الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رشدي عبد الصاحب والسطوة الأمريكية

بواسطة azzaman

فم مفتوح .. فم مغلق

رشدي عبد الصاحب والسطوة الأمريكية

زيد الحلي

 

 

رغم ان ابيه كان شاعرا معروفا ، واول مجموعة شعرية له صدرت عن مطبعة المعارف  ببغداد سنة 1952بعنوان ( نوح وتغريد ) ، إلا ان المذيع الشهير رشدي عبد الصاحب « طيب الله ثراه « لم يتعكز على شهرة ابيه الشعرية ، او مكانته الاجتماعية في منطقة سكن طفولته الاولى في قضاء « بدرة» بمحافظة واسط ، حيث كان الاب  مديرا لمدرسة « بدرة « الابتدائية مدة طويلة .. وحين مازحته يوما ، بالقول ان ابيه من اعلام العراق الشعرية ، حتى ان الشاعر علي جعفر العلاق قال يوما ، ان اول  ديوان شعري اطلع عليه ، وهو بمثابة  الكتاب الاول في حياته كان بعنوان ( نوح وتغريد) للشاعر عبد الصاحب شكر .. لم يعلق رشدي ، لكنه اردف قائلا (لا تقل أصلي وفصلي أبدا ** إنما أصل الفتى ما قد فعل )  .. كان رشدي عبد الصاحب ، معتدا بنفسه ، دون غرور ، صقل ذاته بمجهوده الفردي .. وكان إلقاؤه سلساً، يجذب المتلقي، ذا صوت جهوري، متزناً في قراره، وجوابه، معروفاً بالظرافة والنكتة..

قد يسأل بعض الاخوة القراء ، ماهي مناسبة الحديث عن رشدي ، فأقول  إنها مناسبة ذكرى وفاته التي حدثت في نيسان سنة 1994 .. حيث  ودعنا الى دنيا الخلود .. لقد ربطتني صداقة ، واخوة مع ابي وسام ، رشدي عبد الصاحب ، استمرت عقودا ، وما احلاها من صداقة رائعة..

ولكم اعزائي القراء ، اروي ما حدثني به رشدي عن احدى محطات حياته الوظيفية ، غير المعروفة ، قبل ان يصبح مذيعاً مرموقاً في إذاعة وتلفزيون العراق ذاكراً انه شغل وظيفة إدارية بسيطة في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية « الشماعية « ببغداد في أوائل ستينيات القرن المنصرم ومما رواه في حديثه ، ينطبق على ما نشاهده ونسمعه اليوم من تصريحات وبيانات سياسية .. كيف ؟ قال رشدي : طلب اليّ مدير المستشفى يوماً ، اختيار مجموعة من المرضى ، غير العدوانيين والذين يميلون الى الدعة والانطوائية ، للقيام بعمل بسيط وهو حراثة القسم الخلفي من المستشفى ، وكان ترابياً ، لزراعته ببعض الشتلات ... باركتُ فكرة المدير ودعوت بعض المرضى من ذوي المواصفات المطلوبة ، وهيأت لهم (المساحي) وأدوات الحراثة البسيطة الاخرى .. وبدأ العمل على بركة الله !

ويكمل « ابو وسام « روايته : جلسنا انا والمدير في الحديقة الامامية للمستشفى بعد ان شرعنا شبابيك وباب غرفة المدير الى الهواء ، لتغيير جوها .. وأخذنا نتبادل الحديث والشعر، وكان الرجل محباً للشعر ومن هواته .. وبعد حوالي نصف الساعة او اكثر على بدء المرضى لعملهم ، الذي كنا نعتقد ان سيسهم في تغيير نفسياتهم ، رن الهاتف الخاص في غرفة المدير ، فنهض للرد عليه ، واذا به يأتيني مسرعا ، شائطاً عالي الصوت ، مكفهر الوجه ، زائغ العينين ( رشدي .. إسرع ، لقد دخل المرضى غرفتي وانهالوا على طاولتي بالضرب بمساحيهم ، ورموا قناني الاحبار بألوانها الثلاثة ( الازرق والاخضر والاحمر) على سجادة الغرفة وعلى أرائك الجلوس ورشوا عليها الماء ، ورموا ما موجود في الثلاجة على الأرض وكسروا إطارات الشهادات والصور المعلقة على الجدران .. و.. و.. ) وهرعت الى غرفة المدير ، فوجدتُ المرضى في عز فرحهم داخل الغرفة ، وكانوا يغنون بصوت خفيض لكنه مسموع نوعاً ما (دكتور، جرح الأولي عوفه .. وجرح الجديد عيونك أتشوفه ) وهي أغنية كانت مشهورة في وقتها للمطرب عبد الجبار الدراجي !

وعندما رأوني وقد تبعني المدير ، توقفوا عن « فعالياتهم « واصطفوا بشكل نظامي وكأنهم طلاباً جاءهم المدرس .. وانبرى أحدهم وهو ( حسون الأمريكي ) الشخصية البغدادية الشهيرة، وكان أحد مرضى المستشفى قبل ان تتحسن حالته ، ويخرج نهائياً بعد تلقيه العلاج اللازم ، متكلماً بصوته المائل الى النعومة ، مخاطباً المدير ( ها دكتور ... عجبتك الحديقة ؟ ) فضحك المدير على مضض وقال : شكراً يا جماعة !

ويضيف محدثي في روايته وكأني بحديثه الذي مضى عليه خمسة عقود ونيف أستشعر واقع اليوم : لقد لاحظت ، ان المرضى كانوا يأتمرون بأمرة « حسون الامريكي « ويطيعونه بشكل عجيب ، حيث لم ينفذوا أمر المدير في العودة الى ردهاتهم ، لكن ما أن أمرهم « حسون الامريكي» حتى لبوا الأمر ، وحمل كل منهم عدته بهدوء وذهبوا باتجاه أماكنهم، وعند ذاك تقدم « حسون الأمريكي « الى المدير ، ماداً يديه للمصافحة ، فقابله المدير بالمثل .. وأنتهى ذلك اليوم على خسائر ، تكبد أثمانها المدير.

رحم الله صديقي رشدي عبد الصاحب والرحمة موصولة لـ(حسون الامريكي ) الذي ما زالت سطوته على المجانين في وطني حتى اللحظة.. وما أشبه اليوم بالبارحة !

 


مشاهدات 115
الكاتب زيد الحلي
أضيف 2024/04/27 - 4:48 PM
آخر تحديث 2024/05/10 - 6:17 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 130 الشهر 4062 الكلي 9242100
الوقت الآن
السبت 2024/5/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير