الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ذئاب وحِملان

بواسطة azzaman

ذئاب وحِملان

عبد المنعم الاعسم

 

من زاوية، يبدو ان السؤال «لماذا يقتل البشر ابناء جلدتهم الذين لم يسيئوا لهم» ساذجا، او «فطيراً» لأن علينا ان نعرف (قبل ذلك) ان نزعة الجريمة متأصلة بالمخلوق، وستتمكن منه إن لم يروضها في قلبه وإرادته، فما الذي فعله الشقيق الطيب المسالم قابيل ليكون ضحية اعتداء اجرامي من شقيقه هابيل؟ بل وكيف لنا ان ننسى (مقابل ذلك) ما قدمته مواكب المصلحين والشهداء والمتطوعين الذين افتدوا بحياتهم واموالهم وراحتهم من اجل الاخرين؟ ففي هذا التناقض تكمن قطبية الذئاب والحملان أو معادلة الخير والشر. العدالة والظلم. الصح والخطأ.. الخ.

كثيرا ما ينزل بعض البشر في افعالهم اللاإنسانية منزلة الحيوانات الكاسرة. بين ايدينا وقائع مقززة للتمثيل بالجثث ارتكبها افراد الجماعات التكفيرية المسلحة بحق اشخاص وقعوا بايديهم، وفي تشريح ميداني سلوكي لعالم اجتماع مصري اجراه في المعتقل على ثلاثة من الشبان المتطرفين المنخرطين في صفوف «تنظيمات الردة» اكتشف ميلا غريبا لنزعة الكراهية ضد الانسان الاخر الذي يرفض افكارهم وعقيدتهم، وحين دخل في تفاصيل ردود الافعال والاستجابات الغريزية لاحظ خط الانحطاط البشري نحو عالم الغابة حيث تتصارع فيها نزعات الحيوان وتُقهر فيها الاجيال الضعيفة من الدواب، في مطاردات شرسة تدفع المغلوبة على امرها الى اللوذ بمستعمرات آمنة.

روح الفروسية

في قصة لهمنغواي، أتذكر ان عنوانها(المهربون) يصطاد الذئب أيلا ثم يتسلى بافتراسه بروح الفروسية وكأنه لا يريد الحاق الاذى بالضحية الميتة، ففي صفحة واحدة من الوقائع نتعرف على سقوط الحيوان في غريزة متضاربة من الوحشية والتراج عنها، واظن ان بعض القراء يعبرون هذه الجزئية من المعالجة متعجلين مخافة ان يلوث وجدانهم سوء سلوك دابة إزاء نظير لها لا حول له ولا قوة، وفي (موسوعات عالم الغابة) لجيرمي لوك ثمة وقائع غريبة عن اختلال النظام الاخلاقي للغابة حين تتعرض الى غزو جنس فتاك من الوحوش المنفلتة، كانت تمثل بجثث الفيلة قبل ان تفترسها حتى لتصبح النمور المعروفة بالانحلال والقسوة والتمرد على قيم هذا العالم، الذي هو بلا قيم أصلا، بمثابة سفراء للمساعي الحميدة مقارنة مع الغزاة من الوحوش. على ان نزعة ايذاء الغير، على الرغم من انها احدى مكونات السلوك البشري، تصبح مرضا خطيرا حين تنمو في حواضن اجتماعية مساندة ومشجعة لها، فيشب صنيعتها كشخص عنيد ، مندفع، سطحي، مكابر، لا تعرف الرحمة طريقا الى قلبه، ولا يتورع عن ارتكاب ابشع الجرائم بحق الضعفاء او عابري السبيل، وتبدو هذه النزعة احيانا مثل حماقة متأصلة يصعب احتواءها، فيما يحذر علماء الاجتماع من نتائج سقوط الانسان في السلوك اللااجتماعي «السايكوباثية» لأن جماعات الجريمة المنظمة والتنظيمات الارهابية تجد ارضية لها بين صفوف هؤلاء، بل ان عصابات تهريب المخدرات والمافيات والشذوذ الاخلاقي تستدرجهم الى انشطتها الاجرامية، والامر في نهاية المطاف كأن المصائر استقرت بين ذئاب شريرة وحملان مسالمة.. ونحن موزعون بينهما.


مشاهدات 120
الكاتب عبد المنعم الاعسم
أضيف 2024/05/04 - 5:01 PM
آخر تحديث 2024/05/18 - 12:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 320 الشهر 7123 الكلي 9345161
الوقت الآن
السبت 2024/5/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير