الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النفاق في المجتمع العراقي.. قناع لمجتمع مريض

بواسطة azzaman

النفاق في المجتمع العراقي … قناع لمجتمع مريض

هند الحافظ

 

في مجتمع تتسارع فيه الأحداث، ويزداد فيه التناقض بين المعلن والمخفي، تبرز ظاهرة النفاق الاجتماعي كأحد أخطر الأمراض التي تنخر في القيم والعلاقات الإنسانية،  فالنفاق يعد  من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة، لما له من أثر سلبي في  تفكيك تماسك المجتمع ونزع قيمه  . وفي العراق، حيث تعاقبت الأزمات وتراكمت الجراح، برز النفاق الاجتماعي كأداة يستخدمها البعض للهروب من المواجهة، أو لحماية المصالح، أو لتلميع الذات على حساب القيم الحقيقية.

فلم يعد مجرد سلوك فردي بل أصبح نمطًا اجتماعيًا مقبولًا في أغلب  الدوائر، يختبئ خلفه الكثيرون بدعوى “الذوق العام” أو “اللياقة الاجتماعية”، بينما هو في حقيقته ضعف في الشخصية، وافتقار للصدق مع الذات والآخر.

فقد يمدح الناس من لا يستحق، ويصمتون أمام الخطأ خوفًا من العتاب أو المصلحة، ويُظهرون ما لا يُبطنون حفاظًا على علاقات سطحية وهشة. والنتيجة؟ مجتمع  يفتقر إلى الثقة، وأشخاص يعيشون في قلق دائم، يراقبون الأقنعة أكثر مما يبحثون عن الوجوه الحقيقية.

في كثير من البيوت العراقية الاصيلة ، يُربى  الطفل على قيم الأخلاق والصدق، لكنه عندما يخرج إلى الواقع يكتشف تناقضًا صارخًا بين ما يُقال وما يُفعل !!. يرى المسؤول يرفع شعارات النزاهة وهو غارق في الفساد! يسمع الخطيب يتحدث عن التقوى وهو بعيد عنها! ويشاهد من يمدح شخصًا أمامه ثم يذمه في غيابه. فيكبر الطفل على أن الكذب ضرورة اجتماعية، وأن الصدق قد يكون ضعف ،فينشأ  في المدرسة، ويتسلل إلى بيئة العمل، بل وحتى إلى منابر الدين والسياسة

 وهنا تبدأ أثاره الخطيرة  على المجتمع 

 فيكون الحصاد تفكك الثقة حيث  يصبح الكذب مقبولًا اجتماعيًا، فتنهار الثقة بين الأفراد، لا أحد يصدق الآخر، ويُصبح الكل في حالة دفاع داخلي دائم.

وتُفقد  المصداقية العامة: المسؤول يُكذب، والإعلام يُجمّل، والمواطن يُجامل، فيضيع صوت الحقيقة بين المجاملات والتضليل.

وتكون النتيجة الضعف في اتخاذ القرار: لأن القرارات  التي تُبنى على آراء غير صادقة، فإن نتائجها تكون غالبًا فاشلة.

ولمواجهة هذه الظاهرة، لا نحتاج فقط إلى محاضرات أو دعوات أخلاقية مزيفة ، بل إلى مراجعة شاملة للقيم التي نُرسّخها في البيت، والمدرسة، ومكان العمل. نحتاج إلى أن نُعلّم أبناءنا أن الصدق ليس ضعفًا، بل شجاعة، وأن الاختلاف في الرأي لا يعني الخيانة أو العداء.

كما يجب أن يُعيد الإعلام دوره في كشف التناقضات بدلاً من الترويج للمجاملات، وأن تتبنى مؤسسات الدولة خطابًا صادقًا يُطابق القول بالفعل.

ختامًا، لا يمكن أن نبني وطنًا سليمًا ونحن نُجامل على حساب الحقيقة ، أو نكذب من أجل القبول الاجتماعي. العراق لا يحتاج المزيد من الأقنعة، بل يحتاج إلى وجوه صادقة، تقول ما تعتقد، وتفعل ما تقول.                                                      


مشاهدات 57
الكاتب هند الحافظ
أضيف 2025/04/29 - 3:35 PM
آخر تحديث 2025/04/30 - 10:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 469 الشهر 32551 الكلي 10913198
الوقت الآن
الأربعاء 2025/4/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير