الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عرس النواعير .. جغرافية.. التأريخ لشاكر الخياط
كاظم عبد اللـه العبودي

بواسطة azzaman

عرس النواعير .. جغرافية.. التأريخ لشاكر الخياط

كاظم عبد اللـه العبودي

- مجرد مشاعر

يقول الناقد (هشام آل مصطفى الجاف) :- «النقد للافراج فيه، إنه خارج العواطف» .. أنا أختلف مع صديقي «الجاف» رغم أني - كما كتبت مكرراً - لست ناقداً، التأريخ يفترض نظرياً أن يكتب بموضوعية ودون عواطف، ومع ذلك كتب بشكل عام أو في الأغلب

بعواطف و ضمن (المزاج) دون موضوعية حتى لو ادعى المؤرخ عكس ذلك.. فكيف تريد أن نكتب بلا عواطف؟! . أنا اكتب بكل عواطفي، إذ يستثير ما أقرأه تلك العواطف فتنعكس دافعة قلبي للكتابة ربما ليس بالحبر بل بدمع القلب المحفّز المحفّز لقلمي كي يسطر مكنوناته - وهذا ما قلته وأقوله دائماً - .لنبدأ مع الخياط العزيز ( شاكر ) وروايته التي تنتمي في قناعتي الى (الواقعية التاريخية) الشفافة المحلقة بجناح الرومانسية النابعة من الذات المتماهية بالوطن وتأريخه وتراثه وحضاراته. يهدي المؤلف روايته موضوع كتابتي إلى:-«هيت .... مدينتي التي أرضعتني الوفاء ، النواعير التي شاركتني حزني، الأنسان الهيتي الذي نهل من الفرات الكريم .... «.هنا ، ومنذ البدء يشهد القارئ هذا المزج بين الجغرافية والتاريخ، وسنلاحظ ذلك و نشخصه منذ الوهلة الأولى .. هيت هي الجغرافية المتجسدة تأريخاً، والنواعير: الموضوعة (الثيمِة - ولو أني لا أحب إستخدام المفردات الأعجمية المهووس بكثرة ترديدها كتاب هذا الزمن المستلِب المستلب رغم أنف العربية وغزارة مفرداتها واشتقاقاتها -) .. النواعير الموضوعة الأولى في الرواية والبداية والأهمية والأهتمام، النواعير.. المكان، الجغرافية التي تختص بها (هيت) وما حواليها والتي تعتبر أو تعبر عن عشق الكاتب حد الموت أو بالأحرى حد الحياة، رغم الحزن المشترك الغزير والفرح المشترك اليسير.. النواعير المؤسسة والمؤثثة للعشق منذ العتبة الأولى والخطوة الأولى التي تنير لها ( ثريا النص) فضاءات منحتها الأولوية حتى على «المدينة التي أرضعته الوفاء» ، ثم يلي هذا الأفق التراتبي : - الأنسان - الهيتي على وجه الخصوص، والناهل من الفرات الكريم، هذا نجد ودون تناقض أن: الأنسان = التاريخ ، الفرات = الجغرافية، النواعير = الأبداع البشري ومطلع حضارة الأنسان المؤصلة زراعياً على ضفاف الجغرافية حتى جاءت تسمية هذه الحضارة أو الحضارات الأصيلة – التأسيسية، غير المقتبسة - على ضوء مسمياتها :- وادي الرافدين، وادي النيل، وادي السند وادي الكنج ووادي المايا (وهذه جميعاً أنهار تتوزع على مساحة الكرة الأرضية :- العراق، مصر، الهند ، الصين وأمريكا الجنوبية).إذن .. منذ ثريا النص وعتبة الرواية تتجسد النواعير لاغيرها عرساً وصورةً تطبع مدخل التأريخ بطابع الجغرافية، وتتبع خطوات الأنسان الأولى وشتلات جنائن حضارته بدء طفولة زمانها أو زمانه. وهنا أيضاً يذكرني شاكر بليا لينا ، بل حتى بصباحاتنا و (عصارينا) حيث الضيم بغربتنا التي كنا ننوء بثقل أيامها ولياليها ، وبتفاصيلها التي تشاطرنا فيها. المرارة بلا أية حلاوة - أقصد هنا المذاق الذي كنا نغص به كل لحظة غريبة .. غرباء بلا مؤنس إلا الذكريات الواقفة في الحلق شجىً وفي الصدر شجن - .. ليالينا ونهاراتنا تلك كانت تغفو على ذكرى وتفيق على ذكرى ، وكان لقائي بشاكر مكرساً فقط لمن كتب بعد عديد من الأعوام عنها - أآلان يا أخي تكتب عن هيت ونواعيرها بعد انتهاء غربتنا بأكثر من عشرين عاماً ؟! ، أما كان الأجدر أن تكتب أول أيام العودة مشوقاً لحضنها كما كان يجول في ذهني ؟.يشهد الله - وللتأريخ والأمانة - لقد كنت تحدثني عن هيت كما لو كنتُ أنا الآخر عاشقاً يحرقني الشوق مثلك إليها ونواعيرها ومنابع القار فيها، وبساتينها التي تلقي بشعرها الأسود المخضر الغزير على كتف الفرات الحبيب، وحقولها التي تميس ضفائرها السمر مع كل نسمة تلامس صفحة موجاته الدافئة الدافقة بالحب كأن ( أناهيتا) كانت تضفر جدائلها تلك تمهيداً لزفافها إلى أكد وسومر ، وتهيئة لسفرها صوب بابل أو أوروك.. أو أن (سعدى) كانت تتضمخ بعطر الأرض وهي تغادر صوب دار أميرها الهائم وعريسها المنتظر على جناح صاري سفينة الهوى بعد أن كرى لها «( جري) سعده» هذا الذي ما زالت بقاياه تمتد من مقتربات هيت حتى مقتبلات البصرة لحد الآن .. رغم نضوب مائه وشحة سحابه أو سمائه . لم يمل شاكر أو يعجز أو يسأم - هناك في الغربة - من الحديث المحلق هائماً هو الآخر في فضاءات هيت والصاعد مغترفاً من مياهها ، حيث كان يدور وهو يتكلم مأخوذاً بعشقه مع دورة النواعير صعوداً وهبوطاً مشاركة صبيان هيت وشبابها ذاك الأنغمار بمياه الفرات الهابطة من هضاب غرب الوطن صوب سهول جنوبه ركضاً، حبيباً يعدو الى حضن حبيبته، واغتسالاً من كل ما يعكر طهارة الأجساد ونقاء القلوب.. ونحن ندور مذهولين مع كل قفزة مفترضة يلقي محمدثنا بنفسه خلالها إلى جانب (قوق) الناعور أو (شريجته) في تلك الدورة غطسا بدفق الفرات الغامر بنشوة «كنشوة الطفل إذا خاف من القمر» كما يقول « السياب « في (إنشودة المطر) .. ثم نصعد معه مدهوشين مع كل دورة للأعلى رفقة ذاك (القوق) حين يتعلق بواحدة منه صاعداً قرب الساقية التي تدلي بالحياة رياً للبساتين حيث تقطف الصبايا ثمارها الدانيات خيراً للنسل والحرث :- «عنباً و قضبا ، وزيتوناً ونخلاً، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبّا». - سورة عيسى - الآيات من (٢٨-٣١) ، يتحدث شاكر، ونحن نصغي مأخوذين مثله.. أذكر أنني كنت حين نجتمع في مكان واحد هناك كنتُ الأقرب إلى هذا (السويرمان!) فائق القدرات متعدد المواهب، أشعره يبثني جزء أو أجزاء من روحه حين يخوض بجديد أو مكرر من أحاديثه تلك عن مدينته الفاضلة .. حديثاً يهتز له كيانه جدلاً فيهتزمعه كياني، متمنياً لوكان لنا في (الرفاعي - مسقط رأسي -) ناعور كنواعير شاكر، فالآلات الأرضية أفقية المبنى التي يديرها ويدور معها الحصان أو الثور على ضفاف نهرنا (الغراف) بطئ التدفق إلا ما ندر وهي تدلق الماء في السواقي الصغيرة لتروي مزارع الخضروات المتناثرة حول المدينة .. كان لبساتين وحقول القمح لدينا سواقيها الكبيرة - البدعة ، كما ندعوها - - أتمنى لو كان جريان الغراف قادراً على تدوير ناعور واحد من اللواتي كنت أحسد شاكر على عيشه إلى جانبها ، أو أن خالي مثل خاله صانع لتلك النواعير !

أطلت البدايات - كعادتي ، فلأعد للحديث عن «عرس شاكر»:-

بطل هذه الرواية (خالد) : «ذلك الوسيم الذي يحمل في طموحه من الغرابة ما لا يحمله أحد .... كشف ما هو مندثر في كل بقعة من بقاع هذا الوطن الذي ينام على مدن منسية».. (ص ١٨) من الرواية.

نعم يقول عالم الآثار العراقي الشهير (طه باقر) ما معناه: «أتحدى الغرب أن يكون لديهم تلًّ واحد مثل تلال العراق الأثرية المنتشرة على طول هضابه وعرض سهوله « ... أؤكد أن عدد التلال كهذه على امتداد نهرنا - الغراف - فقط، أي المسافة المحصورة

بين مدينة الكوت حيث المنبع إنفصالاً عن - دجلة الأم - وبين أهوار الناصرية حيث المصب أو التشظي .. تتجاوز الثمانين تلاً أو (ايشان) كما يدعوها أهلنا هذا. ما كتبه المؤرخ الشاعر ( علي عبد الأمير الحيدري) ضمن ماكتب عن نهرنا والمدن الغافية على كتفيه وبقايا مدن أولى الحضارات البشرية تشييداً و إبداعاً واختراعاً في التاريخ. أعطى الكاتب - شاكر - لبطله الأول صفات فريدة ميّزه فيها عن سواه من الأقران، كما ميز خاله - البطل الثاني - حين جعله الراعي والمعلم والمشرف التربوي الذي فاق حتى الأب حيث : «حل محل أبيه الرجل المتعب» (ص ٢٠) .. خاله هذا، الباقي حتى النهاية بلا إسم باختصار : «لم يترك شاردة أو واردة من أمور الدنيا إلا وعلمهاله (ص ٢٠).

كما تتوزع مشاعر الكاتب تتوزع سطوره بل حروف مفرداتها بين «هيت .. قاموس النواعير» كما يدعوها (ص ٢٥) ، وخاله «ذلك الأنسان المعلم « كما يدعوه (نفس الصفحة) ، والنواعير بكل محتوياتها : أشجار، أدوات ، مياه، سياقات عمل و ... و .. ، الخال صانع النواعير وعاشقها هو الآخر .. أشعر أن هيت لو اختارت إلهاً للنواعير لنحتت تمثاله على هيئة هذا الخال حاملاً فأسه لقطع أشجارها طلباً للخشب. أخلص هنا إلى أن بطل الرواية الحقيقي المتقدم على بقية الأبطال هو..

الناعور - العريس ، وليس غيره :-

خالد - عاشق الناعور، قبل آثار هيت

الخال - رمز (إيقونة) هيت، صانع النواعير،

هيت - قاموس النواعير .... الخ.

ثم تنتقل مشاعر خالد ملتفتة صوب الماضي : الآثار التي تشهق أطلالها بأطلالة على الفرات أو صحراء الهضبة الغربية حاضنته، إطلالة تطاول أحيانا ضفائر باسقات النخل، أو تلامس ذوائب موجات السيل المتدفق سريعاً باتجاه الجنوب شوقاً للثم جبين تلال أخرى ببابل أو سومر . عاشق الناعور يتحول عنه - غير مفارق ولا وامق - لكنه يفتح القلب ليحتضن إلى جانبه : التلال المحيطة بمدينة التاريخ (هيت).. هيت وتلالها التي تدفعه لاختيار كلية الآداب - قسم الآثار، وهو خريج الفرع العلمي حيث لا تاريخ ولا آثار ولا تلال ولا رقائم ... إلخ .. حتى تدلف بوابة قلبه المواربة طالبة في قسمه طالبة منه ولوج هذا القلب الذي لم يتسع إلا لهيت ونواعيرها ثم تلالها تتسلل ( منى ) لهذا القلب من هذا الباب الموارب حيث كان خالد يترك به فتحة تتسرب منها مناهج الحياة البريئة الحافلة بالمحبة.

منذ اليوم الأول للقاء، أو بالأحرى بعد وداع مؤقت بدأت منى - أو شاكر - حواراً داخلياً تهمس لخالد شعراً يدور في وجدانها ناطقاً بالحب. شاكر بدأ شاعراً قبل كتابة السرد أو القصة ، لذا تتردد على ريشة قلمه السارد ترانيم الشاعر شاء أم أبى .. أنا لا أعتبر جریان قلم الشاعر شعراً يسيل على قرطاسه .. لأنه يعبر عن حقيقة القلم وما ومن بيشه لواعجه ، لا أعتبر ذلك مثلبة بل هو إضافة أراها طوافاً في محراب العشق المقدس وأداء لمناسك الغرام المفروضة طوعاً .. ومن لا يطوف ولا يؤدي تلك المناسك فليس له دين، ولا هو بشاعر ! :- «أو تخطى عقرب التوقيت دقات السفر ... « ( ص ٤٢)، أليس هذا شعراً ؟ - كمثال - .. هو شطر من بيت ينتسب الى (بحر الرمل). وحين يستمر الحوار الداخلي لهذه الأنثى

 

المدلله

 

نجد : «ليت لي في هذه الدنيا طريقاً أعتليه... أنت في عيني جواد في الطريق ...» إلخ  (نفس البحر، نفس الصفحة). لكي لا يفوتني ما أريد كتابته الآن :- واحدة من أجمل العبارات المنطلق بها لسان خالد على مدى صفحات الرواية، في حواره مع منى خلال الدعوة الأولى له في أحد مطاعم بغداد التي لم تكن كثيرة كما هي اليوم :- - الذي لا يحب الأرض لا يجب سواها ... إنها أقوى أنواع الحب ... هي الأصل في ذلك ..» (ص ٦٦).

شاكر .. أخي :- (لوتراني وأنا أحلّق معك لتطير روحي صحبة خفق جناح قلبك أو قلمك وهو يرتقي عالياً أجواء الحب لمنى أو يهبط رفيفاً فوق بساتين هيت و آثارها على ضفتي فرات النواعير أو يطوى الصحراء بأتجاه تلك الضفاف لينزل إلى الماء متعلقاً بـ «قوق الناعور» بكل العشق الذي يختزنه - إبن الغربية - لتدفق موج الفرات المنحدر متعجلاً صوب الشرق ثم الجنوب حتى يلتقي الحبيبة - دجلة - معانقاً في أقصى جنوب الوطن ليشقا معاً مجرى أو مستقر حياتهما حتى نهاية العمر أو ... بداية الخليج).

 

إقتحم الحب حياة خالد متسللاً رويداً وعلى تؤدة وكأنه يتوسل به كما تتوسل مشاعر منى لاستقباله أو القبول به، فيقبله أو يستقبله متفضلاً .. في حين كان الأقتحام لحياة منى صاعقاً ساحراً أخاذاً ، صار خالد إثر الحب فيلسوفاً وأضحت منى شاعرة. أما إبن خالها (داود) فقد زادت شخصيته هزالا وغيرة وغضباً .. لكنها لم تكن تعيره إهتماماً كما لن أعيره أنا ذلك ! ، إذ اكتفى قلمي وكفّ عن ذكره عدا هذه اللمحة العاجلة، ولن نلتفت له : أنا وقلمي ومنى وخالد أو نتذكره مرة أخرى، بل سنتركه يلهث خلف السراب حتى وفاة والده الصائغ الطامح الطامع ، وقبلها مصارحة منى له بأصرارها على عدم الأقتران به . - يستطيع القارئ للرواية إدراك معاني فهم منى للحب من حوارها المطول مع داود

( ص ٢٠٢ – ٢٠٤). لا أختم قبل التطرق إلى شخصيتين ثانويتين في الرواية هما : الزميلان والصديقان لمنى وخالد ( بيداء ومثنى ) ودورهما التوفيقي، وروح المودة التي يتمتعان بها وحبهما لبعضهما وللعاشقين منى وخالد، والصداقة الرائعة المشهور بها ذاك الزمن الجميل دون رجاء مصلحة أو رياء. حمل شاكر طيلة حوارات الرواية ، حمل قلمه ما سكبه الحبر أو القلب على الورق سيلاً من المبادئ والقيم النبيلة التي تربى عليها هو أو بطل روايته (خالد). كما تحدث على لسان بطلتها (منى) عن كل ما يؤمن به أو يتمناه للفتاة العراقية أن تكون .. هذه الرؤية أو الرؤيا التي يرومها الكاتب متحمساً لما يريد أو يحلم ، أعطت للرواية مداليل ومشاعل إنارة تضي ظلمة هذا السيل أو الليل البهيم الذي يتخبط به الجيل ، أو لنقل بعض الجيل الجديد على غير هدى بل في ضلال بعيد .. مطلوب من كل مثقف أو مبدع الخوض في هذه الظلمة حاملاً بكلتا يديه مشاعل إبداعه، مسخراً إياها لأنارة البصائر ونقاء الضمائر، دون وجل أو

دجل أو نفاق، كما هو سائد في كثير من الأوساط بهذا الزمن رديء المعطيات والنتائج، ووسط دعاوى الحرية والديمقراطية والفوضى الـ خلاقة !!.. إلخ من مفاهيم أشاعها وكثف الأهتمام بها ومازال من يروم إستحمار أو استعمار أو استثمار مشاعرنا وطموحاتنا وغاياتنا للأنحراف بها على وفق ما يصبو إليه ، وهو بالتأكيد في غير صالحنا . وقد انجرف الكثير من كتابنا مع هذا التيار أو التيارات التحريبية التخريفيه المسيئة لثوابتنا وتراثنا وأصالتنا دون تمهل .. تقليداً أوركوناً لموجة ما يدعى بالحداثة أو التجديد، ممسكين معاول الهدم موغلين غموضاً وعبثية ورفضاً لكل أصيل أو نبيل من تراثنا وآفاق خصوصيتنا وإبداعنا إنطلاقاً من عقدة الأحساس بالنقص تجاه الآخر، في الوقت الذي نستطيع فيه نحن إغناء هذا الآخر بما يفيض من طاقات مبدعينا أفكاراً وأساليب إن إمتلكنا الثقة بالنفس وقدرتها على الأبداع الخاص وليس المقلد.

ضمن هذا السياق يركز المؤلف المبدع على عزة نفس بطله (خالد):- رفض المال - الدنانير التي أرادت منى منحه إياها بشكل حاد ولائم - أفكاره ، أفكارها بعد مغادرته سيارتها في منتصف الطريق .. أزعجته فـ (زعل) عليها ، لكن ردّة فعلها كانت على العكس:- إعجاباً أكبر و .. حباً أوفر. (الصفحات من ١٦٣ - ١٦٦).

لا يفوتني ذكر أن الرواية حوارية اكثر منها (حدثية - إذا صح التعبير -) أعني غزارة وطول حواراتها على حساب أحداثها، مازاد في صفحاتها لتبلغ (۳۸۳) صفحة. قد ينتبه القارئ المتخخص بأناة إلى أن (عرس النواعير) منذ البداية وحتى الصفحة (٢٩2) وحادث وفاة (سليمان) خال منى ومحمود - الذي كان ظلاً لأبيه - لم يعرف خلالها شيء عن دوافع هذا الرجل للحصول على (الصينية الذهبية – السر ! -) كما أرى أن الأهتمام بالنواعير يبرر الحديث المطول مع الخال عن تفاصيل أجد بعضها غير ذي أهمية ..

كان يمكن الاستغناء عن التطرق لـ : ( الشريجه ، القوق، الظهارة، البطانة الخ، الخ) إستغرق حديث خالد وخاله عن هذا الأمر من الصفحة (٣٠٦) حتى (٣٢٠). وأخيراً :- يقول شاكر في ( ص ۳۷0) : «تنطلق الزغاريد من الجميع ، ويعيش الأهل المتباعدون أجواء القرب الغريبة كأنها من قصص الخيال» .. هي فعلاً أغرب من قصص الخيال، إن لم تبدأ كذلك فقد انتهت كذلك!. لكنها تبقى رواية أغنت فضاء السرد العراقي بالكثير جداً من كل ممتع ومفيد وفريد و شفاف.

حين رفعت رأسي عن آخر منظر من (عرس النواعير) هبطت على صورة ذاك العرس أو العشق المنقوش على أديم القرطاس دمعة لا أدري منابعها لتمتزج مع فيض عواطف لا أدرك معانيها ، فأن كنت ودعت رواية د. جمال العتابي (منازل العطراني) بدمعة أسى، فأنا اليوم أودع رواية شاكر الخياط بدمعة فرح، والحمد لله ، مشيراً إلى روعة الختام بعودة (الحلال إلى أهله) :- الكأس إلى الصينية - المسكن، والكنز إلى الكلية - الوطن ، وعبد القادر أو (رحيم) إلى هيت - التأريخ، ومنى إلى شاكر (عفواً خالد) ، وأنا إلى الوعي الذي استلبه مني شاكر بعرسه أو عرس نواعيره!. أحسنت يا خياط .. يا بن هيت الحضارة .. يا .. شاكر.

 

الشاعر :- کاظم عبد الله العبودي

بغداد - ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٣م

١٦ جمادي الأولى ١٤٤٥هـ


مشاهدات 142
الكاتب كاظم عبد اللـه العبودي
أضيف 2024/04/27 - 12:43 AM
آخر تحديث 2024/05/07 - 12:55 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 249 الشهر 2672 الكلي 9140710
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/5/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير