الرد الإيراني وحسابات الواقع وتقرير المصير
ماهر جبار الخليلي
دخل الكيان الصهيوني اليوم الجمعة الثالث عشر من حزيران في حربه الرابعة خلال عشرين شهرا بعد غزة ولبنان وسوريا متحديا العالم اجمع ومتجاهلا الأصوات الداخلية والخارجية الرافضة لهذا السيناريو الدموي.
شن العدو الصهيوني غارات جوية شاملة ودقيقة جدا استهدفت مواقع عسكرية اساسية ومنشآت تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية حيث تشير التقارير إلى أن هناك عدد كبير من عملاء الموساد دخلوا الأراضي الايرانية ونفذوا عدة عمليات من مناطق قريبة على الأهداف فضلا عن تعطيل قدرة للدفاع الجوي الايراني
مع هجمات إلكترونية وسيبرانية في اوقات متقاربة و شملت عدة مدن منها كرمنشاه وأصفهان وشيراز وتبريز وطهران.
الصدمة الايرانية لا زالت في بدايتها وحجم الخسائر البشرية والتقنية كبير جدا وعملية إعادة التقييم تحتاج وقت للكشف عن مكامن الاختراق والخلل والتحوط قبل التحول إلى استراتيجية الرد المكافئ.
في ظل هذا الوضع الصعب ما خيارات إيران للرد بشكل يحفظ لها مكانتها ويطمئن حلفائها؟
قد يجيب احدهم بأن الرد بدء مع إطلاق مسيرات وصواريخ لكن الواقع يثبت بأن هذا التصرف كان مستعجلا وغير دقيق بحيث سقطت جميعها قبل أن تصل الأراضي الصهيونية.
الحديث عن الرد الإيراني يدخل في حسابات حساسة للغاية لاسيما بعد أن تبنت
سياسة الاحتواء الاستراتيجي عقب حرب غزة وأستهداف حزب الله في لبنان فهل ينفع ان تتبنى هذه السياسة الان؟.
جوانب فنية
عند النظر إلى واقع إيران السياسي والاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية نجده ضعيفا ولم يكن جيدا ودفعت ثمنه بخسارة رئيسها رئيسي في سقوط طائرته نتيجة النقص في قطع الغيار حسب المعلن وهذا مؤشر على تعطل الجوانب الفنية والتقنية اللازمة لاستمرار معركة كبيرة وطويلة تستعد لها إيران منذ وقت طويل.
في المنازعات الكبرى تحتاج إلى استراتيجيات مصاحبة منها اعلامية ومنها نفسية فضلا عن الاستعداد اللوجستي والعسكري والتقني والبشري... فماذا تمتلك إيران من هذه الاستراتيجيات للمواجهة؟ اولا من هم حلفاء إيران من الدول الكبرى؟ طبعا هما روسيا والصين وكلاهما اكتفى بالادانة والاستنكار بل صرح الناطق باسم الكرملن بأن الاتفاقية مع إيران لاتتضمن التدخل العسكري وإنما الاكتفاء بعدم مساندة الخصوم وبالمقابل نجد ان الكيان الغاصب مدعوم بشكل مباشر من الولايات المتحدة لوجستيا وسياسبا وفي كل المجالات وواضح ان هناك دعم ضمني من الدول الاوربية وهذا ميزان مختل لا يخدم إيران.
والسؤال ما خيارات الرد الإيراني؟
اولا:على الرغم من امتلاك إيران صواريخ باليستية طويلة المدى وعدد كبير من الطائرات المسيرة تستطيع الوصول إلى عمق الكيان وبعض القواعد الأميركية في المنطقة لكن استخدامها يبشر بتصعيد خطير مع دول الجوار ويفتح جبهات جديدة.
ثانيا : طورت إيران منظومتها السيبرانية مابين 2012 - 2017 من أجل حماية امنها الوطني في مجال الاتصالات.وعملية تطوير القدرات الفنية والتقنية الالكترونية مرت بمراحل جيدة وقوية ساعدتها على تسويق نفسها كقوة سيبرانية ارهبت فيه اعدئها فعلا حيث قامت بهجمات سيبرانية حقيقية وقوية حسب لها الأعداء الف حساب. فهل إيران الان قادرة على شن هذا النوع من الهجمات؟ الجواب نعم ولكن في إطار محدود جدا لان هذا المجال تغيرت حساباته كثيرا بعد القفزة الهائلة في تطوير الذكاء الاصطناعي وخلال السبع سنوات السابقة لم تستطع إيران مواكبة سرعة التطور ولذلك فإن قدرتها قد تكون محدودة واذا كانت تمتلك هذه الإمكانية لكانت استخدمتها بعد حرب غزة او ضرب حزب الله في لبنان كوسيلة للردع.
ثالثا : غلق مضيق هرمز وتهديد الملاحة الدولية ولهذا الرد تداعياته في مجال النفط والطاقة والتجارة الدولية وايذاء دول المنطقة وهذا في حد ذاته سلاح ذو حدين قد ياتي بنتائج عكسية من دول أعلنت حيادها على الاقل في العلن.
واقع حال
من هذه السيناريوهات ماذا يمكن لإيران ان تتخذ من قرار مصيري يتعلق بوجودها ومكانتها.
في واقع الحال الإيراني هي الآن لا تفكر الا بتوجيه ضربة قوية للكيان الصهيوني يحافظ لها ماء وجهها ثم تفكر بالخيارات الأخرى وكلها فيها مرارة والم وفيها ثمن باهض.
رابعا : قد لا يكون في حسابات إيران الان الخيار الرابع والممثل بالتهدئة ومحاولة امتصاص الصدمة والعمل على اعادة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بتــــنازلات أكبر حفاظا على ماتبقى لها بين المجتمع الدولي.
لا ننسى بان إيران بعد الاطاحة بنصر الله وقيادات حماس لم تستطع ان ترسل رسالة ردع حقيقية إلى اعدئها وفي كل مرة كانت هناك تحريك لمنظومتها الاعلامية القوية تبرر التراجع الاستراتيجي وهذه المرة لا تنفعها بشيء لان هكذا خيار قد يترتب عليه سخط داخلي محلي وايضا بين حلفائها في المنطقة.
إيران الان مطالبة بأحد الأمرين اما بردع قوي ونوعي وكبير يعيد لها مكانتها واعتبارها او اختيار الطريق الأصعب والأهم الذي يحافظ على وجودها ومكانتها السياسية والدينية بحدها الأدنى وهو تغيير الاستراتيجيه الأمنية والعسكرية والايدلوجية وبناء علاقات متوازنة على اسس جديدة.
من الجدير بالذكر قبل أن اختم أن أهداف الكيان الصـــــــــــــــهيوني والولايات المتحدة الأمريكية لا تقف على ردع إيران او إيقـــــــــــــــاف البرنامج النووي او قدراتها الصاروخية وإنما يتعدى ذلك إلى التأثير في الداخل واعادة تدوير النظام من أساسه عبر وسائل شتى بدأت منذ زمن ولن تتوقف.