الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كيف ندير الأزمة مع أمريكا سلوكياً؟

بواسطة azzaman

كيف ندير الأزمة مع أمريكا سلوكياً؟

منقذ داغر

 

لم يعد خافياً ولا صعباً أدراك أن العراق يواجه أخطر أزمة في علاقاته مع أمريكا منذ 2003 تجلّت في جانبين رئيسيين هما الأمن والأقتصاد. وبما أني من أنصار المدرسة(وليس الفلسفة)البراغماتية في السياسة فسأحاول هنا تقديم رؤية لما أعتقده ممكناً في كيفية أدارة الأزمة مع أمريكا في هذين الجانبين أستناداً الى مبادىء السلوك السياسي. لا يختلف السلوك السياسي عن السلوك الأنساني في أعتماده على مبدأين يحكمان عمله. على الرغم من وجود كثير من مبادىء وآليات السلوك الأنساني،وبالتالي السياسي الا أن (الثقة والمصلحة) يتربعان في رأيي على قمة كل المبادىء الأخرى. فالأول(الثقة) يمثل «الشاصي» أو الجسم الساند لأي علاقة سلوكية،والثاني(المصلحة) يمثل «محرّك» العلاقة ودماغها التشغيلي. فبدون توفر الثقة في الطرف الآخر سيكون الشك هو سيد العلاقة وسيتم النظر لأي سلوك من قِبلَه بأنه سلوك غير موثوق،وربما مؤذي للطرف المقابل. مع ذلك فأذا شعرنا أن هناك مصلحة في أدامة علاقة جيدة فسوف نسعى بكل الطرق لأدامة تلك العلاقة رغم أنها «غير موثوقة»، لأن الخسائر المترتبة على فقدان العلاقة هي أكبر بكثير من المكتسبات المادية والمعنوية الناجمة عن قطع العلاقة نهائياً. أنت أحياناً قد تفقد الثقة بشريكك أو تهتز الثقة به، لكنك تشعر أن خسائرك ستتضاعف أذا قطعت العلاقة معه تماماً.

نظام سابق

لقد مرت العلاقة الأميركية-العراقية بعدة مراحل منذ 2003 تباينت خلالها مقادير(الثقة والمصلحة) المقدَّرة من قبل كل طرف بالآخر. فمن الجانب العراقي شعر معظم ساسة العراق الجدد بالثقة بأميركا كونها أطاحت بالنظام السابق،كما شعروا بالمصلحة في أدامة علاقة ممتازة معها ما دامت القوة العظمى التي لم يستطع أحداً الوقوف بوجهها حينما أرادت أسقاط نظام صدام. قابل ذلك شعور أمريكي مماثل بالثقة في شخوص النظام الذين أختارتهم لأدارة العراق الجديد،كما كانت تعلم أن لديها مصلحة أستراتيجية في أدامة علاقة مميزة بالنظام العراقي. لكن ونتيجة ظروف كثيرة( عراقياً وأمريكياً وأقليمياً وحتى دولياً) يعرفها كل من عاصر مراحل الأحتلال الأمريكي بدأت الثقة،وهي الأساس كما قلت لأي علاقة ،بالأهتزاز بين الطرفين حتى وصلوا لأتفاق الأنسحاب الأميركي من العراق. مع ذلك فقد ظل قسم كبير(وليس كل) من ساسة العراق يدركون أن لديهم مصلحة مهمة في أدامة علاقة جيدة مع أمريكا. على الجانب الآخر فعلى الرغم من تباين تقييمات الأدارات الأمريكية المختلفة للثقة بالنظام العراقي وحكوماته المتباينة،الا أن كل الأستراتيجيين الأميركان،ومعهم معظم ساسة أمريكا كانوا يدركون،ولأسباب كثيرة، ليس محل تفصيلها هنا،أهمية العراق لهم والخسارة الأستراتيجية الكبرى لفقدان نفوذهم عليه. أن كل ما يحصل من توترات وتداعيات أمنية وأقتصادية بين الطرفين الآن هو حصاد لأهتزاز (الثقة) وبقاء(المصلحة) لأستمرار العلاقة.

فعلى صعيد الأقتصاد العراقي والعقوبات التي فرضتها أمريكا على البنوك والمؤسسات العراقية.تعالت الصيحات أن الأميركان لا يقدمون أدلّة (عدا في حالات محدودة) على تورط البنوك المعاقبة بعمليات غير قانونية تستوجب معاقبتها. ويستغرب البعض لماذا لم تتم معاقبة البنوك الوسيطة (أو المراسلة) والتي تنتمي لجنسيات غير عراقية وتمر من خلالها كل عمليات التبادل الدولاري العراقي مثلما عوقبت البنوك العراقية. الأجابة ببساطة لأنه لا تتوفر الثقة الأميركية بالعراقيين ،مع أنه توجد مصلحة أميركية مدركة في أهمية أدامة العلاقة معهم. لذا لا يريد الأميركان أن تتم معاقبة الأقتصاد العراقي بمثلما عوقبت أقتصادات أخرى في العالم والمنطقة (أيران وروسيا مثلاً) ويضعون سقفاً محدوداً للعقوبات.

عقوبات اقتصادية

هذا يعني انه يمكن للأميركان سواءً الأدارة الحالية أو القادمة أن يقرروا أن العراق بات حالة ميأوس منها وبالتالي يستحق عقوبات أقتصادية أشد، وهنا قد تقع الكارثة الحقيقية. والسبب في تسميتها بالكارثة هو هشاشة الأقتصاد العراقي الريعي. فبخلاف أيران وروسيا مثلا، فأن أكثر من 90 بالمئة من عائداتنا تعتمد على النفط والذي يسعر بالدولار. كما أن العراق يكاد ينتج صفر من كل شيء وهو مضطر لأستيراد معظم أحتياجاته وبالدولار الأمريكي.

أما على الصعيد الأمني فيبدو المشهد مماثل للأقتصادي،أن لم يكن أكثر سوءً. فعلى الرغم من الأميركان لهم ثقة أكبر بالجيش العراقي بأعتبارهم هم من نظّموه وسلّحوه ودرّبوه لكنهم فاقدي الثقة بكل ماعداه من وحدات عسكرية أو شبه عسكرية. ومع أدراك الجيش الأمريكي لمصلحته الأستراتيجية في أدامة العلاقة مع العراق سيبقى ينظر للعراق كمنطقة رمادية Gray Zone  حيث أنها مهمة له لكنها غير موثوق بها. هذا يفسر الضربات المحدودة وغير الشاملة للأميركان وتقبلهم أحياناً لخسائر محدودة نتيجة مهاجمة المجاميع العراقية المسلحة لها. لكن أذا قرر الأميركان أن العراق بات منطقة ميأوس منها (حمراء) مما يعني عدم وجود مصلحة لهم في البقاء فيها،فسيضيفون ذلك الى عامل عدم ثقتهم بالعراق مما قد يؤدي الى قرارات أستراتيجية عسكرية ترفع كثيراً من سقف ووتيرة الهجمات الأميركية،فضلاً عن أيقاف الدعم الأستخباري واللوجستي والتدريبي للجيش العراقي بخاصة في مواجهته اللا نهائية مع داعش.

أن الحل الأمثل للتعامل مع أميركا هو أولاً القرار هل نريدها حليف أم عدو،أذ لا يوجد في هذه المرحلة على الأقل أي أمكانية لأختيار منطقة وسطى بين الحليف أو العدو. فأذا قررنا أن أميركا عدوّة ويجب طردها من العراق فعلينا أدراك التداعيات الأقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية المترتبة على ذلك والأستعداد لتحملها كما فعلت أيران وروسيا وكوريا الشمالية. أما أذا قررنا أن الوقت لا زال لم يحن لمثل هذا القرار فعلينا أدراك أنه على الرغم من صعوبة أستعادة الثقة بالنظام السياسي فأنه يمكن على الأقل أدامة المصلحة بين أميركا والعراق. هنا على الحكومة العراقية أن تدرك المجالات التي في مصلحة العراق أدامتها بل تعزيزها مع أميركا وكذلك المجالات التي لا يمكن لأميركا أن تتنازل عن مصلحتها مع العراق فيها.فأذا عرف كل طرف ما يريده الطرف الآخر يأتي دور المختصين في كل مجال،بما فيه المصرفي، ليجلسوا على طاولة التفاهم والتفاوض بخصوصه. هذا يعني أن على الحكومة العراقية أن تدرك أنها مهما حسنت من شفافية تعاملاتها المالية،أي عززت منسوب الثقة فأنها لن تستطيع حل مشكلتها الأقتصادية مع أميركا بدون مراعاة مصالحها الأستراتيجية. كما أنها مهما ناقشت وحاورت الأميركان دبلوماسياً أو تفاوضت معهم عسكريا فلا يمكنها أن تنهي الأزمة دون الموازنة بين مصالح العراقيين والأميركان أستراتيجياً.


مشاهدات 459
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/02/09 - 9:31 PM
آخر تحديث 2024/05/18 - 11:56 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 7 الشهر 7243 الكلي 9345281
الوقت الآن
الأحد 2024/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير