قيمة المال تتحقق عند الإنفاق !

 محمد عبد المحسن الخفاجي

قبل بضع سنوات ، خلال ورشة عمل حول مكافحة جرائم غسل الأموال ، وردت بشكل عارض عبارة على لسان محقق أمريكي مختص بهذه الجرائم توقفت عندها وتأملت ، إذ قال إن النقود لا قيمة لها إلا عند إنفاقها !.عبارة تبدو غريبة لكنها عند التأمل تصبح في الذهن طبيعية بل ربما بديهية .لنتأمل .. ما قيمة الأوراق النقدية حين يمتلئ بها جيبك أو رصيدك المصرفي أو خزانتك ؟.صحيح أنها قابلة لسد الإحتياجات وتغطية النفقات عند الحاجة ، ولكن خارج هذه (الحاجة) تظل أوراقاً جامدة .هذا يقود إلى الحديث عن البخلاء المقتّرين الذين يحسّون بالسعادة لتنامي ثرواتهم ويهتمون بالحفاظ عليها وحمايتها من النقصان على حساب حاجاتهم الضرورية وغير الضرورية أو حاجات غيرهم من المعوزين .للطرافة أذكر أيام الحصار التي انهار خلالها الدينار العراقي انهياراً مريعاً، وصارت الأموال تنقل بأكياس الرز والطحين ، أن أحد المعارف من المزارعين كان يحتفظ بحصيلة تسويق إنتاج الحبوب في مجموعة أكياس يحتفظ بها أحد أركان غرفة الإستقبال ، وحين سألته عن سبب عدم إيداعها في مصرف أجابني مازحاً إنه لا يشعر براحة النفس كل ليلة إلا حين يشمّها !.على هذا النحو تجد كثيرين تقدم بهم العمر وأوشكت شمسهم على الغروب يغالون في حرصهم على الإكتناز دون تفكير بالترويح عن أنفسهم في آخر العمر أو غمر آخرين بالسعادة بمد يد العون إليهم أو المساهمة المالية في نشاطات خيرية عامة ، وكم من أمثال هؤلاء انتقلت ثرواتهم التي حرموا أنفسهم منها إلى آخرين قد لا يذكرونهم بالعرفان، وقد لايفكرون بصدقة على أرواحهم تكون ثواباً لهم .حقاً لاتكون الأموال النقدية ذات قيمة إلّا عند إنفاقها لشراء أموال عينية أو خدمات ، أو هبتها لآخرين .وليت البخيل يتذكر أن سعادة من يعطي تفوق بكثير سعادة من يأخذ .

وليته يتأمل احترام الناس لذكرى الكرماء ، ويتأمل أيضاً (بخلاء) الجاحظ وسواهم الذين يُذكَرون بالتندر والإستصغار .