الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لماذا؟ .. إنني لا أعلم

بواسطة azzaman

لماذا؟ .. إنني لا أعلم

بيوس قاشا

 

في البدء

«لماذا؟»... كلمة مَلكَت على قلوب الكثيرين أطفالاً كانوا أم شباباً، رجالاً أم نساءً، وبعدد من «لماذا؟» أَردتُ في هذا المقال أن أسأل «لماذا؟». فهذه الكلمة ترافقنا في مسيرة الحياة ونسأل فيها ولكن لا أحد يجيب جواباً يُعلن فيها حقيقة وجودها، وإذا ما أُعطي فيها تفسيراً فلا يأتيك إلا ناقصاً، فلا تعلم لماذا كانت «لماذا؟»، ولماذا لا تعلم لماذا كانت «لماذا؟»، فإليكم قليلاً من كثير من «لماذا؟».لماذا نقول ما لا نؤمن به ونجعل أنفسنا آلهة الزمن على فقراء الدنيا ومساكين الحياة طالبين إلى فقرائنا أمراً أن يكونوا خاضعين له، فما نحن إلا أسياد عليهم وإلا سيُطرَدون خارجاً، معتبرين إياهم متذمّرين ويسمّونهم عبيداً وصانعي البلبلة بينما المسيح الحي دعا الجميع قائلاً:»أنتم أحبّائي» (يوحنا 14:15)؟... لا أعلم!!!.لماذا نلوّن أيام مسيرتنا لحساب مصالحنا فيكون ترحيبنا حقيقة أنانيتنا وهي نفسها تدغدغ قلوبنا، فنحضن مَن نراهم بقبلة مزيّفة ونرى ذلك أنها أعمال السماء، ولكن الزمان يكشف حقيقة المسيرة المزيّفة يوماً، إذ المسيح الحي يقول:»ما مِن خفيّ إلاَّ سيظهر ولا مِن مكتوم إلاَّ سيُعلَم ويُعلَن» (لوقا 17:8)؟... لا أعلم!. لماذا نخاف قول الحقيقة أمام أقوياء الزمن ولكننا بدل ذلك نلتفّ حولها مستنبطين ما نراه حقيقة مناصبنا ومكانتنا وصداقتنا، وننسى أن فكرنا هذا ما هو إلا حساب فشلنا وما علينا إلا أن نكون شهوداً للحقيقة، لأنّ المسيح الحي يقول:»تعرفون الحقَّ، والحق يحرّركم» (يوحنا 32:8)؟... لا أعلم!!!.

 لماذا يقولون لا تغادروا فهذه أرضكم وحقيقة وجودكم وآباؤكم فيها كانوا شهوداً كما كانوا شهداء، وهم يسابقون زمنهم في دعوة أبنائهم وأقربائهم ومعارفهم وعائلاتهم إلى حيث الهناء والوطن الجديد والأخضر العزيز للعيش الكريم وراحة البال، والمسيح يسوع يقول:»إنْ كنتم أنتم الأشرار تعرفون أنْ تمنحوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحريّ أبوكم الذي في السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه» (لوقا 13:11)؟... لا أعلم!!!.  لماذا دخل داعش أراضينا ونهب منازلنا وكسّر صلبان كنائسنا وأحرق معابدنا وشتّت أبناءنا وعوائلنا وجعلنا نازحين وغرباء عن أرضنا وكفار إيماننا. إننا نؤمن بالمسيح الحي وذلك ما يقوله الكتاب، ولكن أقولها: مهما حلّ بنا ومهما حصل سنبقى أمناء له، فقد علَّمنا المسيح الحي أن نقول:»أحبّوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مَن يبغضكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (متى 44:5)؟... لا نعلم!!!. لماذا نطالب بحقوقنا الدستورية الشرعية في مؤتمرات ومناسبات واجتماعات ولقاءات عبر أصوات متألمة وقامات يافعات وصراخات عالية والكل يعرف أنّ حقوقنا منقوصة وأنّ الحقوق ليست إلا للأغلبية، ومع ذلك لا يجيبون إلى أسئلتنا وأدعيتنا، لا أعلم!، لخوفهم منّا أم ماذا؟، فنحن لا نُخيف أحداً، فهم يحترموننا ويطيّبون خواطرنا بكلمات ملؤها الحلاوة والعسل والحقيقة تبقى بعيدة المنال، والمسيح الحي يقول:»مَن ليس معي فهو عليَّ ومَنْ لا يجمع معي فهو يفرِّق» (لوقا 23:11) وأيضاً «أطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبِرَّه وهذا كلّه يزاد لكم» (متى 33:6)؟... لا نعلم!!!.

مشروع قويم

لماذا نميّز شخصاً عن آخر وكلّنا نؤمن بالإنسانية وكرامة الشخصية، وكلّنا نفتخر بحقوق الإنسان ومشروعه القويم في أبوّة واحدة ودستور واحد، إذ يقول في المادة (14) منه «كلّنا متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي»، والحقيقة أنّ لا أحد يؤمن بذلك، لذا أصبحت هذه العبارة بين أسطر الدستور، وفي هذا يدعونا المسيح الحيّ ربنا ويقول لنا أن نقول ما قاله يوماً لتلاميذه «أنتم جميعاً إخوة» (متى 9:23) وأيضاً «إنّ أباكم واحد الذي في السماوات» (متى 9:23) «فكونوا كاملين كما أنَّ أباكم الذي في السَّماوات هو كامل» (متى 48:5)؟... لا أعلم!!!.  لماذا يشترون ويبيعون ويغرسون ويشتلون وكأنهم أمراء الزمن الذي لا نهاية له، ويبنون ويهدمون بصكوك مزيّفة مليئة بالحسابات المرتشية ليمجّدهم أناس الدنيا وبشر الحياة، ويرسمون لوحة عملهم أمام أقدار السماء فتخضع لهم حتى العلياء، فيقدّسون الفاسد ويجعلونه بريئاً بتواقيع وأختام ملؤها حبراً أحمراً أو أخضرا. ما هذا الذي يجري في مسيرة الزمن؟... وهل المسيح يقول:»إصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم» (لوقا 9:16) فقط؟... ألم يقول لنا:»الأمين في القليل أمين في الكثير، والظالم في القليل ظالم في الكثير» (لوقا 10:16)؟... لا أعلم!!!.

لماذا تملك الطائفية على أفكارنا والمحسوبية تتربّع على كراسي عقولنا، والقرابة هي الحقيقة في أمورنا ومصالحنا هي كل شيء في مسيرة زماننا، والأنانية غذاء لما نختاره وما نرسمه، والمسيح الحي يقول:»أبوكَ الذي في السماوات يعرف ما تحتاجون إليه وهو الذي يرى في الخفية فهو يجازيك» (متى 4:6)؟... لا أعلم!!!.  لماذا نضع خطوطاً حمراء وزرقاء وصفراء أمام أناس ظلمناهم إذ لم يذعنوا لمصالحنا ولحقيقة مخططاتنا، فجعلناهم خطأة لا يستحقون الحياة فما عليهم إلا أن يتربّعوا على تراب الأرض فقراء مهمَّشين، وننسى أن الله قد أبدع الإنسان بحبه الذي لا يوصف وجعلنا أخوة في مسيرة جنة عدن. فالذي يعتبر نفسه طاهراً فليقرأ ما قاله المسيح الحي:»إنَّ ابن الإنسان لم يأت ليهلك الناس بل ليخلِّص الناس» (لوقا 56:9) «فكما تريدون أنْ يفعل الناس بكم إفعلوا أنتم بهم هكذا» (لوقا 31:6)؟... لا أعلم!!!.

كراسي الزمن

لماذا يبقى الإنسان في هذه الكينونة وينسى أنّ التوبة لها كراسي في زوايا المعابد حيث تعلّم حقيقة الإنسان مجاناً ودعوته إلى التوبة ليلمس الغفران بعد أن ركب كراسي الزمن، ومركبات الحياة يجرّها مستضعفو الطرق والسياجات لحقيقة مقدسة بل مزيّفة فيجد نفسه في خانة الأطهار والأبرار وأما الآخرين ما هم إلا عشّارون وخطأة، بينما الحقيقة تدعونا حينما نحيا الإنجيل أن نغفر للناس زلاّتهم، فالمسيح الحي يقول:»إذا ما تذكَّرتَ أنَّ لأخيك شيئاً عليك فاترك قربانك هناك أمام المذبح واذهب أولاً وصالح أخاك وحينئذ عدْ وقدّم قربانك» (متى 23:5)؟... لا أعلم!!!.

 لماذا نخطب في الناس ونأمرهم أن يعملوا مشيئتنا وما ذلك إلا مراد الدنيا فننقل إليهم تعاليم أصدرناها كبرياءً لمسيرتنا، بينما الحياة تأمرنا أن نكون سبّاقين في المثال والتواضع وكرجال صلاة ومحبة وبساطة كي ندرك حقيقة قدسيتنا ومسيرة قداستنا فيتأثروا بما قلناه وما عشناه، إذ المسيح الحي يقول:»إنْ أحببتم الذين يحبونكم فأيّ أجر لكم» (متى 46:5) وأيضاً «كل ما عملتم لم تعملوا إلاّ ما أُمرتم به وليس ما أَمرتُكُم به» (لوقا 10:17)؟... لا أعلم!!!.  لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟، وستبقى «لماذا؟» تزهو في حقيقة الإنسان ومسار الحياة. فما نراه وما نسمعه، ما نشاهده وما نفكر به، ما يخطّطون له وما يرسمونه  حقيقة كان أم زيفاً لمصالحهم وطلب رغباتهم، كباراً كانوا أم أسياداً، من أجل حياة لا تموت بفكر عقولهم وديمومة وجودهم، وينسون أن القدير في السماء يدرك ما هو خفيّ عن حقيقة أذهانهم.  فليكن مخطّطنا كما رسمه لنا، فمار بولس يقول عن المسيح الحي:»إني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلاّ يسوع المسيح وإيّاه مصلوباً» (1كورنتس 2:2)... نعم.

 الخاتمة

الحقيقة رسالة يحملها فقراء الزمن فهم شهودها البسطاء، وهي تدور في أفئدتهم وترافقهم في مسيرة حياتهم، إنها شاهدة لهم وشهيدة من أجلهم، فهي تعلو درجات سامية عبر خطوات حياتهم وأعماق أنفسهم، وهي تشهد عن وجودهم وليس كما يفعل كبار زمننا، فما هم إلا كبار بكلامهم وليس بأفعالهم، فإن إنتهوا من كلامهم إنتهى تعبير وجودهم.

وهذه كانت بعض من «لماذا؟» تحكي مسيرة الزمن والحياة، شاهدة لحقيقة السؤال وشهادة للزمن القاسي.  وأقولها خاتماً: إنني أعلم، إنني لا أفهم «لماذا؟»، والحقيقة تعني أنني في كل ذلك لا أعلم لماذا. «فيا رب نجّنا من الشرير» (متى 13:6)، وستبقى الحقيقة شاهدة فلا أعلم «لماذا؟»... لا أعلم!!! نعم وآمين.

 مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 


مشاهدات 32
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/08/16 - 11:24 PM
آخر تحديث 2025/08/17 - 1:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 69 الشهر 11682 الكلي 11406768
الوقت الآن
الأحد 2025/8/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير