تصنيف السياسيين العراقيين عالميًا: المرتبة 146
ضياء واجد المهندس
حينما نتحدث عن تصنيف الطبقة السياسية العراقية في المؤشرات الدولية، فإننا لا نتحدث عن مجرد أرقام، بل عن صورة دولة أمام العالم، وانعكاس مباشر لأداء النخب التي تقود دفة الحكم. فوفقًا للعديد من التقارير الدولية التي تقيس "جودة الحوكمة"، و"مستوى الشفافية"، و"فعالية الأداء السياسي"، غالبًا ما يُصنَّف العراق في ذيل الترتيب، وأحد التصنيفات الأخيرة المروّعة وضع الطبقة السياسية العراقية في المرتبة 146 عالميًا.
لكن ما الذي يجعل الساسة العراقيين يحتلون مرتبة متأخرة إلى هذا الحد؟
أولًا: الفساد السياسي المؤسسي
الفساد في العراق ليس حالة طارئة أو سلوك فردي، بل تحوّل إلى نظام معتمد داخل البنية السياسية. فقد أصبحت الوزارات والمناصب تُقسّم وفق نظام المحاصصة لا على أساس الكفاءة، وإنما على أساس الولاءات الحزبية والطائفية. هذا التوزيع أنتج طبقة سياسية تحمي الفاسدين بدلًا من محاسبتهم، وتكرّس بقاءها في السلطة بأي ثمن.
ثانيًا: غياب الرؤية الوطنية
غالبية السياسيين العراقيين لا يمتلكون مشروعًا وطنيًا حقيقيًا، بل مشاريع فئوية ومذهبية ضيقة. ينظر السياسي إلى العراق كـ"غنيمة حرب" لا كوطن. الخطط الاستراتيجية تغيب عن البرامج السياسية، وتحلّ محلها أجندات آنية هدفها الربح السياسي السريع أو إرضاء داعم خارجي.
ثالثًا: التبعية للخارج وفقدان القرار الوطني
واحدة من أهم الأسباب التي أدت إلى تصنيف العراق المتأخر سياسيًا، هو غياب الاستقلالية في القرار السياسي. فغالبية الأحزاب الكبرى لها ارتباطات مباشرة بمحاور إقليمية ودولية، سواء كانت إيران، أو تركيا، أو الولايات المتحدة. هذه التبعية عطلت السيادة، وشلت إرادة الإصلاح الداخلي.
رابعًا: فشل الإدارة وتدهور الخدمات
الطبقة السياسية الحالية أثبتت عجزها التام في إدارة الدولة، رغم الميزانيات الانفجارية. البنى التحتية متدهورة، الكهرباء أزمة مزمنة، والمياه والتعليم والصحة في تراجع مستمر. كل هذه مؤشرات ترصدها مراكز التصنيف العالمية وتعتمدها في تقييم الأداء السياسي.
خامسًا: القمع السياسي وغياب الديمقراطية الحقيقية
رغم وجود انتخابات شكلية، إلا أن الواقع السياسي في العراق تحكمه أحزاب مسلّحة وميليشيات، تعيق أي تداول سلمي حقيقي للسلطة. الناشطون يُخطفون أو يُغتالون، والمعارضون يُسكتون، والصوت الحر يُكمم. هذه الممارسات تفضح هشاشة الديمقراطية وتُظهر أن ما يجري في العراق أقرب إلى "ديكور ديمقراطي" منه إلى نظام حقيقي.
سادسًا: انعدام ثقة الشعب بالحكومة
أحد أبرز أسباب التصنيف السيئ هو فقدان الثقة الشعبية بالحكومة والبرلمان والقضاء. الشارع العراقي ينظر إلى الساسة كجزء من المشكلة، لا كأداة للحل. هذه الهوة العميقة بين الحاكم والمحكوم أصبحت سمة مزمنة تهدد شرعية الدولة نفسها.
إن احتلال العراق المرتبة 146 في تصنيف الطبقة السياسية من بين 151 دولة ليس مجرّد فضيحة دولية، بل كارثة وطنية يجب أن تدفع الجميع لإعادة النظر في أسس بناء الدولة. ما لم يُكسر احتكار السلطة من قبل الطبقة الحالية، وما لم تُفتح أبواب المحاسبة، ويُمنح الشباب والكوادر الوطنية فرصة لقيادة التغيير، فستبقى السياسة في العراق حقلًا مسمومًا، لا ينتج إلا الفشل والخذلان.
رئيس مجلس الخبراء العراقي