فاتح عبد السلام
وسائل التعبير عن الرأي في الولايات المتحدة وأوربا كثيرة ومتاحة للجميع، واستخدمها الناس في تلك البلدان حتى ملّوا منها أو يئسوا أحياناً من جدواها في وقت كانت الحكومات هناك تمضي في قراراتها الحازمة في المنعطفات التاريخية كشن حروب خارجية كبرى أو سن قوانين مصيرية في حياة المواطنين، لكن أصوات المعترضين تبقى عالية وحاضرة في البرلمانات والشوارع والمجتمع المدني.
للمرة الأولى، تبدو وسائل التعبير الديمقراطي عبئاً على الأنظمة والقوانين الامريكية والاوربية من خلال حرب غزة وما أفرزته من موجات لا نهاية لها من تجييش الرأي العام ضد الانتهاكات الإسرائيلية الشنيعة في قطاع غزة إثر سقوط العدد المهول من الضحايا الأطفال والنساء والمدنيين فضلا عن تدمير شبه شامل لأحياء سكنية كاملة لاسيما في شمال غزة.
كما انّها المرة الأولى التي يفيد “العرب والمسلمون” من مجالات حرية التعبير الغربية في اظهار قضاياهم ووجهات نظرهم والحقائق على الارض أمام العالم. فيما يبدو الاعلام الإسرائيلي والموالي لإسرائيل منذ عقود عديدة بشكل تقليدي في الغرب، في محنة أمام مواجهة الخلخلة الفكرية الحاصلة في الرأي العام والتي باتت أكبر من إمكانية معالجتها بمقال او برنامج تلفزيوني او إعلانات ضوئية او بمساعدة بعض الأنظمة العربية المُطبعة، لذلك يضطرون الى جعل الشرطة تقتحم اشهر حرم جامعي في فرنسا كسابقة تاريخية في القمع لا مثيل لها.
لو جرى حسابها بالنقاط فإنّ طول حرب غزة صبّ في غير صالح حكومة إسرائيل، وانّها باتت تخسر مع كل يوم حرب مساحة في الحشد الداخلي او مساحة في الرأي العام العالمي ، الذي وصل الى انعطافة نوعية وحاسمة عندما اندلعت تظاهرات التأييد للفلسطينيين في الجامعات الكبرى التي يعدها الغرب منارات لأنظمتهم السياسية والأكاديمية والمعنوية معا، كما في جامعة كولومبيا وهارفرد والسوربون. هنا إسرائيل تخسر في كل الأحوال المعركة الإعلامية، وليس امامها سوى طي صفحة الحرب في غزة، والانتقال الجدي الى الدخول في مفاوضات حل الدولتين التي تطالب بها واشنطن قبل سواها، كي لا تنسحق تماما أمام ارتفاع موجات الرأي النُخبوي والشعبي العارم والمضاد لها في عواصم غربية مهمة. ولو حتى لا تتوسع الحرب، ليس من خلال المقولات الساذجة والمستحيلة في اشتراك ايران فيها، وانما عبر الأثر النوعي في تفكير دول العالم الحر.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية