الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حياة لا تشبه الحياة

بواسطة azzaman

حياة لا تشبه الحياة

نهلة الدراجي

 

من يرحم المواطن العراقي البسيط؟ 

ذلك المواطن الذي لم يطلب سوى أن يعيش كما يليق بإنسان، لا كما يُفرض على كائن مسحوق في وطنٍ يتنفس الغبار، ويأكل الوعود، ويشرب من صبرٍ بات مرًّا ثقيلاً على قلوب أنهكها الانتظار

في وطنٍ يُقال عنه إنه غني، تُسرق ثرواته جهاراً نهاراً، بينما يغرق شعبه في فقرٍ مدقع. هنا، لا شيء يُشبه العدالة، ولا صوت يعلو فوق صرير أبواب الفساد المفتوحة على مصراعيها. فهل بقي في هذا الليل العراقي الطويل فجرٌ يُبشّر بإنصاف المظلومين؟ أم أن الصمت صار قدَرَ هذا الشعب إلى أمدٍ غير معلوم؟

 المواطن البسيط هو الخاسر الوحيد في معادلة لا توازن فيها. وطنٌ يطفو على بحور من النفط، ويغرق شعبه في مستنقعات الحاجة واليأس. سنوات من الاحتلالات، والحكومات المتعاقبة، والتجارب السياسية التي لم تنجح سوى في تكريس الانقسام، وتعميق الجراح، جعلت من حياة المواطن العراقي مرآةً تعكس فشل السياسات في أبسط واجباتها. سياسات متعاقبة، حكومات متبدلة، وعناوين براقة لم تغيّر شيئاً في حياة المواطن البسيط، بل ازدادت الأزمات تعقيداً، وارتفعت كلفة الصبر حتى بات الألم عادة.

المواطن العراقي تجده يواصل حياته بحذرٍ، لا لأنه يخشى الموت، بل لأنه تعب من حياةٍ لا تشبه الحياة. كهرباء تنقطع في ذروة الصيف، ماءٌ ملوث في أنابيب صدئة، مستشفيات بلا أدوية، ومدارس بلا مقاعد، وسماء بلا أمل. يتقاضى راتبه إن أتيح له، متأخراً، مثقلاً بالاستقطاع، وكأنه معاقب لأنه ما زال حيًّا....!

 وتُدار البلاد وفق منطق الغنيمة، لا وفق مصلحة الشعب. ترتفع الشعارات في موسم الانتخابات، وتخفت فور انتهاء الفرز. يُقال للمواطن: صوّت، لكن لا يُقال له بعدها: شكراً. يُطلب منه الصبر، وهو الذي علّم العالم معنى الصبر.

المواطن العراقي، كل ما يريده هو كرامة تحفظ إنسانيته، ووطن يحتويه، وعدالة تساوي بينه وبين من يحكمه. يريد دولة تحترمه، يريد مسؤولاً يراه..

فيا من بيدكم القرار، هل تسمعون صوته حين يئنّ؟ هل تدركون حجم الخيبة التي زرعتموها في قلبه؟ الرحمة لا تكون في الخطب المليئة بالعواطف، بل في السياسات التي تنصف الفقراء، في القوانين التي تحمي الضعفاء، في الأفعال التي تعيد للوطن هيبته وللمواطن احترامه.. من يرحمنا ....؟

الرحمة لا تأتي من سلطة، بل من ضمير.

إن لم تكونوا قادرين على إنصاف هذا الشعب، فاتركوا مواقعكم لمن يملك قلباً لا يُساوم، ويداً لا تسرق، وضميراً لا ينام على وجع الناس

فالعراق لا يحتاج إلى مزيد من الخطابات... بل إلى من يرحم إنسانه.

 


مشاهدات 42
الكاتب نهلة الدراجي
أضيف 2025/07/30 - 1:47 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 4:38 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 542 الشهر 21360 الكلي 11274971
الوقت الآن
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير