الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحكم بـإزالة الضرر.. تعليق على حكم قضائي  

بواسطة azzaman

الحكم بـإزالة الضرر.. تعليق على حكم قضائي  

عماد يوسف خورشيد

 

لا مراء في أن الإنسان حُر في التصرف بماله كيفما شاء ووقتما شاء، ولكن هذا الحق في التصرف ليس مطلقًا؛ بل يرد عليه قيد ويتوقف عندما ينتج عنه ضررًا. وبالبحث في التطبيقات القضائية لاحظنا حكمًا يقضي بإزالة الضرر الناتج عن وجود مولدة كهربائية بجوار عقار، ونرتئي ذكر الحكم والتعليق عليه على النحو الآتي:

واقعة الحكم:

اصدرت محكمة التمييز الاتحادية العراقية حكمًا حديثًا بالعدد 509/ الهيئة المدنية/ 2025 والذي تلخص في: قيام (س.ه.ث) بتقديم دعوى أمام محكمة بداءة (ج – ش) بأن المدعى عليه نصب مولدة بجوار عقاره، وسبب ذلك أضرار مادية وبيئية، وطلب دعوته للمرافعة. حضر الطرفان أمام قاضي الموضوع واستمع لهما، في أول الأمر أصدرت محكمة الموضوع قرارًا برفض الدعوى. لم يقتنع المدعي بقرار المحكمة، فطعن به أمام محكمة التمييز الاتحادية، وكانت النتيجة أن المحكمة الأخيرة أيدت المدعي استنادًا للمادة 1051 والمادة 216 من القانون المدني العراقي. وبعدها وجهت محكمة التمييز الاتحادية محكمة الموضوع بتغيير قراراها، وان تستندها للمادتين اعلاه؛ أصدرت محكمة الموضوع - محكمة البداءة - حكمًا يقضي بإزالة المولدة الكهربائية بناءً على تقارير الخبراء والأدلة التي تثبت وقوع ضرر، وتحميل المدعى عليه رسوم الدعوى وأتعاب المحاماة.

التعليق على الحكم:

لتوضيح الواقعة أعلاه أكثر، نعطي السند من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل النافذ؛ إذ لاحظنا أن المادة 7 منه نصت على "1- من استعمل حقه استعمالًا غير جائز وجب عليه الضمان. 2-ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية: أ- إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير. ب- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. 3- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة. ومن أمثلة ذلك: قيام صاحب الدار بتأجير داره إلى شخص يعمل تاجرًا للمخدرات، ولا يأتي عنده إلا أرباب السوابق الإجرامية، فهذا ضرر يصيب الناس الآمنين ولهم الحق في الطمأنينة في بيتهم دون إزعاج أو مشاكل أو ضرر، فلهم الحق في إقامة دعوى أمام القضاء وطلب إخلاء الدار للضرر.

وكذلك لاحظنا أن المادة 1051 من القانون المدني العراقي نصت على أنه: "1- لا يجوز للمالك أن يتصرف في ملكه تصرفًا مضرًا بالجار ضررًا فاحشًا، والضرر الفاحش يزال سواء كان حادثًا أو قديمًا". 2-وللمالك المهدد بأن يصيب عقاره ضرر من جراء حفر أو أعمال أخرى تحدث في العين المجاورة أن يطلب اتخاذ كل ما يلزم لاتقاء الضرر وله أيضًا أن يطلب وقف الأعمال أو اتخاذ ما تدعو إليه الحاجة من احتياطات عاجلة، ريثما تفصل المحكمة في النزاع.

وكذلك المادة 216 من القانون أعلاه والتي نصت على أنه "1- لا ضرر ولا ضرار. والضرر لا يزال بمثله وليس للمظلوم أن يظلم بما ظُلم". فلا يجوز في القانون أن يكون الشخص سببًا في ضرر الناس، وإذا حصل ذلك فلا يجوز الرد بنفس الأسلوب بل يكون عن طريق الحوار ابتداءً، فإن لم ينتج عنه حل، فاللجوء الى القضاء لحل الخلاف، فالقضاء حامي الحقوق والحريات الأساسية للأفراد ويعطي كل ذي حق حقه.

وحاصل الكلام، أن حرية الإنسان بالتصرف في ملكه ( أرض، سيارة، مزرعة، ...الخ) ليست مطلقة؛ فهناك حقوق وحريات أناس آخرين يجب مراعاتها، وفي الحكم أعلاه صاحب المولدة نصب المولدة على أرض عائدة له، ولكن بسبب الضرر الذي أحدثه للجار، وبدليل تقارير الخبراء، قررت المحكمة -حامية الحقوق والحريات- إزالة هذا الضرر وتحميل صاحب المولدة مصاريف الدعوى، ولذلك يجب على الإنسان أن يحترم قيم المجتمع وقوانينه من تلقاء نفسه، وإلا فُرض عليه ذلك بقوة القانون، فإن فعل ذلك من تلقاء نفسك فله الفضل والأدب وارتفعت قيمتهُ فيما بين الناس، وإلا فإنه ستفرض عليه بقوة القانون، وهي رسالة بانه لم يحترم قيم المجتمع والقانون، وقلت قيمته وبالنتيجة يصبح عبرة لغيره، وكما تقول القاعدة الاجتماعية ( من لم يأخذ عبرة من تجربة غيره، اصبح هو عبرة لغيرهِ). ندعوا الله ان ينور بصيرتنا، لنرى الحق في ابصارنا.


مشاهدات 124
الكاتب عماد يوسف خورشيد
أضيف 2025/08/17 - 2:43 PM
آخر تحديث 2025/08/18 - 8:50 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 260 الشهر 12662 الكلي 11407748
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير