراع الوجودي مع الإسلام؛ إذ يقول (إن الإسلام استولى عليه الإسلاميون بالكامل تقريبا وإستغلوه...)؛ ويدعي ان؛ (الإسلاميين يخططون لغزوا اوربا وامريكا ديموغرافيا وثقافيا وسياسياً ؛ متحالفين مع العلمانية لسحق مؤسسات امتنا اليهودية المسيحية...)، وكذلك يؤكد على الصراع مع اليسار الأمريكي؛ ( يقصد باليسار؛ كل التيارات السياسية الغربية المعارضة التي تنتقد السياسات العسكرية الأمريكية المصممة لفرض هيمنتها على العالم؛ وتدعو لاحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي؛ وترى أن الحرب لم تكن «رسالة مقدسة» بل وسيلة للهيمنة)، وأنه يتبنى خطاباً سياسياً حركياً يبرر التعبئة الشعبية والعسكرية؛ وإن هيغسيت نقل طبيعة وشكل الصراع مع الاسلام؛ إلى مستوى عملي تعبوي يهدد بتسييس الهوية الدينية والثقافية، ويدفع الولايات المتحدة إلى مسارات صدامية قد تُضعف تماسكها الداخلي وعلاقاتها الخارجية، ويرى هيغسيت أيضا؛ أن الولايات المتحدة تعيش معركة مصيرية ضد اليسار التقدمي في الداخل وضد «الإسلاموية» في الخارج؛ ويعتبر أن هذه التهديدات متشابكة وخطيرة على الهوية الأميركية، وكذلك إضفاء اللغة الدينية في كتابه؛ وأستخدامه لمصطلحات تاريخية دينية؛ مثل( الحملة الصليبية؛ وإنها إرادة الله)، ويصف الصراع بأنه «حملة صليبية أميركية»، مما يُحَوّل المواجهة إلى معركة شبه دينية بين الخير والشر، كما إنه يعتبر الكيان الصهيوني حليفا مركزيا؛ ويؤكد أن إسرائيل تمثل خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية؛ وأن دعمها واجب استراتيجي وأخلاقي لا يقبل النقاش ، وكذلك فإن «هيغسيت» يعتبر التعليم والثقافة ساحة الصراع الأساسية؛ وينتقد  المناهج الجامعية والمدارس التي يراها واقعة تحت تأثير اليسار؛ معتبراً أن السيطرة على التعليم هي مفتاح السيطرة على مستقبل أميركا، كما انه  يرى بخلاف الكثير من الادبيات؛ ان العدو الداخلي؛ الذي يمثل (اليسار: الذي يشمل؛ التيارات المعارضة لتوجهات التيار المحافظ الامريكي المتشدد؛ والإعلام والأكاديميات المؤيدين لهذه التيارات المعارضة)؛ في خانة «العدو الداخلي»؛ الذي لايختلف خطرا عن العدو الخارجي الذي يمثله الاسلام؛ وفقاً لزعمه، كذلك فإنه يؤكد على اتباع النهج الصارم في الأمن والسياسة؛ ويميل إلى تفضيل الحلول القوية والسريعة؛ حتى على حساب بعض الضوابط القانونية أو الأعراف الدولية؛ وهو ما يثير المخاوف من نزعة سلطوية؛ تؤكد على تقييد الحرية وتوسيع سلطة الدولة بحجة حماية أمريكا ورسالتها في الهيمنة على العالم، وبناءاً على ما مر أعلاه فإن هيغيست يرى بشمولية كبيرة ، (أن الهوية الأميركية تواجه تهديداً وجودياً؛ وأن الإسلاموية واليسار يشكلان وجهين لعدو واحد؛ وأن التعليم والثقافة هما ساحة المعركة الأهم؛وأن السياسة الخارجية يجب أن تكون هجومية؛ داعمة للكيان الصهيوني؛ وصارمة تجاه الخصوم؛ وأن المعركة ليست سياسية عابرة بل «صراع بقاء»)، وهو يحوّل الأمر إلى حرب صليبية هجومية لا مجرد دفاع، كما انه يعتبر الكيان الصهيوني حليفاً قوياً لا يمكن ألاستغناء عنه.

جدير بالذكر فان ما طرحه؛ (وزير الدفاع الامريكي بيت هيغسيت) في كتابه هذا؛ يعتبر برنامجاً  تعبوياً أيديولوجيا موجه للجمهور المحافظ، وهو يتفق مع ما طرحه من أفكار عالم الاجتماع الامريكي «صموئيل هنتغتون» في كتابه (صِدام الحضارات)؛ الذي تعتبر أفكاره إطاراً نظرياً أكاديمياً تحليليا موجه للنخب وصناع القرار؛ في ان الإسلام  كحضارة واسعة يمثل تهديداً حضارياً للغرب؛ داعياً إلى وعي حضاري يحافظ على القيم الغربية (المسيحية، الديمقراطية)؛ مؤكداً على ان الصراعات المستقبلية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ أصبحت تمثل صراع بين الحضارات والأمم، عموما فإن كلاهما (بيت هيغسيت و صموئيل هنتغتنون)؛ يرى أن الإسلام يعيش في حالة صدام مع الغرب؛ وأن الحفاظ على الهوية الغربية أمر مصيري.

نسخة اكثر تطرفاً

 يمكن القول إن كتاب الحملة الصليبية الأميركية يمثل؛ نسخة أكثر تطرفاً وتعبئة؛ من أطروحة صدام الحضارات؛ إذ ان هنتنغتون فسّر الصراع بلغة أكاديمية؛ أما هيغسيت فحوّله إلى شعار سياسي واستراتيجية مواجهة؛ وبينما كانت نظرية هنتنغتون موضع نقاش بين الباحثين، فإن رؤية هيغسيت اليوم تتحول إلى سياسة عملية في قلب وزارة الدفاع الأميركية، ما يجعل تأثيرها أكبر وأخطر؛ فقد تحول أسمها مؤخرا من وزارة الدفاع الى (وزارة الحرب)

يمكن القول إن كتاب «الحملة الصليبية الأمريكية» ليس مجرد تحليل فكري، بل يمثل وثيقة تعكس رؤية نخبة عسكرية وسياسية نافذة. وهو بذلك يسلط الضوء على الفارق بين خطاب الحرية والديمقراطية الأمريكي المزعومة؛ وبين نزعة سلطوية ترى في القوة العسكرية والأمن القومي غاية تعلو على قيم الحرية والديمقراطية، وبقدر ما يكشف عن تناقضات السياسة الأمريكية؛ فإنه أيضاً يساعدنا على فهم آليات صنع القرار الأمريكي في الشرق الأوسط والعالم.

ومن المؤكد؛ فإن كتاب «الحملة الصليبية الامريكية لمؤلفه» بيت هيغيست «؛ يثير العديد من مكامن الخطورة؛ خاصة في ظل توليه منصب وزير الدفاع الأمريكي، فالكتاب يعكس رؤية عالمية تقوم على الصراع الحضاري والديني؛ مما قد يؤثر على السياسات الأمريكية تجاه المنطقة العربية والإسلامية؛ وإن هذا التأطير يمكن أن يحول الصراعات السياسية والاقتصادية إلى صراعات دينية وحضارية، وإن وجود شخص بهذه الرؤية في منصب حساس كوزارة الدفاع قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع الدول الإسلامية وتعقيد الحلول الدبلوماسية للأزمات الإقليمية؛ خاصة في ظل الأزمات الحالية في المنطقة (الصراع في غزة؛ التوترات مع إيران؛ الأوضاع في سوريا والعراق)، وقد تؤدي هذه الرؤية إلى مقاربات عسكرية أكثر عدوانية بدلاً من التركيز على الحلول السياسية، وإن هذه الأيديولوجية قد تساهم في تأجيج التطرف من جميع الأطراف؛ وتعميق الانقسامات الطائفية والدينية في المنطقة، ومن المؤكد فأن هذه الافكار قد بدأت ترجمتها بإصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا رئاسيا بتغيير اسم وزارة الدفاع الى (وزارة الحرب)؛ وإن تغيير الاسم إلى وزارة الحرب اصبح يمثل إعلان رسمي أن الولايات المتحدة لم تعد تحاول إخفاء هويتها كقوة عسكرية هجومية؛ وأنها تعود إلى لغة القوة المباشرة؛ مما قد يفتح الباب لسباق تسلح أكبر وتصعيد في مناطق النزاع؛ خاصة الشرق الأوسط وآسيا.

 وهنا لابد من التأكيد على التصدي؛ لهذه الأفكار بشـــكل بناء وفعـــــال، فــعلى المستوى الدبلوماسي؛ ينبغي تعزيز الدبلوماسية العــــــــــــــربية والإســــــلامية المشتركة من خلال منظمة التعـــــــــــــاون الإســـــــــلامي والجــــــــــامعة العربية لتقديم رؤية موحدة ومتوازنة؛ كما يمكن العمل مع الحلفاء الغـــــــــــربيين والأوروبيين لتقديم وجهات نظر بديلة للإدارة الأمريكية، ولابد من إنتاج محتوى فكري وإعلامي عالي الجودة باللغات المختلفة يُبرز التنوع والغنى في الحضارة الإسلامية؛ ويفند الصور المشوهة عن الاسلام والمسلمين، وكذلك دعم المراكز البحثية والمفكرين الذين يقدمون رؤى معتدلة وعقلانية،  والعمل الجاد لمشاريع التنمية الداخلية في الدول العربية وألاسلامية؛ مما يقلل من الاعتماد على القوى الخارجية، وكذلك تنويع الشراكات الدولية مع القوى الصاعدة كالصين وروسيا والهند؛ وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، وضرورة العمل والتواصل مع مراكز القرار الأمريكية (الكونغرس؛ الجامعات؛ ومؤسسات المجتمع المدني)؛ لتقديم رؤية أكثر دقة وتوازناً عن المنطقة، والتأكيد على بناء قوة عربية إسلامية مشتركة تتصدى لمشروع الحملة الصليبية الامريكية

واختم بقول الشاعر ابراهيم اليازجي

تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب...

فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ.

والله المستعان


مشاهدات 182
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2025/09/20 - 11:29 AM
آخر تحديث 2025/09/27 - 8:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 231 الشهر 19468 الكلي 12037341
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير