الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مصادر القوّة والسلطة في العراق

بواسطة azzaman

القوّة العسكرية -2-

مصادر القوّة والسلطة في العراق

منقذ داغر

 

ليس من المبالغة القول أن المؤسسة العسكرية في العراق تمتعت ولسنوات طويلة بقوة تأثير سياسي وأجتماعي وأقتصادي فاقت كل مصادر القوة الثلاث الأخرى(الآيدلوجيا،الأقتصاد والسياسة). لا بل أن العراق يعد من الحالات النادرة عالمياً التي يسبق فيها تأسيس الجيش تأسيس الدولة العراقية. كما أن معظم من قادوا العراق سواءً في العهد الملكي أو الجمهوري كانوا ضباطاً. لقد قادت جملة من الظروف السياسية والأجتماعية سبقت تأسيس الدولة العراقية في 1921 الى تبوأ المؤسسة العسكرية دور الصدارة في التأثير السياسي في العراق حتى أنه يمكن تسميتها بصانعة الملوك kings maker كناية عن دورها المعروف،والذي لا اريد الاستفاضة بسرده التاريخي هنا،في التأثير على مصادر القوة الاخرى جميعها،وليس السياسة فقط. وتكفي الأشارة الى أن الجيش العراقي سجل أول أنقلاب عسكري في كل المنطقة (أنقلاب بكر صدقي 1936) وضرب مثلاً لكل جيوش المنطقة في كيفية التدخل في السياسة،بأعتباره صاحب الرقم القياسي في الأنقلابات العسكرية.

أما بخصوص هدف هذه السلسلة من المقالات عن مصادر القوة والسلطة في العراق‘فيمكن القول أن الجيش العراقي مر بثلاث مراحل متباينة: في شدة ومدى تأثيره السياسي-الأجتماعي-الأقتصادي:

قوة الرئيس

المرحلة الأولى.تمتد منذ التأسيس ولغاية 1968. كان الجيش خلالها مصدر القوة الرئيس في التأثير والتفاعل مع القوى المجتمعية الأخرى(السياسة،والآيدلوجيا والأقتصاد). لم تكن المؤسسة العسكرية خلال تلك المرحلة مصدراً لقيادة التغيير السياسي والأقتصادي فحسب،بل كانت مصدراً مهماً للحراك الأجتماعي والطبقي. فمن جهة شكّل الضباط العرب في الجيش العثماني النواة الأساسية للحكم والمكانة الأجتماعية بعد تأسيس الدولة والجيش العراقيَين. يشير أمين سعيد في كتابه الثورة العربية الكبرى أن هناك 490 ضابط عربي كانوا في الجيش العثماني في أسطنبول عام 1914. هؤلاء بالطبع كانوا ينحدرون من عوائل عربية سنية -في الغالب- وشكلوا نواة الجيش والدولة العراقية في العشرينات. كما أن توسع الجيش وأقرار قانون التجنيد الألزامي عام 1935 والذي أدى لزيادة أفراد الجيش الى 20 الف شخص،جعل الكثيرين وبخاصة من أبناء المدن من الطبقات الفقيرة والوسطى ينضمّوا الى الجيش. هذه الزيادة فرضت توسعاً في استقطاب الشباب من الطبقتين الوسطى والدنيا للانخراط كضباط في الجيش العراقي. هذا جعل المؤسسة العسكرية،كما يعتقد حنا بطاطو،أكثر تمثيلاً للطبقات الأجتماعية من البرلمان ومجلس الوزراء والبيروقراطية العليا والتي كانت حكراً على الطبقات الأقطاعية والمشايخ العشائرية وأصحاب الأمتيازات في العراق آنذاك.

لقد خلق هذا المزيج ذي الخلفيات المتباينة ،والممتدة داخل كل النسيج الأجتماعي العراقي-وليس طبقته العليا فقط- ،والمزود بقوة السلاح والتنظيم والتدريب المؤسسي الصارم قوة تأثير أجتماعي كبيرة يحسب لها كل حساب. فقد أمتزج عدم الرضا عن الوضع الاجتماعي من قبل الضباط والجنود مع قوة التنظيم والسلاح،مع الآيدلوجيا السائدة خلال تلك الفترة،والتي اتخذت من معاداة الاستعمار والعدالة الاجتماعية مظلةً لها، فتفجر هذا المزيج القوي من قوى التغيير الاجتماعي على شكل انقلابات متواصلة بلغت 6 أنقلابات رئيسة.

 وكان الأفصاح الأهم عن تدخل الجيش بالسياسة وتغليف ذلك بغطاء آيدلوجي قوي هو تشكيل تنظيم سياسي ثوري داخل الجيش،في النصف الثاني من الخمسينات سمى نفسه (حركة الضباط الأحرار) وترأس لجنته العليا المكونة من خمسة عشر ضابطاً(13 عربي،وواحد كردي وواحد تركماني)، الزعيم الركن(آنذاك) عبد الكريم قاسم آمر لواء المشاة 19 الفرقة الثالثة(في المنصورية)،يعاونه الزعيم الركن محيي الدين عبد الحميد،رئيس أركان الفرقة المدرعة الرابعة( في الوشاش)،والزعيم الركن ناجي طالب آمر لواء المشاة 15 الفرقة الأولى ( في البصرة). ويمكن فهم التوجه السياسي للضباط الأحرار الذين تراوح عددهم بحدود 95 ضابطاً من مختلف الرتب،من قراءة قسم العضوية الذي يقول(أقسم بالله العظيم …..أن أخدم وطني مع أخواني.

 الضباط الذين يشاركوني تحريره.  من الأمبريالية وأتباعها من الحكم الأستبدادي الذي يخضع له الشعب العراقي…الخ). لقد كان واضحاً تأثر تشكيل هذا التنظيم وآيدلوجيته بثلاث أحداث كبرى هزت كيان الجيش العراقي وجعلته يتبنى الآيدلوجية الثورية. أولها كان أنتفاضة مايس 1940 وما أعقبها من حرب مع الأنگليز أدت الى أعدام نخبة من ضباطه المنتفضين وعودة الحكم الملكي.والثانية ما سمي بحرب النكبة في فلسطين 1948 التي شارك فيها الجيش العراقي وأبلى فيها بلاءً حسناً،لكن جاءته الأوامر السياسية بالانسحاب على الرغم من تقدمه وأحرازه أنتصارات مهمة في معاركه مع العصابات الصهيونية.وقد عانى كثير من الضباط الذين اشتركوا في تلك الحرب نفسياً من هذه الهزيمة التي كانوا يحمّلونها للقيادات السياسية الحاكمة آنذاك. أما الحدث الثالث فهو نجاح ثورة 1952 في مصر والتي قادها الضباط الاحرار بقيادة عبد الناصر هناك ثم ما أعقبها من حرب السويس.

 

 1956 التي أنتهت بهزيمة العدوان الثلاثي (الأسرائيلي البريطاني الفرنسي). لقد توّج تنظيم الضباط الاحرار العراقي نشاطه بالأطاحة بالنظام الملكي في العراق في عام 1958 وأستلام الحكم وتأسيس الجمهورية العراقية.

لكن تدخل الجيش في السياسة في العراق لم يتوقف عند ذاك الحد،فقد أدركت الأحزاب السياسية الرئيسة آنذاك(الشيوعيون والقوميون والبعثيون) مدى قوة تأثير الجيش في السياسة، فتحالف كل منهم مع مجموعة من الضباط لكي يستميل الجيش لجانبه وهذا ما فجّر سلسلة أنقلابات بدأت بأنقلاب 1963 الذي أطاح بتحالف الشيوعيين مع قاسم وجاء بتحالف البعثيين-الجيش في 8 شباط 1963.ثم أنقلب عبد السلام عارف(القومي) على الجيش والبعثيين بعدها بثمانية أشهر فقط وجعل القوميين هم من يحكمون العراق.وأخيراً أنقلاب 1968 الذي تحالف فيه الجيش مع حزب البعث الذي أنقلب على حلفاءه العسكريين في 30 تموز 1968 وجعل البعثيين ينفردون بالسلطة. هذا التدخل العنيف والمتكرر في السياسة لفت أنتباه قادة البعث الى الخطر الذي يمثله الجيش على نظامهم الجديد فبدأت المرحلة الثانية من مراحل القوة العسكرية كمصدر للقوة الأجتماعية في العراق،وهو ما سيتم توضيحه لاحقاً.


مشاهدات 91
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/04/28 - 9:32 PM
آخر تحديث 2024/05/14 - 1:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 47 الشهر 5229 الكلي 9243267
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/5/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير